كتب

إسرائيل من الفكرة إلى الدولة.. هل إلى زوال؟ قراءة كتاب

أمام إسرائيل تحديات عسكرية وأمنية وخارجية من جهة وتحديات داخلية نتيجة اتساع الفجوات الاجتماعية والسياسية..
أمام إسرائيل تحديات عسكرية وأمنية وخارجية من جهة وتحديات داخلية نتيجة اتساع الفجوات الاجتماعية والسياسية..
الكتاب: "إسرائيل من الفكرة إلى الدولة هل إلى زوال؟"
الكاتبان: وليد أنطوان الشوملي، خضر عيسى هواش 
الناشر: دار تدوين للنشر والتوزيع، عمان، 2024م
عدد الصفحات: 138 


قامت الصهيونية المسيحية بدور بارز في استمرار وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي، فهي تشكل أحد أعمدة بقاء هذه الدولة، وليس غريباً أن الصهيونية المسيحية استندت على مفاهيم دينية مغالطة في تحريفها للكتاب المقدس" الإنجيل"، ومنها انطلقت في وضع فرضيات لمعاداة الشعب الفلسطيني ومحاربته داخل أرضه، وعلى أساسها قامت مؤسسات وجمعيات أمريكية في دعم دولة إسرائيل، فكانت الصهيونية المسيحية المحرك لأي عملية ديمقراطية انتخابية داخل الولايات المتحدة ولها دور واضح داخل الحزب الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية 

هذه الدراسة المهمة تقدم رؤية فكرية وسياسية  لمعضلة إسرائيل الوجودية كما أشار الدكتورة أحمد رفيق عوض في تقديمه لها" إن المؤلفين في هذا الكتاب يثبتان أن العقل الأوروبي تهود أو تم احتلاله، وبالتالي تم إجبار أوروبا على البحث عن جذورها اليهودية في عملية غسيل دماغ فريدة في التاريخ "، إن المؤلفين أرادا أن يقولا بعالي الصوت أن المسيحية النقية كما فهمها أهل الشرق بريئة كل البراءة من ادعاءات الصهيونية المسيحية وتفسيراتها، وأن الصهيونية المسيحية هي فهم متطرف وقراءة مهووسة، وتفسير حرفي للمسيح، ولما دعا إليه.

يبحث الفصل الأول: في المسيحية الصهيونية" الأرض الموعودة"، الجذور والخلفيات اللاهوتية والتاريخية لقيام حركة الإصلاح اللوثري باجتراح المسيحية الصهيونية، التي سبقت الصهيونية اليهودية، والدول الأوروبية الاستعمارية، وتسببت باستعمار فلسطين ونكبة شعبنا، فقد قامت الصهيونية بتفسير النصوص التوراتية/ أي العهد القديم المتعلقة بالمشيح اليهودي، وقراءته قراءة أخروية خلاصيه، تدعي فيها أن هذا الكتاب تنبأ بقدوم المسيح بن مريم، الذي سيعود إلى الأرض ليقيم حكماً ألفياً تسبقه إقامة دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، وينبه المؤلفان أن المشيح المذكور في العهد القديم ليس هو المسيح ابن مريم الذي يؤمن به كل من المسيحيين والمسلمين وفقاً لعقيدة وتراث كل ديانة.

تعود بذور المسيحية الصهيونية إلى نشوء الحركة "البيوريتانية " التطهيرية التي نشأت بعد سنوات من انشقاق مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية في روما عام 1517م، عندما تمرد ملك إنجلترا هنري الثاني على الكنيسة البابوية الأم، وتأسيس كنيسة إنجلترا عام 1534م، كما قام جون كالفن بتأسيس المذهب الذي يحمل اسمه، وذلك لخلافه مع المذهب اللوثري حول بعض القضايا العقائدية، وفي بعض التفسيرات اللاهوتية، " شكل هذان المذهبان البيوريتاني والكالفني الحاضنة للمعتقدات الدينية، التي تقول أن اليهود هم شعب يهوه النوعي، وهم شعب الله المختار، بالتالي هذا الشعب بحاجة لوطن"، فقد قام أتباع هذه المذهبين بتفسير النصوص التناخية أي التوراتية كي تتلاءم مع رغباتهم ومع طموحات اليهود باستعمار فلسطين، بالتالي فقد ربط هؤلاء الايمان المسيحي بعودة السيد المسيح بضرورة إعادة تجميع اليهود في فلسطين، وتأسيس دولة لهم حتى يظهر المسيح من جديد، وهو ما شكل حسب زعمهم السردية التوراتية عملية ربط اليهود بأرض فلسطين فيما بعد أساساً في إيجاد جماعة متخيلة( قومية من دين)، وهي حالة فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني (ص 11).

