بوسعنا كذلك تجريد ثلاثة مؤشرات على "الفنكوش" في حبياتنا العامَّة والخاصة على حدٍّ سواء: أولها استعمال الطرائق "المشروعة" ظاهراً لبث الفنكوش (وهي طرائق مثلها مثل مسجد الضرار!)، وثانيها ضخامة الدعاية لهذا الفنكوش في وقت جد قصير، وثالثها قِصَر عُمر هذا الفنكوش ودعايته وموته "المفاجئ"
لا ترجع أهميَّة خطاب بايدن إلى كشفه معالم الأزمة التي اطلع عليها القاصي والداني، فهذا معروف مشهور، وإنما مكمن الأهميَّة الأعظم هو كشفه عن عمق هذه الأزمة، الأمر الذي يستعصي إدراكه على المراقِب الخارجي، وذلك بسبب ضخامة بُنيان هذه الحضارة، وتغول هيمنتها الثقافيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والعسكريَّة.
إذا كانت المعارف الجزئيَّة ناتجة عن جدليَّة الإنساني والطبيعي/ المادي، وثمرة لاحتكاكهما المباشر وتفاعلهما في "بناء" تفاصيل الحياة اليوميَّة؛ فإن المعارف الكليَّة هي نتاج إنصات الإنسان للأمر الإلهي. لكنَّ البشري لا يُنصِتُ لهذا الأمر القُدسي بنفسه، وما كان له؛ بل يُنصِت إلى بلاغ نبي معصوم يوحى إليه.
من لم يعرِف الجاهلية؛ لم يعرِف الإسلام. لا لأن الأشياء تُعرَف بأضدادها فحسب، وإنما لأن خبرة الآدمي بالجاهليَّة (الشر، الإثم، الذنب) هي التي تهتك روحه البريئة بالقدرة على التمييز، وتُبصِّره لا بقيمة الإسلام فحسب، وإنما بحدوده
لقد أنزل القرآن، أولاً وقبل كل شيء؛ لتتشكَّل به النفوس.. عميقاً عميقاً. أنزل لتكابده، ولتكابد الحياة به، ولتكابد الوجود كله به. هذه المكابدة هي التي تُعيد تشكيل النفس والوجود
إن صحَّت الوسيلة، وصحَّ للمؤمن استعمالها؛ صارت مجرَّد أداة لتيسير الحركة الإنسانية في الوجود، وليست وسيلة للدعوة إلى الله، إذ إن للدعوة وسيلتها التي لا تتغيَّر ولا تتبدَّل.
حين يصطدم "المتلقي" اصطداما شديدا ثقيلا بالمعرفة؛ فهذا يعني أنه يُكابدها أو يُكابِدُ حالا تجعله يحتاجها. إنه يتحرك، أو يحاول مُخلصا الحركة؛ فيتلقى المعرفة بالوجدان المطلوب
مع اقتراب ستينيات القرن العشرين من نهايتها، كان أكثر كتابات السيد رحمه الله قد سقط من الذاكرة، فلم يَعُد المثقَّفون يذكرون سوى رسالته في الرد على أصحاب المذهب الدهري، ومقالات صحيفته الصاخِبة: "العروة الوثقى"
قُطب رحمه الله لم "يعتذر" عن آرائه، وإنما قال عرضا، حين سئل أن كتاباته قبل ذلك تُمثِّل بعض مراحل تطوره الفكري، ولا تمثل "رأيه النهائي". ومن ثم، كان الكلام عن "اعتذاره" غير دقيق، بل فيه ليٌّ أيديولوجي لأعناق الكلام
ولعلَّ أحد أهم النماذج الصارخة التي تُجسد الفشل المبدئي والكامل لوجود الدولة، في المشرق العربي؛ هو لبنان، التي كان انفجار مرفئه مؤخرا وما تلاه من أحداث؛ حالة نماذجيَّة شديدة الدلالة على قُرب استحقاق زوال كيانات التجزئة العربيَّة، بعد أن استنفدت غرضها
إن القرآن لم يذم الأغلبيَّة والأكثريَّة في كل موطن عبثا، وإنما كان في ذلك مخبرا عن الله تعالى بمآلات الخطاب الجماهيري، وما فيه من مخاتلة وتلاعُب بالخلق
صار من المسلَّم به في الدراسات الحديثة أن "المقتطفات" أو "القصص" الإخباريَّة المختارة، التي تنشرها هذه الأدوات، والمفترض سذاجة "حياديتها"؛ تصوغ سرديَّة تخدم ممول الأداة وصاحب الحق في توجيهها بداهة، فهي كالقذائف الموجَّهة في قصف صاروخي غائي؛ لها ترتيب معيَّن وهدف معيَّن يسوق المتلقي إلى نتيجة بعينها