كتب

لماذا نحن متأخرون؟ كتاب عن عوائق النهضة العربية الحديثة والعلاقة بالغرب

يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة..
يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة..
الكتاب: "لماذا نحن متأخرون؟ قراءات ما بين الفكر والواقع"
المؤلف: وليد أنطون الشوملي
الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت- 2022 م
عدد الصفحات: 344


ألصق مصطلح التأخر بمضمونه اللفظي والموضوعي بالعرب والمسلمين في العقود الأخيرة، ولكن أي تأخر هذا، الذي تعاني منه الأمة العربية الإسلامية المسيحية في الشرق العربي، وهي التي قدمت العلوم والمعارف بكافة مجالاتها للأمم الأخرى، لتبني عليها إرهاصات، بل وإنجازات حضاراتها وتقدمها الآني، لماذا نحن متأخرون؟ أهو تأخر ذاتي؟ أم تدخل خارجي أسهم في الوصول للحالة العربية والإٍسلامية لتأخر عن الركب العلمي، والتقدم التكنولوجي، والتطور الثقافي والفكري، الذي أقام أمجاد الأمم، كل ما سبق تتصدى له هذه الدراسة، للإجابة على تساؤلات أصبحت هم كل مثقف وكل غيور على وطنه، أهمها السؤال الأكثر تداولا اليوم، لماذا تأخر ركب الحضارة؟ لماذا تحولت بلدنا ومقدراتنا إلى هدف الاستباحة؟ ولماذا صار دمنا رخيصاً، ولحماً مبتذلاً إلى هذا الحد؟!

بين ثنايا صفحات الكتاب أورد الشوملي قطوفا من أفكار ومعالجات هذا التأخر للكاتب العربي محمد عابد الجابري، الذي أشار إلى أن سبب تأخرنا هو تلك الإشكالية في العلاقة مع الماضي، فهناك من قدسه إلى درجة التكلس الأيديولوجي، وهناك من رفضه إلى درجة الاحتقار، في تقديمه لهذا الكاتب يقول الكاتب أحمد عوض:" لم يحدث لدينا ما حدث للغرب الذي كانت علاقته بماضيه تتلخص في الاتصال والانفصال بمعنى الانفصال عن الماضي من أجل دراسته ونقده وتفكيكه ونزع القداسة عنه بهدف الاتصال به على أسس عقلية لا تقدس، ولا تدنس، ولم يكتف الغرب بهذه العملية، وإنما نقد مناهج النقد ذاتها، حتى تظل عملية الاتصال والانفصال قائمة، بحيث أصبح تقدم الغرب جزءاً من عملية ديناميكية لا قفزات فيها ولا صدمات" .

رأى د. وليد الشوملي أن الفكر الأوروبي يتجدد من داخل تراثه، وفي نفس الوقت يحمل على تجديد هذا التراث بإعادة بناء مواده القديمة وإغنائه بمواد جديدة، هكذا استطاع الأوروبيون أن يتخلصوا من ثقل ماضيهم عليهم، فأصبح هذا الأخير يحمل نفسه بنفسه، لا يثقل عليهم ولا يشدهم إليه بل يسندهم ويدفع بهم إلى الأمام، فعندما يقرأ الأوروبي تاريخه فإنه يقرأ فيه المنطق والعقل ويكتسب منه نظرة إيجابية موضوعية، ويخطو بها خطوات نحو المستقبل(ص14).

مجموعة القيم السامية يجدها القارئ لهذه الدراسة ينبغي المحافظة عليها من قيم التسامح والتعايش، الاندماج، الوحدة، الايمان بالعمل من أجلها في المجتمع الفلسطيني والعربي أمام طغيان المادية والرأسمالية الغربية في مكنونات الحياة التي نعيشها، التي أصبحنا نفتقد لها خاصة مع تعاملنا مع الآلة في كل تفاصيل حياتنا اليومية بصمت تام، تفقد الإنسانية طبيعته التي جبلت عليها.

يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة، وسقوط الأندلس ثم اكتسبت تلك النهضة زخماً جديداً في القرنين السادس، والسابع عشر بعد أن نقلوا علوم العرب، كما جاء سقوط القسطنطينية عام 1453 م عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، وهروب الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين إلى إيطاليا، وأنحاء أخرى من أوروبا.
يقول الكاتب في مقدمته: "لقد آثرت أن أضفي بعداً فكرياً على مقالاتي المتنوعة، وألا أخوض في المواضيع السياسية اليومية المتداولة بين أوساط كثيرة من المثقفين، وأضرابهم من شداة الكتابة على اختلاف أهوائهم ومشاربهم، وقد حرصت في الوقت ذاته على إضفاء الأبعاد الرمزية والفلسفية والإنسانية، الفكرية، الدينية، التاريخية، التراثية؛ لأقدمها للقارئ بحلة جديدة غير تقليدية ومن زوايا مغايرة".

تطرق الشوملي لأهمية تناول المواضيع التاريخية ذات العلاقة لتثبت الحق الفلسطيني على هذه الأرض من جهة، وتوضيح أن يهود الأمس الذين عاشوا على هذه الأرض ما هم إلا قبائل كنعانية أو غيرها كانت قد تهودت، فلا صلة بينهم وبين اليهود الأشكناز أو يهود الخرز الذين جاءوا إلى فلسطين يحملون راية مشروع استيطاني كولونيالي غربي متذرعين بوعود سماوية لا أساس لها من الصحة، واسقاط اساطيرها على الأرض.

إشكالية النهضة العربية الحديثة

يؤكد الكاتب أن النهضة الأوروبية الحديثة لم تنطلق إلا لتسد الفراغ الذي خلقه الانحدار الذي شهدته الحضارة العربية الإسلامية في تلك الفترة، وسقوط الأندلس ثم اكتسبت تلك النهضة زخماً جديداً في القرنين السادس، والسابع عشر بعد أن نقلوا علوم العرب، كما جاء سقوط القسطنطينية عام 1453 م عاصمة الإمبراطورية البيزنطية آنذاك، وهروب الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء والفنانين إلى إيطاليا، وأنحاء أخرى من أوروبا.

أما النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر فقد اصطدمت بقوى الغرب الخارجية ورأسماليتها التوسعية المتوحشة، وأدى العامل الذاتي فيها دوراً ثانوياً إذا ما قورن بالدور الذي لعبه في النهضة العربية الأولى عند نشوء الدولة الإسلامية، يضيف شاكر مصطفى عن أزمة التطور الحضاري العربي: " لقد مضى على ارتطام أمتنا العربية بالحضارة الحديثة سنوات بعيدة، وقد مضت على الأقاليم العربية فترة زمنية كافية لتكون في مستوى العصر وتكنولوجيا وفيضه الحضاري، معظمها انطلق قبل الصين، وروسيا، واليابان، ومع ذلك فهذه الأمم جميعها وصلت بينما لم يصل أي إقليم عربي طليعي إلى شيء بعد"، من ثم يتسأل مصطفى بعد كل ذلك فيقول :" هل وصلت الأمة حقاً مرحلة الشيخوخة، واتسمت بالعقم الحضاري؟ هل أضاعت الطريق؟ أم أن هناك أمراضاً معقدة نخرت تكوينها العام, مما تسبب في شل مفاصلها، ومنعها من متابعة السير لتناغم مع إيقاع العصر؟(ص23).

شكلت نكبة عام 1948م هزيمة عسكرية وسياسية, إلا أنها لم تقض تماماً على الفكر النهضوي  العربي والمشروع القومي، وكان الإسرائيليون آنذاك يعيشون أزمة وجود، أما هزيمة عام 1967م فقد قضت على الحلم والمشروع العربي في طريق الانحدار إلى الهاوية، ولم تعد أزمة الإسرائيلي وجودية بقدر ما هي توسعية يفرض من خلالها وقائع على الأرض مدعوماً بقوته العسكرية، وانحياز الغرب إلى جانبه ليصبح الجميع يعاني من حالة احباط، ليتم ضرب الإيدلوجية العربية النهضوية في الصميم.

كنعانية فلسطين تهزم أساطيره

بدأت عالمة الآثار كاثلين كينيون الحفريات بموقع تل السلطان في أريحا عام 1952م، لتثبت الرواية التوراتية المزعومة المتعلقة بهدم يشوع بن نون لأسوار أريحا في الفترة البرونزية المتأخرة، إلا أن موضوعيتها العلمية المستندة على ما وجدته من حقائق على الأرض جعلتها تدحض تلك الرواية، وتؤكد على حقيقة أن أسوار أريحا كانت قد هدمت في الفترة البرونزية المبكرة، ما ينسف الرواية الإسرائيلية وما بني عليها من مزاعم إسرائيلية تتعلق بارتباطهم بأرض فلسطين.

