ذكرت صحيفة الغارديان في
افتتاحيتها، أن على الحلفاء السابقين للولايات المتحدة
عدم تطبيع أو شرعنة مفهوم إبرام الصفقات الدولية الذي يتصدره الرئيس، في خروج سافر
عن القانون.
وأضافت أنه لا يوجد ما هو منطقي في فكرة الرئيس دونالد
ترامب من
أنه ينبغي أن تخضع غزة لسيطرة الولايات المتحدة. إلا أن نظام البيت الأبيض الحالي
يحتقر الأساليب القديمة في إنجاز الأمور، وينوي إعادة تشكيل العالم بشكل جذري، بحيث
يستحيل استعادة نظام ما قبل حقبة ترامب.
وتابعت، "لا يقلل من شيطانية الفكرة ذلك التهافت
العبثي في مقترح السيد ترامب بأن تستولي الولايات المتحدة على غزة، ناهيك عن أن
المطالبة بإجبار 2.2 مليون فلسطيني على الرحيل والاستقرار في الدول العربية المجاورة
يرقى بما لا مجال للشك فيه إلى إقرار عمل إجرامي فظيع، ألا وهو التطهير العرقي".
وفيما يلي نص المقال:
طبقاً لما هو قائم من قوانين وما هو متعارف
عليه في العلاقات الدولية، لا يوجد ما هو منطقي في فكرة الرئيس دونالد ترامب من
أنه ينبغي أن تخضع غزة لسيطرة الولايات المتحدة. إلا أن نظام البيت الأبيض الحالي
يحتقر الأساليب القديمة في إنجاز الأمور، وينوي إعادة تشكيل العالم بشكل جذري، بحيث
يستحيل استعادة نظام ما قبل حقبة ترامب.
لا يقلل من شيطانية الفكرة ذلك التهافت
العبثي في مقترح السيد ترامب بأن تستولي الولايات المتحدة على غزة، ناهيك عن أن
المطالبة بإجبار 2.2 مليون فلسطيني على الرحيل والاستقرار في الدول العربية المجاورة
يرقى بما لا مجال للشك فيه إلى إقرار عمل إجرامي فظيع، ألا وهو التطهير العرقي.
فكرة أن الأرض، بعد أن تستحوذ عليها حكومة
الولايات المتحدة، سوف يتم تحويلها بعد ذلك إلى ريفيرا تطل على البحر المتوسط فكرة
مزعجة وشاذة لما تمثله من انفصال عن الواقع. يتعامل السيد ترامب مع منطقة حرب تقع
في القلب من واحد من أصعب الصراعات في العالم كما لو كانت قطعة عقار مهجورة في حي
مانهاتن. إنه يلهو بحياة ملايين البشر مستخدماً مصطلحات تاجر عقارات فاسد وأساليب
وأخلاقيات زعيم لعصابة من عصابات المافيا.
من بين العواقب التي لا مفر من أن تنجم عن
التعامل مع القضايا الدولية المعقدة بوحشية وببساطة بليدة نشر الخوف، والارتياب
وعدم الاستقرار. ويضاف إلى ذلك حالة لا مسوغ لها من التذبذب في اللحظة ذاتها التي
يتوجب فيها انتهاج مقاربة معاكسة من أجل المحافظة على وقف إطلاق نار هش في غزة.
ما من حكومة من حكومات الشرق الأوسط، فيما
عدا حكومة الائتلاف المتطرف القومي الذي يقوده نتنياهو في إسرائيل، إلا وترفض تدخل السيد ترامب
باعتباره خطيراً وضاراً. وكذلك هو الرأي في أوساط حلفاء الولايات المتحدة في
أوروبا – أو البلدان التي كانت حتى أسبوعين ماضيين تعتبر نفسها حليفا للولايات
المتحدة أصحاب فكر حر، ويرون الآن أن مثل هذا المفهوم لا وجود له في عقل الرئيس.
إنه لا يرى الناس سوى زبائن أو منافسين أو
أعداء. ويمكن للمرء أن يتنقل بين هذه التصنيفات مقابل كيل المديح أو تقديم
القرابين. أما الاصطفاف الثابت القائم على المصالح المشتركة، والمسؤوليات المترتبة
عن المعاهدات الملزمة قانونياً، والقيم الديمقراطية، فهو نموذج لم يعد له وجود
داخل البيت الأبيض.
لا ريب أن في ذلك إنعاشاً للطموحات
الجيوسياسية لكل من روسيا والصين، ناهيك عن أنه يبرر المقاربة الخبيثة في العلاقات
الدولية التي ترى أن "القوة هي الحق". وهو بذلك يشرعن ما يقوم به
فلاديمير بوتين من استيلاء إمبريالي على أراضي أوكرانيا. وبالنسبة للصين، يمنحها
عصر انعدام الثقة بالولايات المتحدة سبلاً مربحة للتوسع الاقتصادي والاستراتيجي،
حيث ترى الصين مكاناً شاغراً هي المؤهلة لشغله باعتبارها القوة العظمى الأكثر
رصانة.
ثمة عقلنة شائعة تفسر رعونته باعتبارها حركات
يفتتح بها المفاوضات. وبناء على ذلك يتم تنظيف أكثر أفكاره غرابة، مثل فكرة
استيلاء أمريكا على غزة، باعتبار أنها ارتجال حر يمارسه رجل أعمال ديدنه إنجاز
المعاملات وإبرام الصفقات. وهنا يتم تصويره على أنه سيد المناورات، الذي يستخدم
الصدم والإرباك لإيقاع خصومه في الفخ قبل أن يتوصل، في نهاية المطاف، إلى نتائج
أكثر حكمة.
يبدو هذا التحليل، وبشكل متزايد، ساذجاً، حتى
وإن كان يتطابق مع رؤية الرئيس لذاته. لربما يظن أن كل ما يفعله هو أنه يبرم
الصفقات، ولكن على الآخرين أن يدركوا بوضوح أن المصطلحات الصائبة لمثل ذلك هي
الإكراه والابتزاز.
هناك الكثير من النماذج في التاريخ لزعماء من
أصحاب نزوات، كل ما فعلوه هو أنهم نشروا الفوضى في مناطقهم وفي خارجها. لا يوجد
سابقة لذلك في البلد الديمقراطي الأقوى في العالم، كما لا يوجد دليل مكتوب يسترشد
به الحلفاء السابقون لهذا البلد في التعامل مع الوضع الراهن. ولكن شيئاً واحداً
بات الآن جلياً، ألا وهو أن الأمل في إقناع أمريكا السيد ترامب باتباع القواعد
والأحكام القديمة، من خلال المجاملة والتلطف، ليست استراتيجية آمنة.