تعود بذور المسيحية الصهيونية إلى نشوء الحركة "البيوريتانية " التطهيرية التي نشأت بعد سنوات من انشقاق مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية في روما عام 1517م، عندما تمرد ملك إنجلترا هنري الثاني على الكنيسة البابوية الأم، وتأسيس كنيسة إنجلترا عام 1534م،
قامت المسيحية الصهيونية بعملية تزاوج بين الأسطورة والدين؛ لتشكل قاعدة انطلاق للغرب الاستعماري باستثمارها من أجل تمرير مشروعه، وفكرة الاستعماري الاستيطاني في فلسطين بالسلاح الذي شكل رأس المال حاضنته الرئيسية ومن أجل ربط المكتشفات الأركيولوجية بالوجود اليهودي القديم المزعوم في فلسطين، ساهم المسيحيون الصهاينة بإنشاء صندوق استكشاف فلسطين عام 1865م، الذي قام بعملية مسح شاملة للأراضي الفلسطينية، وبناءً عليها حددت المواقع الاستيطانية لتأخذ بعد ديني عند الأحزاب اليهودية المتدنية، وبما يخلق سردية إسرائيلية تم من خلالها استنطاق الأثار الفلسطينية برواية إسرائيلية مزيفة.

دارت أحداث الفصل الثاني حول خفايا الصهيونية المسيحية من مؤتمر بازل1897م إلى النكبة عام 1948م، فبحث الكتابين في المجريات التاريخية للدول الأوروبية المسيحية الاستعمارية وتأييدها للحركة الصهيونية اليهودية، فالنكبة من صنع وإنتاج الدول الاستعمارية الأوروبية وحركتيها المسيحية الصهيونية، واليهودية الصهيونية.

في 12 يونيوعام 1895م كتب ثيودور هرتسل في مذكراته اليومية حول اغتصاب فلسطين" عندما نحتل الأرض، سنحقق فوائد فورية للدولة ستستقبلنا، ويجب علينا أن نصادر بسلاسة الممتلكات الخاصة القائمة على العقارات المخصصة لنا، سنحاول إحياء روح السكان الفقراء الذين يعيشون عبر الحدود من خلال توفير فرص لهم في البلدان المجاورة، مع حرمانهم من أي عمل في بلدنا" (ص 35).

أعلن الصهاينة الأوائل صراحة وجوب طرد السكان الأصليين من أجل تحقيق أهدافهم، فقد كتب ذات مرة مدير الصندوق القومي اليهودي جوزيف فايتس:" يجب أن تكون الأمور واضحة من حيث أنه ليس هناك متسع في البلاد لكلا الشعبين، فإذا غادرها العرب ستتع البلاد لنا حينها، والحل الوحيد هو أرض إسرائيل بدون عرب، ولا يوجد مجال للتنازلات هناك، وليس هناك من طريقة إلا نقل جميع العرب إلى الدول المجاورة إلا القليل منهم" (ص 36).

عام 1905 ـ 1907م، انعقد  مؤتمر كامبل بنرمان، أهم حدث مفصلي في تاريخ القضية الفلسطينية، الذي وضع حجر الأساس لتفكيك المنطقة، وتأسيس دولة إسرائيل، كمقدمة لوعد بلفور الذي صدر عام 1917م، ليكمل هذا الأخير الضلع الثالث من مثلث المؤامرة المشؤوم الذي بدأ بالمؤتمر الصهيوني الأول ومؤتمر بنرمان، الذي عقد سراً في لندن واستمرت مناقشاته حتى عام 1907م، وأهم ما جاء فيه" يشكل البحر الأبيض المتوسط الشريان الحيوي للاستعمار، وهو الجسر الذي يربط الشرق بالغرب، كما أنه الممر الطبيعي إلى القارتين الأسيوية والإفريقية، وملتقى الطرق العالمية"، قسم المؤتمرون دول العالم إلى ثلاث فئات:

الفئة الأولى ـ دول الحضارة الغربية المسيحية التي تشمل دول أوروبا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، ويجب علينا دعمها بشتى الوسائل.

