مقالات مختارة

ترامب ورسائله المتضاربة لإيران

صادق الطائي
إكس
إكس
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مذكرة رئاسية بتاريخ 4 شباط/فبراير العودة إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، لكنه كرر أنه يسعى للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران. وأثارت الخطوة الرامية إلى تشديد العقوبات ردود فعل عنيفة في طهران، ما دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى التحذير من المفاوضات مع واشنطن.

قال ترامب؛ إن الولايات المتحدة ستحرم إيران من «كل الطرق إلى السلاح النووي»، ووجه وزارة الخزانة «بفرض أقصى قدر من الضغط الاقتصادي على النظام الإيراني». وجاء في المذكرة الرئاسية أن حملة الضغط ستشمل «السعي لتصفير صادرات إيران النفطية». وقال ترامب للصحفيين؛ إن المذكرة «صارمة للغاية بحق إيران»، لكنه «ممزق» و«غير سعيد» بتوقيعها. وأعرب عن تفضيله التوصل إلى اتفاق نووي، لكنه لم يقدم أي تفاصيل حول الشروط المحتملة للاتفاق. من جانبه، وردا على العودة إلى سياسة أقصى الضغوط الأمريكية، قال خامنئي في السابع من شباط/ فبراير؛ إن المفاوضات مع الولايات المتحدة «ليست ذكية أو حكيمة أو مشرفة». وأضاف، أنه «ينبغي عدم إجراء مفاوضات مع مثل هذه الحكومة». ويبدو أن التعليقات تشير إلى تحول عن دعم خامنئي السابق للمحادثات.

ولم يمنع خامنئي صراحة إدارة الرئيس مسعود بزشكيان من المشاركة في المحادثات، ما يشير إلى أنه قد يوجد فسحة أمل في تحركات دبلوماسية إيرانية، إذ قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمرٍ صحفي عقد في طهران في الثامن من شباط/ فبراير؛ إن إيران لا تزال تريد رفع العقوبات، لكنه أكد أن المفاوضات لا يمكن أن تتم «في ظل سياسة الضغط الأقصى».
العالم اليوم يترقب نتائج رسائل ترامب وإشاراته المتباينة لإيران، فهل ستعود إيران إلى طاولة المفاوضات بشروط ترامب الجديدة، أم ستصر على تصعيد الموقف وتحمل ضغوط إدارته؟
بعد توقيع مذكرة «سياسة الضغط الأقصى»، التقى ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال نتنياهو؛ إن الولايات المتحدة وإسرائيل تشتركان في هدف منع إيران من التسلح النووي، وإذا كان الضغط الأقصى قادرا على تحقيق هذا الهدف، «فليكن».
جاءت زيارة نتنياهو وسط تقارير تفيد بأن إسرائيل لا تزال تفكر في توجيه ضربات عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني.
وقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في 12 شباط/ فبراير، أن وكالة الاستخبارات الأمريكية حذرت من أن من المرجح أن إسرائيل ستحاول توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الإيرانية في الأشهر الستة الأولى من عام 2025. ووفقا للمصدر المشار إليه في التقرير، فقد قدرت الوكالة أن الضربات الإسرائيلية من شأنها أن تؤخر أنشطة إيران بضعة أشهر فقط، لكنها من جانب آخر ستحفز إيران على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات صالحة للاستخدام في صنع الأسلحة. وذكر تقرير الاستخبارات الأمريكية، أن سيناريوهات الهجوم تتطلب دعما أمريكيا للعمليات الإسرائيلية. لكن ترامب رفض إلزام الولايات المتحدة بدعم هجوم إسرائيلي على إيران، ففي أعقاب اجتماع ترامب ونتنياهو، نشر ترامب على منصة (Truth Social) قائلا؛ إن «التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة، بالتعاون مع إسرائيل، ستدمر إيران وتحولها إلى أشلاء، أمر مبالغ فيه إلى حد كبير». وأضاف في منشوره؛ إنه يفضل «اتفاقية سلام نووية موثوقة».

