لمَ سمح السيسي بتظاهرات رفض تهجير الفلسطينيين في رفح ومنعها بالقاهرة؟
لندن- عربي2131-Jan-2507:21 PM
0
شارك
نظام السيسي سمح بمظاهرات في رفح رفضا لتهجير الفلسطينيين نحو مصر- الأهرام
استعان النظام المصري الحاكم للبلاد منذ العام 2013، بالشارع المصري أكثر من مرة لمواجهة قرارات التهجير الأمريكية والإسرائيلية للفلسطينيين إلى مصر؛ بينما يمنع أية مظاهر احتجاج شعبي، ويقمع من يرفع لافتة أو علما أو شعارا يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.
ودفع رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، المصريين للخروج في تظاهرات منظمة في القاهرة بحماية الجيش والشرطة في 18 و20 و27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لرفض مطالب إسرائيلية وغربية بتهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، عقب "طوفان الأقصى"، في السابع من الشهر ذاته، وهو ما تبعه خروج كثيف من المصريين، نتج عنه اعتقال أكثر من 120 بعضهم حاول الوصول لميدان التحرير (وسط القاهرة).
والثلاثاء الماضي، عبر السيسي عن رفضه لاقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى مصر.
والسبت الماضي، قال ترامب، للصحفيين: "قلت له (العاهل الأردني) أود أن تستقبل المزيد (من سكان غزة)، وأود أن تستقبل مصر أيضا أشخاصا، نتحدث عن 1.5 مليون شخص تقريبا".
وفي اليوم التالي، قال ترامب إنه وجه نداء مماثلا للرئيس المصري خلال محادثة جرت بينهما الأحد، بأنه "يود أن تستقبل مصر أشخاصا وأن تستقبل الأردن أشخاصا".
لكن، السيسي، أكد الثلاثاء الماضي، رفض مصر القاطع لفكرة التهجير، قائلا إنه "ظلم لن نشارك فيه"، وأن القاهرة لن تتساهل مع مثل هذه الدعوات، مشددا على أنه لا حل سوى حل الدولتين.
اظهار أخبار متعلقة
"حشود بأوامر أمنية" وأكد متحدثان من أعضاء حزب "مستقبل وطن"، أنه "منذ خطاب السيسي، وذكره رفض الشعب المصري لخطط التهجير، صدرت التعليمات الأمنية، بحشد الأعضاء، ونقلهم عبر أتوبيسات إلى شمال سيناء فجر الجمعة، مع إعاشة لهم من وجبة طعام، ومياه، وأعلام مصر".
ولم ينف أي منهما وجود مقابل مالي لقاء كل فرد يجري نقله من المحافظات، مؤكدين أن "الأمر فيه دعم مالي لمن يترك أعماله"، ملمحين إلى أن "الموقف أكبر من الحديث عن هذه الأمور، وأن المحافظات تسابقت في الحضور"، مشيرين "إلى تنافس مع حزب (الجبهة الوطنية) وأنصار إبراهيم العرجاني، في الحشد، الذي يشارك فيه حزب (حماة وطن)، وتنسيقية شباب الأحزاب، والحزب المصري الديمقراطي".
وقال المتحدثان من "مستقبل وطن"، إن "جمعة رفض التهجير تضم سياسيين من أغلب الأحزاب، ووقفة التظاهر هذه وقفة شعبية من القاهرة والمحافظات تأتي تضامنا مع شعب فلسطين وأهل غزة، ولدعم قرار الدولة المصرية برفض التهجير، وتؤكد اصطفاف المصريين خلف الرئيس، وتمثل ردا على كل من يوجه أي اتهام للدولة".
وكشفت مقاطع مصورة خاصة بـ"عربي21"، من أمام معبر رفح الدولي حضور مئات المصريين السيناويين ومن محافظات مصر يرفعون صور السيسي، وعلم مصر، وقليل من أعلام فلسطين، ولافتات تحمل عبارة: "لا للتهجير"، وسط هتافات: "لا لا للتهجير"، و"سيسي قالها: الله أكبر، والتهجير دا خط أحمر"، و"بأجسادنا واقفين نحمي حدودنا من التهجير"، و"شعب مصر شعب كبير لا لا للتهجير".
اظهار أخبار متعلقة
ونقلت قناة "القاهرة الإخبارية"، مقاطع مصورة من الوقفة أمام معبر رفح لرفض تهجير الفلسطينيين، فيما أشارت إلى تنظيم فعاليات مساء الخميس، بمحافظات القليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والبحيرة، والغربية، والإسماعيلية وبورسعيد، وحتى بني سويف شمالي صعيد مصر، رفعوا خلالها علمي مصر وفلسطين مرددين هتافات ضد التهجير.
وفي مقابل هذا الحشد أمام معبر رفح البري، يرى مراقبون ومعارضون مصريون أنه كان على السيسي، السماح للمصريين بالتظاهر في كل أرجاء البلاد للتعبير عن رفضهم للتوجه الأمريكي الإسرائيلي، مشيرين إلى أن رأس النظام المصري ذهب بالمتظاهرين إلى الصحراء بعيدا عن القاهرة، خوفا من تحول الغضب للهتاف ضد سياساته.
