صحافة دولية

الأوروبيون يبحثون عن مخرج من بوتين بعد تخلي ترامب عنهم

العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة تفاقمت بشكل جلي في الأسبوع الماضي- الأناضول
العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة تفاقمت بشكل جلي في الأسبوع الماضي- الأناضول
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن الحرب الروسية الأمريكية، مخاوف دول الاتحاد الأوروبي، حول التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أوروبا، حيث يواجه الاتحاد تحديًا استراتيجيًا جديدًا.

وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرًا، سلّطت خلاله الضوء عن مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عُقد بين يومي 14 و16 شباط / فبراير الجاري، والذي كشف عن توتر العلاقات الأمريكية الأوروبية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ: "العالم القائم على العلاقات عبر الأطلسية، الذي ظل يشكل ركيزة من ركائز النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية واستطاع الصمود في وجه التحديات، مهدد اليوم بالانهيار".

وأضافت الصحيفة بأنّ: "العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة تفاقمت بشكل جلي للعيان خلال الأسبوع الماضي، بالضبط بتاريخ العاشر من شباط / فبراير، وفي أجواء مشحونة بالتوتر منذ تنصيب الرئيس دونالد ترامب، وجّه نائب الرئيس، جاي دي فانس، خلال زيارته إلى باريس، سهامًا من الانتقادات للاتحاد الأوروبي بشأن "تنظيمه المفرط" للذكاء الاصطناعي".

"وفي 12 شباط/ فبراير؛ وجّهت واشنطن أولى رسائلها القوية بإعلانها عن محادثة هاتفية وُصفت بالودية بين دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، بهدف إنهاء الحرب التي يشنها الأخير على أوكرانيا" بحسب التقرير نفسه.

الى جانب ذلك، كان وزير الدفاع في إدارة دونالد ترامب، بيت هيغسيث، قد أعلن الخميس الماضي، أمام حلفاء واشنطن في بروكسل أنّ: "الولايات المتحدة لديها مهام أكثر أهمية في أماكن أخرى". كما أوضح قبل بدء المحادثات مع موسكو، أن: "على أوكرانيا التخلي عن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا وعن فكرة الانضمام إلى الناتو"، وهي التصريحات التي رحبت بها موسكو.

اظهار أخبار متعلقة


خطاب فاشي ومعادٍ لأوروبا
ذكرت الصحيفة أن جاي دي فانس، ألقى خلال المؤتمر خطابًا وصف بـ"الحادّ" انتقد من خلاله الطريقة التي يدير بها الأوروبيون ديمقراطيتهم، متهمًا إياهم بقمع الحرية.

ودون تقديم أي إجابة على السؤال الرئيسي، وهو كيفية اعتزام إدارة ترامب تحقيق السلام في أوكرانيا، رفض نائب الرئيس مقابلة المستشار الألماني، أولاف شولتز، وفضل الاجتماع مع مرشحة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، أليس فايدل في خضم الحملة الانتخابية في البلاد، الأمر الذي ينذر ببداية حرب أيديولوجية.

غياب الرؤية حول الخطة الأمريكية
في حال الاتفاق على وقف إطلاق النار، يمكن عقد قمة بين ترامب وبوتين في السعودية. وعليه، لم تعد إمكانية انضمام دونالد ترامب إلى فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني، شي جين بينج، في الساحة الحمراء في موسكو لحضور ذكرى إحياء عيد النصر في التاسع من آيار/ مايو ضربًا من ضروب الخيال.

وطرح الرئيس الأميركي، فكرة إعادة دمج روسيا في مجموعة الدول السبع الكبرى بعد استبعادها منها في سنة 2014 على خلفية ضم شبه جزيرة القرم.

وأردف التقرير: "تقض هذه الوتيرة المتسارعة للأحداث، فضلا عن انعدام الرؤية بشأن الخطة الأمريكية لأوكرانيا؛ مضجع الأوروبيين. ففي أروقة مؤتمر ميونيخ، تمت مقارنة سياسة إدارة ترامب بتكتيكات حربية باستخدام عبارات من قبيل "إغراق المنطقة" و"تشويش المسارات". وزادت التناقضات من حدة الارتباك".

واسترسل: "أدلى ماركو روبيو بتصريحات مخالفة لتصريحات المبعوث الشخصي للرئيس المنتخب دونالد ترامب للشؤون الأوكرانية، كيث كيلوغ، إذ أكّد أن: الأوروبيين سيشاركون في المفاوضات بشأن أوكرانيا دون تحديد شكل المشاركة أو المرحلة".

ووفق التقرير، فإنه: "من خلال محادثاته مع القيادة الأمريكية، بات واضحًا لزيلينسكي أن خطة أمريكا لإنهاء الحرب لم تُحسم بعد. كان مشروع الاتفاق الذي من المفترض عرضه على زيلينسكي يتضمن منح الولايات المتحدة، حقوق استغلال المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، كتعويض عن المساعدات التي قدمتها لهذا البلد، العرض الذي رفضه زيلينسكي، معتبرًا إياه لا يقدم ضمانات أمنية كافية".

