رغم وجود بعض الأصوات المتناثرة هنا وهناك في أوساط النخبة الأردنية سواء السياسية أو الإعلامية تدعو للمشاركة في ورشة المنامة الاقتصادية؛ إلا أن الرأي العام الأردني لا زال مناهضا لصفقة القرن ولكل عناوينها وشعاراتها ورموزها وعلى رأسهم صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير و(مبعوث السلام الأمريكي) جيسون غرينبلات.

موقف شعبي أردني رافض

 
موقف ازداد وضوحا وصلابة بعد إعلان البيت الأبيض عن زيارة مرتقبة لصهر الرئيس كوشنير إلى الأردن؛ تداعت بعدها القوى السياسية للاحتشاد والتظاهر أمام السفارة الأمريكية في عمّان؛ كان على رأسها الحركة الإسلامية واليسار والقوميين؛ تحرك من الممكن أن يعيد صياغة وهندسة المشهد السياسي في الساحة الأردنية مقدما قوة دفع جديدة للحراكات الاحتجاجية في الشارع.

فوضوح الرؤية لدى الرأي العام الأردني والقوى السياسية لم يقابل بذات الوضوح لدى الرسمي الأردني؛ وتأخر الحكومة الأردنية في تحديد موقفها من المشاركة بالورشة الاقتصادية يفاقم أزمتها ويفتح الباب للتكهنات حول حقيقة الموقف الأردني من المشاركة بورشة المنامة بل وصفقة القرن ذاتها؛ وزاد الأمور سوءا وتعقيدا زيارة "جاريد كوشنير" صهر الرئيس ترمب ومهندس صفقة القرن للأردن في إطار جولة يرافقه فيها كل من جيسون غرينبلات مبعوث السلام الأمريكي وبراين هوك المبعوث الخاص الأمريكي لإيران شملت المملكة المغربية والكيان الإسرائيلي وسويسرا وتنتهي في أنجلترا؛ فاتحا الباب لتعاظم الضغوط الأمريكية والإقليمية على المملكة الأردنية.

موقف رسمي مرتبك

فالموقف الرسمي الأردني أمام تسارع الأحداث مرتبك وتتجاذبه إرادتان: إرادة الشارع والمصالح العليا للدولة والاستقرار الداخلي؛ وإرادة يعكسها هاجس كبير من ردات فعل أمريكية وعربية خليجية في حال امتنع عن المشاركة ولو شكليا وبوفد متدني التمثيل؛ فعمّان لم تعلن حتى اللحظة موقفا واضحا وصريحا من المشاركة في الورشة الاقتصادية المعلنة في المنامة بتاريخ 25 ـ 26 حزيران (يونيو) المقبل في حين أن زيارة كوشنير تهدد بتضيق الخيارات وهامش المناورة السياسية داخليا وإقليميا.

زيارة يتوقع أن يوجه فيها كوشنير دعوة رسمية للمملكة الأردنية لحضور الورشة الاقتصادية في المنامة؛ واضعا عمّان أمام استحقاق واضح وهامش مناورة ضيق زمانيا ومكانيا؛ فالإعلان عن زيارة كوشنير جاء بعد اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني وحمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين لم يتضح إذا ما كان وجه فيها الدعوة إلى الملك عبد الله الثاني لحضور ورشة كوشنير.
 
فكوشنير تعاظمت المخاوف لديه وبات قلقا من إمكانية تغيب الأردن ومن ورائه المملكة المغربية بعد أن أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس رفضه المشاركة في الورشة ومناهضته لها ودعوته الدول العربية لمقاطعتها؛ وبعد إعلان كل من الصين وروسيا في موقف مشترك الامتناع عن المشاركة في ورشة المنامة الاشكالية ما دفع لتحرك سريع تجاه المنطقة على أمل استباق الأحداث الآخذة في التدحرج لغير صالح ورشته المشؤومة؛ لينتهي بها الحال إلى ما انتهت إليه محاولاته المتكررة للإعلان عن موعد محدد لصفقة القرن؛ مسألة تدفعه إلى مضاعفة الجهود والضغوط على المملكة الأردنية لدفعها إلى المشاركة.
 
مشهد رفع من مستوى حساسية الحكومة والأجهزة الرسمية في التعامل مع ملف ورشة كوشنير في المنامة؛ إذ تحولت الورشة إلى ملف محلي بامتياز يهدد بتأزيم الساحة الداخلية ويزيد من امكانية تعميق الاحتقانات المحلية؛ مشهد محلي يفاقم خطورته تطورات المشهد الإقليمي؛ إذ سيعقد موقف الأردن من المشاركة (حضورا وغيابا) من علاقة الأردن بدول الخليج وعلى رأسها الدول المتحمسة للورشة كالبحرين والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية.

وستوفر الدول الخليجية بحسب صحيفة اسرائيل هيوم 70 % من التمويل لمشروع كوشنر المقدر بـ 68 مليار دولار في حين ستوفر أمريكا 20 % من المبلغ المقترح والاتحاد الأوروبي 10%؛ تقديرات تعني امكانية معاقبة الأردن على إحباطه أو إفشاله لورشة كوشنير في المحافل والمؤسسات المالية الدولية وبحرمانه من المساعدات الخليجية؛ وهي المسألة التي يسعى الأردن لتجنبها.

حالة التأرجح الأردنية تعكس المخاوف والهواجس الكبيرة المترتبة على المشاركة حضورا وغيابا

مشهد انعكس على الموقف الأردني من المشاركة إذ ازداد غموضا ومراوغة؛ عكسته تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في اتصال جمعة بنظيره الأيرلندي سيمون كوفني شدد فيه على "ضرورة أن تنطلق جميع الجهود المستهدفة حل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من حقيقة أن السلام سبيله إنهاء الاحتلال واعتماد خطوات عملية لتحقيق ذلك"؛ وتوافق الصفدي مع نظيره الأيرلندي على أن "دعم التنمية الاقتصادية عامل ضروري تكون جدواه مهمة وأساسية في إسناد الحل السياسي الذي يحدد الوصول لحل الدولتين هدفا واضحا له وليس خارجه" .

الصفدي من خلال تصريحاته ترك الباب مفتوحا لإمكانية المشاركة في ورشة المنامة؛ فحالة التأرجح الأردنية تعكس المخاوف والهواجس الكبيرة المترتبة على المشاركة حضورا وغيابا؛ ولاشك أنه سينسق موقفه مع المملكة المغربية والسلطة الفلسطينية قبيل إعلان موقف واضح وسيعتمد إلى حد كبير على تسارع التطورات في المنطقة الممكن أن تسهم في إفشال وإحباط الورشة كأحداث كبيرة في الخليج العربي الذي يعاني من حالة توتر واحتقان كبير؛ تبقي الباب مفتوحا لكل الاحتمالات.