الفئة الثانية ـ دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ولكن لا يوجد بيننا وبينها تصادم حضاري وتشمل أمريكا اللاتينية واليابان وكوريا وغيرها، التي يجب احتواؤها ودعمها بالقدر الذي لا ينعكس عليها سلباً.

الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري، وتشكل تهديداً وهذه الدول بالتحديد العربية والإسلامية، ولكنها تمتلك من المواد الخام ما يجعله قوة هائلة علماً أنها تسطيع خنق العالم كله من خلال تحكمها بمضيق هرمز، وباب المندب، وقناة السويس، وجبل طارق (ص 39).

الفصل الثالث في العلاقة بين اليهودية والصهيونية الإسرائيلية التي طرحها في الفصل الثالث، تناول الكاتب العلاقة الوثيقة ما بين الديانة اليهودية، والصهيونية ودولة إسرائيل، تلك العلاقة ذات المركبات الثلاثة، هي واحدة في الجوهر تستند إلى الديانة اليهودية، وأساطيرها التي تحدثت عن اليهود شعب الله المختار، وأرض الميعاد في التناخ/ العهد القديم .

رفض الكاتبان الفصل بين التام بين ما هو يهودي، وما هو صهيوني، أو الإسرائيلي، لوجود تداخل بين الأبعاد الثلاثة التي تشكل هوية العديد من الإسرائيليين أو اليهود في كافة أرجاء العالم، فسمات الشخصية اليهودية عبر التاريخ عبارة بين الدين والرواية التوراتية التي تخلو من الأسطورة التي تمثل امتداداً وامتلاكاً للأساطير البابلية، والمصرية، والكنعانية التي يرجع تاريخها لأكثر من خمسة آلاف عام.

الشخصية اليهودية حسب سيغموند فرويد، وهو أول من اهتم في تحليل الشخصية اليهودية، ووسم اليهود بأنهم مصابون بمرض البارانويا اليهودية أي جنون العظمة الذي يرجع أساسه إلى اعتقادهم أنهم شعب الله المختار، ويؤكد أن النازية لم تكن السبب بإصابتهم بذلك المرض، إلا أنها أيقظت فيهم تلك البارانويا المكبوتة في ظل أجواء الذل والهوان التي كان يعيشها" استندت التعاليم اليهودية إلى فكرة التعالي على الأغيار، أي كل من هو غير يهودي وفقاً للشريعة اليهودية، واعتبارهم درجة من البشر أدنى منهم، وهذه النظرة الفوقية ترتكز على عاملين أساسيين، أولهما التنشئة الدينية وثانيهما الأسرية" (ص 68).

التنشئة الأسرية فإن الطفل يولد وينشأ بشكل عام في ظل نظام أسري يتسم بمزيج من التراث الديني والأساطير والبطولات الوهمية، والنظرة الفوقية على الآخر بغض النظر عن دينه، أو عرقه، أو جنسه، وبالتالي تنغرس في عقله فكرة أن الله دائماً يقف إلى جانبه في صراعه مع الآخر، ولكنه سرعان ما تنقلب الآية، ويصطدم بالواقع الأليم في اللحظة التي يخرج فيها من الجيتو، ويجد نفسه محتقراً من العامة على عكس القيم التي نشأ عليها داخل ذلك الجيتو، من هنا تنشأ حالة الانفصام النفسي التي قد تؤدي إلى حالة من التمرد وتأخذ الطابع العنفي.

إن التحديات الوجودية لدولة الاحتلال متعددة لدولة قامت على القتل والسلب وتشريد الشعب الفلسطيني، لذلك فصلها الشوملي وهواش في الفصل الرابع بالبحث في التحديات الوجودية والمصيرية لإسرائيل كما عرضتها مؤتمرات هرتسيليا، التي تعد أهم المؤتمرات التي تبحث في إسرائيل والتحديات الوجودية التي تواجهها، النابعة من ثلاثة أركان ومسببات، الأول: كونها دولة يهودية ثيوقراطية تؤمن أن اليهود الذين يعيشون فيها هم شعب الله المختار، وأن لهم الحق في القيام بأية ممارسة ضد الشعب الفلسطيني إلى درجة الإبادة كما يحصل في غزة اليوم، الثاني: كونها دولة استعمارية يسري عليها كل تراث مقاومة الاستعمار على مر التاريخ، الثالث: الدعم الأوروبي والأمريكي الاستعماري، الذي هو الآخر بات يعاني من تحديات بنيوية داخلية، وخارجية مع روسيا والصين وإيران.