انحدار الفكر العربي

قارن الكاتب بين اندفاع الشباب العربي نحو مباريات كرة القدم، وانحدار مستواهم الثقافي، وبين التقدم العلمي والهوة العلمية بين العالم العربي من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، حيث أشارت احصائيات اليونسكو أن الدول العربية مجتمعة خصصت عام2004م، ما يقارب 1.7 مليار دولار للبحث العلمي أي بمعدل 0.3% من انتاجها القومي الإجمالي، في حين خصصت إسرائيل مبلغ ما يقارب 4.5 مليار دولار للبحث العلمي، بمعدل 4.7% من انتاجها القومي الإجمالي.

شكلت نكبة عام 1948م هزيمة عسكرية وسياسية, إلا أنها لم تقض تماماً على الفكر النهضوي العربي والمشروع القومي، وكان الإسرائيليون آنذاك يعيشون أزمة وجود، أما هزيمة عام 1967م فقد قضت على الحلم والمشروع العربي في طريق الانحدار إلى الهاوية، ولم تعد أزمة الإسرائيلي وجودية بقدر ما هي توسعية يفرض من خلالها وقائع على الأرض مدعوماً بقوته العسكرية
صنفت دولة الاحتلال عام 2003م، كثالث أعلى دولة تسجل براءات اختراع نسبة إلى عدد السكان، بمعدل 2.04% براءة اختراع لكل عشرة آلاف من السكان، فليس هناك سياسة واضحة للدول العربية أو أهداف استراتيجية بخصوص البحث العلمي، فمعظم الأبحاث التي تصدر في تلك الدول عبارة عن نتاج مبادرات شخصية أو مجموعات بحثية صغيرة!  (ص125).

تحدث الكاتب هنا بحسرة وألم" ففي واقع الأمر، إن الانحدار الفكري العربي بدأ قبل ما يقارب ثمانمائة سنة، وكنا إثر كل هزيمة نلقي باللائمة على غيرنا، ونختلق المبررات لتلك الهزائم، وذلك من أجل التنصل من دفع ضريبة الهزيمة المادية، كذلك الهزيمة الفكرية"، ومن ثم دعا لإجراء مراجعة شاملة وتحليل عميق لأسباب أزمة الفكر العربي، وألا تكون تلك المراجعة معول هدم لما تبق من أمل لتطور وتحرر، كونه فكراً إشكاليا يتعامل مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية، تقوم على تغليب العقل على اللاعقل، والأساطير، والخرافات؛ لتنتهي حالة التهميش والغوص في سفاسف الأمور والنقاشات التفاهة.
العنف بين الدين والسياسة:

جاء تعبير الفيلسوف الفرنسي المعاصر مارلو: " القرن الواحد والعشرين سيكون دينيا أو لا يكون" نتاج انعكاسا لظاهرة إحياء الدين والفكر الديني الذي عم العالم خاصة مع انهيار دول المنظومة الاشتراكية، وظهور القطب الواحد أوائل التسعينيات من القرن الماضي والهيمنة السياسية والاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على العالم من خلال ظاهرة العولمة.

أعطى الشوملي هنا نظرة شمولية للواقع الذي فرضه تفكك الاتحاد السوفييتي بعودة شعوب الجمهوريات التي كان يدين غالبية سكانها بالإسلام إلى التدين، ولو بدرجات متفاوتة وتزامن ذلك مع ضح المملكة العربية السعودية لنشر الفكر الوهابي هناك، في الوقت ذاته أدى ذلك التفكك إلى زيادة التدين لدى الأرثوذكس الروس، وتقربهم إلى كنيستهم، أما في العالم العربي فإن ظاهرة العنف الديني المتجددة منذ قرون طويلة، سواء بين المذاهب الإسلامية المتعددة أو بين المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية" لا يمكن اعفاء الأنظمة الشمولية في الوطن العربي من زرع الفتن الطائفية والمذهبية التي تفجرت في أعقاب انهيار تلك الأنظمة وبداية حقبة ما يسمى بالربيع العربي، إذ نرى الصراعات الدينية تخدم في النهاية مآرب سياسية، كانت تلك الأنظمة تدعي وتفاخر أنها كانت تصهر جميع المكونات الدينية والمذهبية والإثنية في بوتقة المواطنةـ إلا أنها في حقيقة الأمر كانت تصهرها في بوتقة العبودية والشمولية بحيث كان لطائفة ما امتياز على طائفة أخرى، ولم تجد الفتن طريقها إلى السطح بفعل الضغط والقهر والاستبداد".(ص148).