كما أشاروا إلى أن السيسي يوجه أنصاره للتظاهر، بينما يمنع كل مظاهر التظاهر ويجرمها، ويحبس أطرافها، ويرفض الإفراج عن متظاهري فلسطين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ويرفض التصريح للحركة المدنية بتظاهرة في القاهرة أمام السفارة الأمريكية، مؤكدين أنه يلجأ للمصريين فقط، عندما لا يقدر على مواجهة أمريكا و"إسرائيل".
وقال المعارض المصري أحمد رامي الحوفي: "التظاهرات مكانها قلب القاهرة وعواصم المدن، أما رفح فهي معبر لدخول المساعدات ومستلزمات الإعمار".
وأكد البرلماني السابق طلعت خليل، أن "التحركات الموجهة من السلطة لا تشكل وسيلة ضغط"، قائلا: "اتركوا الشعب الحقيقي يعبر عن غضبه، فهو من يشكل وسيلة الضغط".
وسخر الناشط محمد صلاح بقوله: "لا للتهجير، بـ500 جنيه، وكرتونة، ووجبة غذاء، ورحلة في أتوبيس فاخر، وشال فلسطين".
ماذا عن معتقلي غزة؟ ومنذ تظاهرات 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يقبع المئات من المتظاهرين المصريين بالسجون رغم خروجهم بأوامر من السيسي للتظاهر، ورغم مطالبات حقوقية لا تنتهي فهو يرفض إطلاق سراحهم.
وطرح الكاتب المصري وائل قنديل، سؤاله قائلا: "لماذا يواصل النظام (المنحاز جدا لصمود غزّة) سجن محبّي غزّة وفلسطين الحقيقيين، ليس فقط 173 معتقلا من 20 محافظة مصرية الذين جدّد حبسهم 45 يوما أخرى على ذمة التحقيقات التي تجري معهم على خلفية خروجهم في تظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية، وإنما مئات من الداعمين للمقاومة يقبعون في السجون منذ سنوات بعيدة".
اظهار أخبار متعلقة
وأصدرت حركة "الاشتراكيون الثوريون"، الخميس، بيانها المطالب بالإفراج عن معتقلي التضامن مع فلسطين، قائلة: "مرت 9 أشهر من الحبس الاحتياطي لـ6 شباب من محافظة الإسكندرية، بالقضية (رقم 1644 لسنة 2024)، المعروفة إعلاميا بـ(بانر فلـسطيـن)، نيسان/ أبريل الماضي".
"أمر تظاهر برفح.. وقرار منع بالقاهرة" وفي سياق التضييق على التظاهرات الشعبية، أكد أحد أعضاء الحركة الوطنية الديمقراطية، المعارضة في مصر، أن "الطلب الذي تقدمت به الحركة إلى قسم قصر النيل بالقاهرة، الخميس، للتظاهر أمام السفارة الأمريكية بالعاصمة المصرية الاثنين المقبل، وفقا لما يقره (القانون 107 لسنة 2013)، تم رفضه".
وأوضح لـ"عربي21"، أنه "وصل للموقعين الـ14 على الطلب إنذار على يد محضر بالرفض، وتم إبلاغهم بالرفض، وبقرار قاضي الأمور الوقتية (رئيس المحكمة الابتدائية بجنوب القاهرة)، برفض الوقفة الاحتجاجية، ملمحا إلى عقد الحركة مؤتمرا شعبيا في مقر حزب المحافظين بالقاهرة عصر الجمعة".
وقال إن "ما يجري في رفح، مجرد حركة فارغة المضمون"، متسائلا: "هل السفارة الأمريكية والإسرائيلية لا تعلم أن هؤلاء أناس موجهة بالفلوس، ويتبعون السلطة، وينفذون أمرها، وأن هذا التظاهر ليس تعبيرا شعبيا حقيقيا من المصري الذي يكاد ينفجر ومكبوت ومقفول عليه التظاهر؟".
وتابع تساؤلاته: "هل هذا يمثل أي ضغط على السفارة الأمريكية؟"، مجيبا بأن "الضغط الحقيقي يأتي من جموع الشعب"، مؤكدا أنه "نظام خائف ويتحسب أن تتحول تظاهرة السفارة الأمريكية إلى بركان غضب ضده، وأنه لا يثق في الشعب الذي يردد اسمه في خطاباته وطالبه بالخروج للتظاهر لدعم فلسطين في 2023، والآن".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أنه "مع وقفة رفح، كان يمكنه أن يحدد بعض الأسماء لتقديم طلب الحركة المدنية برفض التهجير للسفارة الأمريكية وبدون وقفة وفي حراسة الشرطة، وهو ما يخدم موقفه إن كان هذا هو موقفه بالفعل، وإذا كان صادقا فيما يقوله".
