بينما تستعد عائلات المعتقلين السياسيين في
تونس في قضية ما يُعرف بـ "قضية التآمر" للتظاهر رفضا للمحاكمة السرية
للمعتقلين، كشف الإعلامي التونسي سمير الوافي النقاب عن أن السلطات التونسية قررت
أخيرا الخروج عن صمتها ووضع الرأي العام في صورة حيثيات القضية المعروفة منذ عدة
أعوام بـ "قضية التآمر" على أمن الدولة، والتي قرر القضاء الحسم فيها عن
بعد يوم الثلاثاء المقبل.
وقال الوافي في تدوينة نشرها على صفحته على
منصة "فيسبوك" أرفقها بإعلان من قناة محلية في تونس عن الحلقة موضوع
النقاش: "قضية التآمر على أمن الدولة ظلت غامضة معتمة صامتة منذ إثارتها
وفتحها وانطلاق أبحاثها.. وقد سبقت ذلك عمليات استخباراتية سرية معقدة أدت إلى انطلاق التحقيقات وضبط المتهمين".
وأضاف: "هذا الغموض والتعتيم فرضته
الدولة بصمتها وتجاهلها للأقاويل والتحاليل والتأويلات طيلة أكثر من عامين فلم
نسمع سوى صوت واحد من طرف واحد يمثل المتهمين وعائلاتهم ومحاميهم".
وأكد الوافي، أن قناة محلية في تونس ستبث في
سهرة الغد الجمعة "كل الحقائق الغائبة حول الملف، وهو ما يعني أن الدولة قررت
أن ترفع الستار عن محتوى الملف ليعرف الرأي العام حيثيات القضية وتفاصيل التهم
ونتائج الأبحاث".
وأضاف: "حسب التسريبات سيكون للحلقة
مفعول الزلزال إعلاميا وسياسيا بما ستقدمه من معطيات كاملة غير مسبوقة حول ما خفي
عن الناس.. ويبدو أنه أعظم مما تم ترويجه".
وأشار الوافي، الإعلامي المثير للجدل، إلى
أن "الرأي العام في تونس كان يطالب بذلك منذ مدة ليفهم حقيقة ملف بهذا الحجم
والوزن، وأن الدولة اختارت التوقيت المناسب الذي يسبق
المحاكمة، ورفعت الحظر عن
تداول القضية، وأنه قد جاء دورها لتحسم الجدل بما لديها من حقائق صارت بين يدي
القضاء للبت فيها، ولتؤكد للرأي العام أن القضية أكبر من محاولات الاستخفاف
والتمييع".
ويأتي إعلان القناة التونسية عن الحلقة التي
تحمل أسرار "قضية التآمر"، بالتزامن مع مؤتمر صحفي عقدته عائلات المعتقلين
السياسيين في تونس على ذمة هذه القضية، حيث نددوا بقرار إجراء المحاكمة عن بعد
ودون حضور الموقوفين، وذلك في الجلسة المقررة ليوم 4 مارس المقبل، كما طالبوا
بجلسات علنية وتوفير كل ضمانات المحاكمة العادلة.
وقال متحدث الحزب الجمهوري وسام الصغير خلال
المؤتمر، إن "قرار الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس
القاضي بإجراء محاكمة المتهمين في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة عن بُعد
ومنع جلبهم من السّجن إلى قاعة المحكمة، يشكّل انتهاكا صارخا لمبادئ المحاكمة
العادلة".
وأضاف: "هذا القرار يندرج ضمن
سياسة
التوظيف السياسي للقضاء لضرب الخصوم والمعارضين".
كما طالب الجهات القضائية "بالتراجع
الفوري عن هذا القرار، وتمكين المتهمين من حقهم الكامل في الحضور المباشر أمام
المحكمة، احتراما للحقوق الأساسية وضمانات المحاكمة العادلة".
كما طالب "بعلنية جلسة المحاكمة التي
ستنعقد في الرابع من مارس/آذار المقبل باعتبار أن التهم تعني الرأي العام وتتعلق
بأمنهم الوطني".
من جهتها قالت منية بن ابراهيم البرلمانية
السابقة وزوجة السياسي المسجون عبد الحميد الجلاصي: "نحن مقتنعون ببراءة
القادة السياسيين الموقوفين في قضية التآمر ".
وأضافت في المؤتمر ذاته: "طالبنا بنقل
تلفزيوني مباشر لكل أطوار المحاكمة حتى يطلع الشعب على تفاصيل هذا الملف".
ودعت التونسيين إلى "التظاهر يوم 4 مارس
المقبل لمساندة القادة السياسيين وللتعبير عن الرفض لإجراء المحاكمة عن بعد
باعتبارها ضربا في صميم المحاكمات العادلة".