وأبرز: "يسود القلق وسط القادة الأوروبيين بشأن الصفقة التي قد يكون ترامب مستعدًا لإبرامها مع بوتين. في ميونيخ، اعتبر القادة الأوروبيون، الذين يرون أن الرئيس الروسي ليس محل ثقة، أن وقف إطلاق النار لا يعني إقامة السلام. ويرى هؤلاء أنه في ظل غياب ضمانات لتحقيق "سلام عادل ودائم"، سيكرر بوتين الهجوم على أوكرانيا بمجرد توفر الفرصة".

اظهار أخبار متعلقة


تغير البيئة الأمنية للأوروبيين
أوضح التقرير: "سعى زيلينسكي إلى تنبيه الأوروبيين وإقناعهم بضرورة بناء أمن أوروبا بالشراكة مع أوكرانيا، بل وحتى التفكير في إنشاء قوات مسلحة أوروبية. وفي الوقت نفسه، حرص على عدم وضع دونالد ترامب في دائرة الأعداء قائلاً: أنا أعوّل عليه".

وتابع: "تغير البيئة الأمنية الأوروبية بشكل جذري، بمثابة مأزق يواجهه الأوروبيين اليوم. في هذا الصدد، قال زعيم المعارضة الألمانية، فريدريش ميرتس والمرشح الأوفر حظًّا للفوز بمنصب المستشار: نحن نواجه حقًا حقبة جديدة. هذا الأسبوع الذي عشناه يعكس ذلك بشكل واضح".

وقالت وزيرة الدفاع الليتوانية، دوفيل ساكاليني، إنها لاحظت تغييرًا ملفتًا على نظرائها، "فقد أصبحوا جميعا في حالة من الارتباك". مضيفة: "في غضون أربع وعشرين ساعة، انتقلنا من الوهم بأن الولايات المتحدة تدافع عن أوروبا إلى إدراك أننا سنضطر إلى القيام بذلك بأنفسنا، بمساعدة الولايات المتحدة. هذا مختلف تمامًا لا سيما من منظور الميزانية".

من جانبه، في حديثه إلى صحيفة "فاينانشال تايمز"؛ ذكر رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، أن: "المفاوضات بشأن البنية الأمنية الجديدة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار أن روسيا تشكل تهديدًا عالميًّا ولا تهدد فقط أوكرانيا."

وتساءلت الصحيفة: "كيف يمكن لأوروبا ضمان دفاعها في وقت تمتلك فيه موارد محدودة، نتيجة تجاهلها لسنوات إشارات الانسحاب الأمريكي المتزايد منذ أكثر من عقد؟ كيف يمكنها التخلي عن الاعتماد على الحماية الأمريكية، في وقت لم تصبح قادرة بعد على تولي زمام أمنها بنفسها، بينما لا تزال التهديدات الروسية قائمة؟".

وذكرت أنّ: "هذا الاحتمال، الذي لم يعد من الممكن صرف النظر عنه في مواجهة وحشية فريق ترامب، يهدد بتدمير وحدة أوروبا". في هذا الصدد، يعترف مسؤول كبير في بروكسل قائلا: "لقد اعتقدتُ دائمًا أن الولايات المتحدة قادرة على تقسيمنا أكثر من روسيا أو الصين".

اجتماع الدول "القادرة والمتطوعة"
إن الدفاع الأوروبي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي هذا السياق، لاقت المبادرة الفرنسية لتنظيم اجتماع قمة طارئ في باريس، للدول "القادرة والمتطوعة" -مصطلح دبلوماسي يشير إلى الدول الأكثر التزامًا والأقدر على تقديم الدعم- ترحيبًا واسعًا في ميونيخ.

وبحسب الصحيفة فإنّ: "الخروج من الصيغ الأوروبية التقليدية وإشراك بريطانيا جزء أساسي من الصحوة الإستراتيجية التي تحتاجها أوروبا لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة".

وأبرزت: "تمثل الضمانات الأمنية بشأن مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في أوكرانيا محور المناقشات. فقد وضعت واشنطن شركائها الأوروبيين أمام الأمر الواقع عبر إرسال استبيان لكل دولة حول القدرات التي يمكن تقديمها لضمان أمن أوكرانيا في مواجهة القوات الروسية في حال توقف القتال".

اظهار أخبار متعلقة


"إلى جانب مهام مراقبة وقف إطلاق النار، ينظر في إمكانية نشر قوات أوروبية كقوة ردع خلف القوات الأوكرانية لحماية الحدود، الخطوة التي عبرت فرنسا وبريطانيا على استعدادهما لتنفيذها" وفقا للصحيفة.

ومضت بالقول: "تثير هذه الفرضية سلسلة من الأسئلة الحاسمة على غرار قوام هذه القوات وكيفية إدارتها وكيفية الرد في حال تعرضها لهجوم، فضلًا عن ماهية الدور الذي يمكن أن يتقلده الناتو رغم أن أوكرانيا ليست عضوًا فيه. إلى جانب مدى الاعتماد على المعدات العسكرية التي لا يمكن إلا للولايات المتحدة توفيرها لدعم أي انتشار أوروبي؟".

وفي ختام التقرير نوّهت الصحيفة بأنّ: "الدبلوماسيين المعنيين يعتقدون أن الوقت ما زال مبكرًا لمعالجة هذه المسائل، مشيرة إلى انطلاق ديناميكية إعادة تسليح أوروبا رغم الصعوبات".

التعليقات (0)