بروتوكولات حكماء صهيون.. أين نحن منها الآن؟

ضمت تلك البروتكولات (24) بروتوكولاً، التشكيك بوضعها من اليهود أنفسهم بوصفها أكبر عملية تزوير سياسي لسيطرة اليهود على العالم، في حين أكد أخرون أنها أخطر مخطط يهودي عرفه التاريخ، وهنا سلط الكاتب على أهداف هذه البروتوكولات التي ظهرت عام 1901م في روسيا، فالبروتوكول الأول بحث في كيفية نشر الفوضى والحروب، بل أنه اعتبر أن الحرية السياسية ليست حقيقة بل فكرة، ويجب استخدامها كطعم لجذب العامة فإذا أراد المرء أن ينتزع سلطة منافس له، خاصة إذا كان موبوء بأفكار الحرية والتحرريةـ، فإنه سيتخلى عن بعض سلطاته بإرادته، وبهذا ما على الحكومة الجديدة إلا أن تحل محل القديمة التي أضعفتها التحررية، لأن قوة الجمهور العمياء لا تستطيع البقاء يوماً واحداً بلا فائدة"، وهذا ما على يهود العالم فعله لنشر الفساد في العالم، لضمان إقامة حكم يهودي حازم يعيد بناء النظام الذي حطمته التحررية، وأنه سيكون على عاتق اليهود مسؤولية إغراء الناس بالخمر والمجون والنساء، وكذلك استخدام وسائل الخديعة، الرشوة، الخيانة لتحقيق غاياتهم، وهذه أساليب استخدمتها إسرائيل على مدار تاريخها.(ص157).

تطرق الكاتب أيضا للبرتوكول السادس عشر الخاص بإفساد التعليم، لجعل الأمميين غير قادرين على التفكير باستقلال، بينما تطرق البرتوكول السابع عشر إلى تحطيم السلطة الدينية وخاصة سلطة البابوية، ويوضح الكاتب" أن وجود ما يقارب من 80 مليون مسيحي صهيوني في الولايات المتحدة نفسها يدعمون إسرائيل دعماً كاملاً، ويدعمون المسيحية، وهم منها براء، ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بذلك البروتوكول، فهؤلاء الناس هم صهاينة، ولكن بغطاء مسيحي"،  لتحقيق هدفين الأول: تحطيم القيم والمفاهيم المسيحية من الداخل، الثاني: دعم الصهيونية بإضفاء الغطاء الشرعي لها باحتلال فلسطين والاستيطان فيها.(ص160)

اللغة العربية وتحديات العولمة

ارتبطت اللغة ارتباطاً وثيقاً بهوية أي أمة، فهي عنوان للأمة ومصدر قوتها، فحين تضعف لغتها تخبو معها ثقافتها، فاللغة العربية جوهر الثقافة العربية، وفي أوج الحضارة العربية الإسلامية، أدت اللغة العربية دوراً بارزاً في نقل ابداعات الحضارة الإغريقية إلى اللغات الأوروبية، أي أنها مثلت جسر يربط بين الحضارتين الإغريقية والأوروبية، إلا أن تحديات العولمة اليوم باتت تشكل خطراً محدقاً باللغة العربية، كونها تشكل الإفراز الثقافي لأغنى الدول اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وهذا تطلب ضرورة الإلمام باللغة الإنجليزية لتكون لغة التخاطب والتواصل بين الشعوب على الأصعدة كافة، على حساب اللغات القومية لمعظم الشعوب، ومن ضمنها اللغة العربية، ليؤكد الشوملي" على أن الشعوب العربية بشكل عام لا ترهب العولمة خوفاً من الهيمنة الاقتصادية بقدر ما ترهبها من الهيمنة الثقافية "سيطرد الكاتب في هذا الصدد بالقول:" العالمية تختلف عن العولمة، إذ أن الأخيرة تحمل في طياتها طمس الهويات الثقافية للشعوب، بينما تفسح الأولى المجال للشعوب أن تحمل خصوصياتها الثقافية إلى الساحة العالمية" (ص183).