وكان رئيس جبهة الخلاص الوطني
المعارضة في تونس أحمد
نجيب الشابي قد طالب أمس الأربعاء بوقف إجراءات محاكمة المعارضين
السياسيين، مؤكدا أن التهم المنسوبة لهم واهية.
وقال الشابي في ندوة صحفية بالعاصمة تونس
أمس: "إن المحاكمة العادلة والعلنية للمعارضين غائبة، وأن التهم المنسوبة لمن
تتم محاكمتهم واهية". واتهم السلطة بمصادرة الحقوق الطبيعية للمواطنين، مؤكدا أن معارضة
السلطة القائمة وتغييرها بالسبل المشروعة حق طبيعي.
وأضاف الشابي: "إننا لا نحب السجن ولكن
لا نخشاه ولن نكون جزءا من المسرحية الجارية".
من جهته، أكد القيادي في جبهة الخلاص رياض
الشعيبي أن الجبهة "ستقاطع المحاكمات إذا قررت السلطة المضي بها بشكل سري ولن
نكون شهود زور".
وقال الشعيبي إن "السلطة تحرم المتهمين
من محاكمات عادلة وتمنعهم من الدفاع عن أنفسهم، ومن تتم محاكمتهم اليوم هم سياسيون
وشخصيات عامة وليسوا إرهابيين".
وأضاف أن "السلطة تريد إجراء محاكمات
سرية وإبقاء المتهمين في زنازينهم بذرائع أمنية، المحاكمات سياسية وليس هناك أي
ركن من أركان الجريمة لدى المحاكمين، كما أنها تحاول إخفاء سياستها بإقصاء
المعارضين".
وتنطلق أولى جلسات المحاكمة يوم 4 مارس/آذار
المقبل، وتشمل نحو 40 معارضا من مختلف التيارات على غرار زعيم حركة النهضة راشد
الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والأمين العام السابق للتيار
الديمقراطي غازي الشواشي وغيرهم.
وتصاعدت هذه القضية عقب موجة دهم واعتقالات
واسعة ضد هؤلاء المعارضين هزت الرأي، وشنتها قوات الأمن في فبراير/شباط 2023، ووجه
القضاء تهما خطيرة للمعتقلين تصل عقوبتها إلى الإعدام كتكوين "مجموعة
إرهابية" و"التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي".
وترى المعارضة أن تلك الاتهامات باطلة
وملفّقة ضد المعارضين للرئيس قيس سعيد، وهدفها إزاحتهم من طريقه لتكريس حكم فردي
مطلق عقب الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها في 25 يوليو/تموز 2021 والتي أصبح
بموجبها يتحكم في كامل مفاصل الدولة، حسب رأيهم.
وتعود أطوار قضية التآمر على أمن الدولة إلى
فبراير/ شباط 2023، عندما تم إيقاف عدد من السياسيين والناشطين في المجتمع المدني
والمحامين.
ويضم الملف نحو 40 متهماً "بتكوين وفاق
بغاية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" والانضمام إلى تنظيم إرهابي.
وكانت دائرة الاتهام المختصة بالنظر في
قضايا الإرهاب بمحكمة الاستئناف بتونس، قررت يوم 2 مايو/أيار الماضي، إحالة 40
متهما في قضية "التآمر على أمن الدولة" على الدائرة الجنائية المختصّة
بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائيّة بتونس، ورفض جميع مطالب الإفراج.
وأبرز السجناء المتهمين في القضية: جوهر بن
مبارك (عضو جبهة الخلاص الوطني)، وعصام الشابي (أمين عام الحزب الجمهوري)، وعبد
الحميد الجلاصي (قيادي سابق في حركة النهضة)، وغازي الشوّاشي (وزير سابق)، وخيّام
التركي (قيادي سابق في حزب التكتل)، ورضا بلحاج (رئيس الديوان الرئاسي السابق).
ويتهم الرئيس قيس سعيّد، سياسيين
بـ"التآمر على أمن الدولة، والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع
الأسعار"، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين للإجراءات
الاستثنائية التي فرضها في 25 يوليو/ تموز 2021.
وتعتبر قوى سياسية تونسية هذه الإجراءات
"انقلابا على دستور الثورة"، بينما تعتبرها قوى أخرى مؤيدة للرئيس سعيد
"تصحيحا لمسار ثورة 2011"، فيما يؤكد سعيد أن إجراءاته هي "تدابير
في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، مشددا على عدم المساس بالحريات
والحقوق.
ومرارا، أعلن الرئيس سعيد أن النظام القضائي
في بلاده مستقل ولا يتدخل في شؤونه.
وشهدت تونس منذ فبراير/ شباط 2023، حملة
توقيفات شملت سياسيين وإعلاميين وناشطين وقضاة ورجال أعمال، بينهم رئيس حركة
"النهضة" راشد الغنوشي المسجون منذ أبريل/ نيسان 2023.