وعلى الرغم من تعليقات ترامب، أعرب نتنياهو عن ثقته في أنه «بدعم ثابت» من الولايات المتحدة «يمكننا إنجاز المهمة المتمثلة في تحييد التهديد، الذي تشكله إيران».، إذ أدلى نتنياهو بهذا التعليق خلال مؤتمر صحفي في 17 شباط/ فبراير مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو. في الوقت نفسه، قال بزشكيان؛ إن إيران ستعيد بناء برامجها النووية، إذا حاولت إسرائيل توجيه ضربة عسكرية. وقال في 13 شباط/ فبراير؛ إن أعداء إيران يمكنهم «ضرب المباني. لكن لا يمكنك ضرب أولئك الذين يبنونها»، بالإضافة إلى خطر الضربات العسكرية التي تعرقل آفاق الدبلوماسية، فمن المرجح أن تبدأ الدول الأوروبية الغربية الأطراف في الاتفاق النووي لعام 2015 (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) عملية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران بحلول منتصف الصيف، إذا لم يكن هناك تقدم في التوصل إلى اتفاق.
لجأ بعض المسؤولين الإيرانيين إلى تصريحات إعلامية فيها تلميح إلى أنه قد يكون هناك استعداد لمناقشة المخاوف غير النووية، لكن أولئك الذين هم صناع القرار الحقيقيون بشأن هذه القضايا – المرشد الأعلى وقادة الحرس الثوري الإسلامي-، تجنبوا المحادثات بشأن برامج الصواريخ والطائرات من دون طيار وغيرها من الملفات الإقليمية. إن مواقفهم تتحدث بصوت أعلى من الدعاة، الذين يحاولون إعطاء انطباع للدوائر الغربية وغيرها، بأن مثل هذا التغيير الجذري ممكن.

منذ خطاب خامنئي المتشدد والرافض لفتح صفحة التفاوض مع إدارة ترامب، واجهت إدارة الرئيس بزشكيان المزيد من الرياح المعاكسة مع عزل وزير الاقتصاد عبد الناصر همتي، وكذلك استقالة نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية جواد ظريف، الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه الوجه الإيراني المقبول لدى الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، باعتباره أكثر الإصلاحيين مقبولية في جولات التفاوض السابقة للبرنامج النووي الإيراني.

يوم الخميس 6 آذار/ مارس، ظهر الرئيس ترامب على قناة «فوكس بيزنس»، وفاجأ العالم بقوله؛ إنه أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بشأن التفاوض على اتفاق نووي جديد، بينما هدد بالعمل العسكري إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. وقال ترامب؛ إنه أرسل الرسالة يوم الأربعاء 5 مارس (آذار) الجاري، ونشرت شبكة فوكس نيوز مقطعا منها يوم الجمعة. وقال ترامب لمذيعة «فوكس بيزنس» ماريا بارتيرومو: «هناك طريقتان يمكن التعامل بهما مع إيران، عسكريا أو إبرام صفقة. أنا أفضل إبرام صفقة». وأضاف: «أفضل التفاوض على صفقة. لست متأكدا من أن الجميع يتفقون معي، ولكن يمكننا التوصل إلى صفقة ستكون جيدة، كما لو كنتم فزتم عسكريا. لكنني متأكد أنه في الأيام المقبلة سيحدث شيء بطريقة أو بأخرى. آمل أن تتفاوض إيران، وقد كتبت لهم رسالة، أقول فيها؛ إنني آمل أن تتفاوضوا؛ لأنه إذا اضطررنا إلى التدخل عسكريا، فسيكون ذلك أمرا فظيعا بالنسبة لكم». لكن البعثة الدائمة للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى الأمم المتحدة قالت؛ إنها لم تتلق رسالة من الرئيس ترامب. وقالت البعثة في بيان: «لم نتلق مثل هذه الرسالة حتى الآن».

سألت بارتيرومو الرئيس عما إذا كان يوجه إنذارا نهائيا للقيادة الإيرانية. فأجاب: «لا، أنا لم أقل، من الأفضل أن تفعلوا ذلك. قلت، آمل أن نتفاوض؛ لأن ذلك سيكون أفضل كثيرا لإيران. أعتقد أنهم يريدون الحصول على تلك الرسالة. البديل الآخر هو أن نفعل شيئا رهيبا؛ لأننا لا نستطيع السماح لهم بالحصول على سلاح نووي». وهذه ليست المرة الأولى التي يرسل فيها دونالد ترامب رسالة إلى المرشد علي خامنئي. ففي عام 2019، وبمساعدة رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، أرسل رسالة مماثلة، لكن الزعيم الإيراني رفض علنا هذا العرض للتحدث. وقيل حينذاك إن المرشد قال: «لا أعتبر ترامب شخصا يستحق تبادل أي رسالة معه».

العالم اليوم يترقب نتائج رسائل ترامب وإشاراته المتباينة لإيران، فهل ستعود إيران إلى طاولة المفاوضات بشروط ترامب الجديدة، أم ستصر على تصعيد الموقف وتحمل ضغوط إدارة ترامب القصوى واحتمالية التعرض لضربة إسرائيلية – أمريكية مشتركة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.

(القدس العربي)
التعليقات (0)

خبر عاجل