تعد دولة الاحتلال من أكثر الدول في العالم، إنتاجاً في الأدبيات العلمية والعلوم والمعارف، وكلها تحمل عناوين التحدي الوجودي والمصيري وما شابهها؛ لأنها تدرك أنها كيان استعماري يقوم على الأراضي والحقوق العربية، يتحدى الإرادة والمصالح العربية، وتكتسب هذه الأديبات العقلية ـ الأمنية العسكرية بالأساس، فمؤتمر هرتسيليا للمناعة القومية، يضم مجموعة كبيرة من الخبراء والمختصين العسكريين والأمنيين في العلوم الإنسانية والاجتماعية المختلفة، أما نتائج مثل تلك المؤتمرات تتعلق بصياغة سياسات وقرارات استراتيجية تعالج التحديات الوجودية للكيان الصهيوني، كالمسألة الديمغرافية والحرب على الإرهاب والهوية والاقتصاد والبحث العلمي، والعلاقة مع دول المحيط العربي وإيران، وكذلك الاستراتيجيات العسكرية والأمنية، ومثل هذه النتائج غير ملزمة من الناحية الرسمية؛ إلا أنها تعبر تعبيراً فعليا عن القضايا التي تبحثها وتصل في النهاية إلى مراكز اتخاذ القرار في الدولة (ص 78).

تقف إسرائيل عند نهاية مجريات حرب طوفان الأقصى في مواجهة خمس جبهات دون أن تتمكن من حسم المعركة على أي منها، أو تعلن انتصارها وتنهي الحرب، أو تقبل إيقافها تحسباً مما يأتي، ويؤكد الكاتبان أن إسرائيل خسرت حربها بالتأكيد على هذه الجبهات..
ناقشت تلك المؤتمرات قضايا متعددة تتعلق بالتحديات الوجودية، أبرزها البحث في السياسات الأمنية والدفاعية لدولة الكيان الصهيوني، وكذلك التحديات التي تواجه ذلك الكيان، ومصير الدولة خاصة في ظل النمو الديمغرافي العربي داخل ما يسمى الخط الأخضر، الذي سيشكل خطراً داهماً على هوية الدولة، هذه القضية تجمع حولها المستوطنين اليهود من اليسار إلى اليمين كافة، وتؤرقهم جميعاً" تطرح وثائق هرتسليا هذه القضية في كل مؤتمر دون استثناء من بابين مختلفين المشكلة الأولى: تتعلق باليهود الحريديم، والثانية: تتمثل بالخطر الذي يشكله كل عرب فلسطين بدون استثناء، ويضع المؤتمر القضيتين  في سلة واحدة، ويشير إلى أن هناك أربعة ملايين نسمة منغمسة في التكنولوجيا الغربية مقابل مليونين من اليهود المتشددين الحريديم، والعرب، والعمال الأجانب الذين يعيشون في مجتمع يشابه مجتمعات العالم الثالث، وأحد الفروق بين هاتين المجموعتين ديمغرافي، حيث أن معدل المواليد لدى العرب في إسرائيل( الحريديم) من بين أعلى معدلات الولادة في العالم" (ص80)، بل أن إسرائيل تقول للعالم أجمع أن إسرائيل والتحديات التي تواجهها تخص كل يهود العالم، ولا تخص أصحاب البلاد الأصليين من عرب فلسطين.

هل ستربح إسرائيل الحرب القادمة؟

في أول تصريح لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو استعار فيه عبارة من العهد القديم عن حرب اليهود على العماليق، وكأن خطة إبادة غزة كانت معدة سلفاً والآن جاء دور تنفيذها، فهذه الخطة الإجرامية لإفناء العرب في غزة، رغم جذورها الدينية ما تزال تلقى التأييد والدعم من حكام أمريكا وأوروبا المسيحيين الذين لم يستنكروا ولو بكلمة واحدة تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسليئل سموتريتش بتجويع ميلوني فلسطين في غزة لإبادتهم!

تقف إسرائيل عند نهاية مجريات حرب طوفان الأقصى في مواجهة خمس جبهات دون أن تتمكن من حسم المعركة على أي منها، أو تعلن انتصارها وتنهي الحرب، أو تقبل إيقافها تحسباً مما يأتي، ويؤكد الكاتبان أن إسرائيل خسرت حربها بالتأكيد على هذه الجبهات:

الأولى ـ انفض عقد الأمن والأمان الذي صاغته مع يهودها منذ النكبة عام 1948م؛ لأنها لم تتمكن من حمايتهم من طوفان الأقصى.