ميغيل دي أونامونو والواقع الفلسطيني

هناك عبارة رددها أونامونو للجنرال الدكتاتور" ميان آستراي" (ستنتصرون ولكنكم لن تقنعوا أحداً)، ورد عليه الأخير بالتهجم على إقليمي كتالونيا والباسك، وشبههما بالسرطان في جسد الأمة، وذلك خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في اسبانيا عام 1936م، فكان جواب أونامونو" اسبانيا دون كاتالونيا والباسك بلداً على شاكلتك يا سعادة اللواء، أعني بلداً أعور وأكتع"، أسقط الكاتب تلك الحادثة على الوضع الفلسطيني لمغتصبي الأرض بقوله:" أنتم انتصرتم، واغتصبتم، هجرتم، قتلتم، نكلتم لما تتمتعون به من قوة عسكرية، ودعم خارجي لا محدود، إلا أنكم لن تقنعونا بأنكم أصحاب الأرض الشرعيين، وأننا نحن غرباء على هذه الأرض، فجذورنا تمتد عبر آلاف السنيين، وأنتم من وظفتم الدين لأهداف سياسية استعمارية، واستخدمتم الأساطير السماوية والوعود الإلهية من أجل تحقيق مآربكم". 

راهن دافيد بن غوريون على تناسي الأجيال الفلسطينية للحقوق الفلسطينية مع مرور الوقت، أو التماهي مع الواقع الذي تفرضه دولة الاحتلال على الأرض، وحاولت إسرائيل وأد التاريخ ومدرسيه بتشوية الرواية الفلسطينية، ولكن هيهات هيهات أن تقبل شجرة الزيتون ذلك، فهي الشاهد على غارسها، والمقاومة والتحرير امتداد طبيعي لصيرورة التاريخ الفلسطيني المناضل، فزيت الزيتون لن يتحول دمعاً، بل قنابل ثقافية فسفورية تضيء الطريق لجيل الغد.(ص232)

شلومو ساند واختراع الشعب اليهودي

طالب شلومو ساند مع مجموعة من مثقفين ومحاضرين إسرائيليين في جامعة تل أبيب الحكومة الإسرائيلية عام 2012م, بالتوقف عن طمس هوية قرية الشيخ مؤنس، وإحياء ذكرى القرية التي تقوم عليها جامعة تل أبيب؛ بالاعتراف التاريخي كمقدمة للتصالح مع الفلسطينيين ففي كتابه اختراع الشعب اليهودي أنه في بداية نيسان عام 1948م، رحل آخر المهجرين من القرية" مشوا في دروب وعرة حفاة ومجردين من كل شيء تقريبا، نساء بأيديهن ومن خلفهن أطفال يبكون، كان الشيوخ العجز يسيرون بصعوبة وهم متكئون على أكتاف الشباب... تاركين خلفهم كل ما كانوا يملكون داخل قريتهم المحاصرة من ثلاث جهات، ما عدا الشمال، فقد غادر أهالي الشيخ مؤنس موطنهم مذعورين نحو طولكرم وقلقيلية، وسيطرة المحتلون، وهم يقهقهون بعد أن ظفروا بقرية وادعة، وبهذا تبخر أهالي الشيخ مؤنس من صفحات تاريخ أرض إسرائيل، وألقي بهم في وديان النسيان السحيقة"(ص244).

دعا د. وليد الشوملي إلى ضرورة الاهتمام بكل ما يكتبه شلومو ساند من مدرسين ومؤرخين وسياسيين: "يفند الرواية الإسرائيلية التوراتية والاحتلالية، ويسقط الإثنية الإسرائيلية وعلاقتها بالأرض إنما يؤسس لمرحلة تاريخية جديدة، تمكن المؤرخين الفلسطينيين والعرب أن يؤسسوا عليها، ويدعم موقفهم في دحض الرواية الإسرائيلية الزائفة في جوهرها وأدواتها".

حقاً هذه الدراسة للكاتب دالدكتور وليد الشوملي بستان من الأزهر الفواحة بمقالاتها المتنوعة، وطروحاته التي طاف بها بالقارئ بين ثنايا ما تتعرض له الأمة العربية والمسيحية من قطوف التراجع ليقول في كل موضوع من موضوعات الكتاب لماذا نحن متأخرون؟ وأين تكمن مواطن الخلل في مجتمعنا، صفحات أعرب فيها الكاتب عن مدى ألمه من الحالة الفلسطينية العربية الإسلامية والمسيحية، تحدث بوجع عن أزمنة وعصور زاهرة لأمة امتلك مقومات الحضارة.
التعليقات (0)