وختم بالقول: "حديث التهجير مخيف لكل وطني، والجو مرعب جدا لكل من يحاول الاشتباك مع النظام، بشأنه".
"الأصل هو الشعب"
وفي ذات السياق أكد رئيس حزب "الوفاق القومي الناصري" محمد محمود رفعت، أنه "تم إخطار البعض بأن طلب التظاهر أمام السفارة الأمريكية، تم عرضه على رئيس محكمة جنوب القاهرة للأمور الوقتية، وأنه تم رفض الطلب وجرى الإخطار بالرفض".
وفي حديثه لـ"عربي21"، حول أسباب استعانة الدولة بالجماهير عندما لا تستطيع مواجهة غطرسة أمريكا وإسرائيل، قال: "لأن الأصل هو الشعب الذي يحكم، والحاكم يجب أن يفهم أنه مفوض من الشعب، وعليه تحمل نتيجة عمله".
"حشد أمني لا شعبي" وفي السياق، أكد الناشط السيناوي أشرف أيوب، أن "الدعوة الرسمية من السيسي، للشعب لاتخاذ موقف من دعوة ترامب، لتهجير وتشريد الغزاوية إلى مصر والأردن هي لدعم موقفه العاجز لاتخاذ موقف واضح من هذه الدعوة".
وأضاف لـ"عربي21": "وهذا بعد أن حرم الشعب المصري من حقه في التعبير الداعم للمقاومة، والقضية الفلسطينية عبر التظاهر السلمي، وحبس الشباب المناصر للقضية الفلسطينية الذين نزلوا تلبية لدعوة مماثلة".
وعبر عن رفضه لـ"جعل الحشد مسؤولية أجهزة الأمن والاستخبارات، منذ انتهاء السيسي من كلمته، حيث قامت بتنظيم عناصرها في رحلات شاملة الإعاشة عبر لافتة أحزاب الموالاة".
"من يخدع؟"
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، تساءل الصحفي جمال سلطان: "من العبقري الذي اقترح على السيسي شحن مجموعات مستأجرة لتمثيل مشهد مظاهرة عند معبر رفح لرفض التهجير؟"، مضيفا: "لمن هذه الرسالة؟"، مؤكدا أن "الداخل والخارج يعرفان أنك تقمع أي مظاهرة، وأنك تعتقل للآن مصريين تظاهروا لأجل فلسطين، ودخول سيناء يحتاج لتصريح مخابراتي، على من تضحك؟، ومن تتصور أنك تخدع؟".
وأكد سلطان، أن "اصطفاف الشعب مع حاكم بلده في أزماته له شروط عملية وأخلاقية، في مقدمتها توفر الثقة"، ملمحا إلى أن "المشكلة في مصر أن الثقة أصبحت منعدمة، من كثرة الوعود ونقضها، والتصريحات ثم إنكارها، وتكرار الغدر، والإفراط في القمع ونشر الخوف وإذلال الشعب، ولم يبق له إلا الحركات المسرحية، وهذه ضررها أكبر من نفعها".
ورأى خالد فريد سلام، أن "محاولة إقناع ترامب والإدارة الأمريكية بأن هناك مظاهرات شعبية عفوية، خرجت لرفض التطبيع عن طريق حشد الناس بالأمر، وبمقابل مادي وبشكل منظم أمنيا إلى رفح؛ محاولة عبثية ولا تخدع صانع القرار الأمريكي ولا هي مقنعة حتى للذين يشاركون فيها".
وقال إن "محاولة صنع (حالة شعبية) زائفة وكأن النظام المصري يعبأ برأي الشارع محاولة مضحكة وسريالية جدا، خاصة وأن الأمم المتحدة عقدت من يومين اثنين جلسة لمناقشة وضع حرية التعبير والحريات العامة في مصر تلقى النظام فيها انتقادات واسعة".
"على طريقة مبارك"
وتحت عنوان "مظاهرات بالطلب والمقاس"، أشار الكاتب الصحفي عبد العظيم حماد، إلى أن ذلك النوع من التظاهرات استخدمه نظام حسني مبارك، إبان إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش، الابن، غزو العراق، حيث جمع الحزب الوطني رجاله وقادته باستاد القاهرة الدولي.
وأشار إلى مشهد مماثل لما يجري في رفح اليوم، موضحا أن الجماهير التي جاءت حينها بأوتوبيسات تحتشد باستاد القاهرة كان بيد كل مواطن سندوتشات وعصير، وعلى المنصة صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني، وجمال مبارك أمين السياسات بالحزب.
لكن رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الأسبق، أوضح أن مظاهرة الاستاد ضد غزو العراق؛ كانت مناورة حكومية لإبراء الذمة واستيفاء الشكل أمام الشعب، مضيفا: لكن لم يكن العدوان الأمريكي موجها لمصر مباشرة، أما في لحظتنا الحالية فالضغط والعدوان الأمريكيان موجهان لنا مباشرة والأردن والفلسطينيين.