الثانية ـ بات الجليل الأعلى والغربي منطقة عازلة للمقاومة التي تسببت بنزوح أكثر من 100 ألف مستعمر منه وانتقال حياتهم إلى المجهول.

الثالثة ـ تدمير الاقتصاد الزراعي في إسرائيل الذي كان قوامه منطقة النقب الغربي "الذي يعرف إسرائيليا بغلاف غزة"، إضافة لمئات المنشآت الإنتاجية والاقتصادية الأخرى.

الرابعة ـ نزوح حوالي 550 ألف مستعمر إلى الخارج.

الخامسة ـ فقدان إسرائيل الكثير من مقومات دعمها الدولي بين أبناء الشبيبة والمثقفين، ومؤسسات حقوق الإنسان المختلفة في العالم.

هنا توقفت إسرائيل عن الصعود على درجات السلم التي وضعته معياراً لتقدمها ومنعتها، وفي النقطة التي توقفت فيها عن الصعود، لم تعد قادرة على حسم الأمر مع محاور المقاومة من خلال خمس جبهات مرشحة بالازدياد في العالمين العربي والإسلامي بكل ما يعني الأمر من تطور وتصاعد المقاومة، على الرغم من توقيع اتفاقيات منفردة للتهدئة في لبنان وقطاع غزة.

أما يوم القيامة بالمنظور الإسرائيلي في حرب طوفان الأقصى، فتلعب رؤية يوم القيامة هذه دوراً مركزياً لإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا وإيران، ولا تترك أي مجال لأي شخص آخر، وعلى الرغم من أن مهمة اليهود هي التجمع ثم الموت، إلا أنه ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم عقبة في طريقهم"، على هذا النحو نشرت مجلة " رولينج ستون" رسالة موقعة من 2000واعظ من الكنيسة المعمدانية الجنوبية ضمت 13 مليون أمريكي في عضويتها، رفضوا فيها الدعوات الأمريكية لكبح جماح الجيش الإسرائيلي، واعتبروا لإسرائيل الحق في الرد على هجوم السابع من أكتوبر (ص 123).
 
لم تعد مسألة المساعدات لإسرائيل تثير القلق بين الإنجيليين بفضل الصعود السريع المفاجئ لمايك جونسون وهو مشروع مجهول من ولاية لويزيانا تم انتخابه رئيساً لمجلس النواب، ورئيسا للهيئة التشريعية الأمريكية، تم انتخاب جونسون في أكتوبر كمرشح وسط بين أعضاء الفصيل الجمهوري على وجه التحديد لأنه غير معروف لعامة الناس، حيث بدأ الكشف عن ماضيه فقط بعد انتخابه، وتم الكشف عن أنه عمل سابقاً كمحامي لمنظمات مسيحية تعمل ضد حقوق المرأة والمثليين؛ لمدة عشرين عاماً (ص 127).

نعم لقد فسر الصهاينة المسيحيون الهجوم على غزة أنه حدث يبشر بعودة المسيح الوشيكة، وتشرح هذه الزمانية كيف أن النبوءات المسيحية الصهيونية ترى ما يحدث في غزة من الفظائع الإنسانية، على أنه طبيعي وأنه قدر محتوم.

أمام إسرائيل تحديات عسكرية وأمنية وخارجية من جهة وتحديات داخلية نتيجة اتساع الفجوات الاجتماعية والسياسية، وقيام الحكومة الإسرائيلية الحالية بإجراء تعديلات قضائية من شأنها أن تطيح بالعلاقات المجتمعية السابقة، بات تعامل إسرائيل مع هذه التحديات هو الذي سيحدد مصيرها الذي لم يعد ثابتاً أو مضموناً .

ختاماً إن القارئ لهذه الدراسة النوعية في تطرقها لقضية غاية في الحساسية والتشابك، كونها تحتاج جرأة في الطرح والتحليل والنقد المتين المبني على أسس وقواعد منطقية، والشواهد التاريخية والسياسية يدرك أن الكتابين قد كسرا حواجز الصمت إزاء موضوع الصهيونية المسيحية وخباياها، وقدما تفاصيل دقيقة، ونفدا قضايا ذات إشكاليات دينية وتاريخية وسياسية بدراستهما هذه، لذلك فإنني أدعو نفسي وكل متخصص للاطلاع والقراءة بإمعان لكل ثنايا صفحات" إسرائيل من الفكرة إلى الدولة.. أما إلى زوال؟
التعليقات (0)

خبر عاجل