فنون منوعة

"إنتاج ضخم" وجدل لا ينتهي.. هل تجاوز مسلسل "معاوية" حدود الدراما التاريخية؟

المسلسل ملئ بالأخطاء التاريخية التي ليس لها مبرر درامي - إكس mbc
المسلسل ملئ بالأخطاء التاريخية التي ليس لها مبرر درامي - إكس mbc
منذ اللحظات الأولي للإعلان عن مسلسل "معاوية"، لم يتوقف الجدل حوله، فبينما كان ينتظر أن يكون عملاً ملحمياً عن واحدة من أهم الشخصيات التاريخية الإسلامية، تحول إلى ساحة خلاف.

ولم يقتصر الجدل فقط على البعد الديني والسياسي للعمل الذي " الذي تنتجه وتبثه مجموعة "MBC" السعودية، من حيث تمثيل أدوار الصحابة وفتوى الأزهر الشريف بحرمة مشاهدته وكذلك الهدف من انتاجه وبثه من قبل المنتجين، بل امتد إلى الجوانب الفنية والإخراجية التي أثارت بدورها العديد من التساؤلات حول جودة العمل ومدى التزامه بالمعايير الدرامية.

ووجهت للمسلسل الذي كتبه الكاتب الصحفي المصري خالد صلاح، العديد من الانتقادات، التي كان أبرزها معالجته الدرامية، حيث رأى البعض أنه لم يتمكن من تقديم صورة متماسكة للأحداث التاريخية، بل وقع في فخ التبسيط المفرط والتناول السطحي لشخصية معاوية بن أبي سفيان، مما أفقد القصة العمق الدرامي المطلوب، كذلك، وُجّهت انتقادات للحوار الذي وُصف بأنه تقريري ومباشر، لا يخدم بناء الشخصيات ولا يعكس تعقيد المرحلة التاريخية.

اظهار أخبار متعلقة


ويرى مؤلف العمل الكاتب الصحفي خالد صلاح أن نصر الصحابي معاوية بن أبي سفيان من الله عز وجل كان لأنه أسس للدولة المدنية، وقام بإنشاء جيش نظامي على عكس جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذى اعتمد جيشه على الغنائم. 


وأشار صلاح إلى أن الحافز على كتابة العمل كانت الانتصار للدولة المدنية ضد الدولة الدينية القائمة على الفتاوي الدينية تنهار بسهولة كما حدث في جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. 



اظهار أخبار متعلقة


أما من الناحية الإخراجية، فقد أثارت بعض المشاهد الجدل بسبب أسلوب التصوير والإضاءة، حيث اعتبر البعض أن المسلسل لم يستغل الإمكانيات الإنتاجية الضخمة في تقديم صورة بصرية مُبهرة، بل جاء الإخراج تقليدياً ولم يواكب تطور الأعمال التاريخية المعاصرة، كما أشار البعض إلى ضعف إدارة الممثلين، حيث لم يُظهر الأداء التمثيلي انسجاماً كافياً بين الشخصيات الرئيسية، مما أثر على مصداقية المشاهد.

صراع على السلطة
وأكد المخرج والمنتج المصري أحمد أبو الفتوح في تصريحات خاصة لـ "عربي21" أن المسلسل لم يقدم قصة حياة الصحابي معاوية بن أبي سفيان بل قدم صورة موازية وترك العنان لخيال صناع العمل الذين وضعوا أنفسهم في محل رواة العمل، ليأخذ وجهة نظر معينة وكأنه صراع على السلطة.

وأضاف أبو الفتوح أن الأعمال الدرامية التاريخية لا يشترط أن تلتزم بحوادث التاريخ ولكنها لا بد أن تلتزم بحقائق التاريخ، ولابد من التفريق بين عمل درامي لشخصيات غير حقيقية وبين شخصيات حقيقية لها تاريخ فلابد من الالتزام بالحقائق التاريخية التي عاصريها قصة المسلسل أو العمل الحقيقية.

اظهار أخبار متعلقة


وتابع أن بداية القصة كانت تقليدية لا تتضمن أي لقطات إبداعية وأجبرت المشاهد على توقع نهاية المسلسل، كما غاب عنها مشاهد مهمة في التاريخ واحتوت على قفزات درامية مسرعة في الأحداث لا ينبغي أن تحدث في مثل تلك الأعمال، أو يراها المشاهد من الخارج كأحداث غزة بدر وأحد أو كيفية التغير في شخصية الصحابي معاوية بن أبي سفيان للوصول لما هو عليه.

وفي السياق ذاته أكد المخرج المصري أن المسلسل شهد حوارات ضعيفة بلغة ركيكة رغم أن الحقبة الزمنية للمسلسل كانت في فترة فيها قوة للغة العربية والشعر بين العرب في الجزيرة العربية، كما لفت نظره استخدام "الدبلاج" بشكل غريب ومستهجن على حد وصفه، رغم بساطة اللغة العربية كما احتوى على مغالطات تاريخية كتوقيت إسلامه وبينة جسم الصحابي الجليل أبو بكر الصديق.

بناء الشخصيات
 أكد أبو الفتوح أن طريقة بناء الشخصيات في المسلسل لم تتم بشكل جيد والشخصيات افتقرت إلى العمق والقوة المناسبة للعمل مضيفا أن أداءهم كان ضعيف وغير مناسب لقوة العمل، واختيارهم لم يكن مناسب للعمل من الناحية الجسمانية أو من الناحية الأخلاقية وظهورهم بشكل غير مناسب مع العمل الإسلامي التاريخي والتي تفقد الجمهور الثقة في التلقي نظرا لقيام تلك الشخصيات بأعمال تخالف فكرة العمل الإسلامي.


انتاج ضخم وإخراج ضعيف
وأكد المخرج المصري أن رغم الإنتاج الضخم الذي حظي به المسلسل والامكانيات المادية الكبيرة والميزانية الكبيرة إلا أن الإخراج لم يستفد من تلك الإمكانيات وكان اخراج غير مناسب مع للحقبة الزمنية بداية من الملابس والاكسسوارات وشكل البيوت التي كانت منافية تماما لما عليه في تلك الفترة الزمنية.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار أبو الفتوح إلى أن العمل يبدوه وأنه افتقد لوجود مستشارين ومؤرخين لأخذ آراءهم في الشكل العام للعمل والملابس والإكسسوارات وطريقة الورق والحبر، وشكل السيوف والدروع والرسائل مكتوبة بشكل يؤكده أنها معاكسة لتلك الحقبة الزمنية، وكذلك الاحتفالات الرقاصات ليس لها علاقة بالحقبة الزمنية والموسيقي وكأنك تشاهد نسخة يونانية

فكرة تم تخربيها
ومن جانبه أكد السيناريست والمنتج الفني إمام الليثي في تصريحات خاصة لـ "عربي21” أن فكرة مسلسل عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان هي فكرة قوية بحد ذاتها فهو شخصية ثرية دراميا وأحاطت بها الكثير من المعارك الفكرية والثقافية والحربية والمؤامرات التي صنعها هو بنفسه وكان له فيها وجهة نظر بل وأحيانا له رأي شرعي فيها، فهو إنسان يخطئ ويصيب، لكن الفكرة تم تخريبها بحوار ساذج ضعيف يفتقر إلى العمق والتدفق فبدت الشخصية سطحية وغير مؤثرة.

وقال إن بداية المسلسل حكمت على نهايته بهذه البداية التقليدية التي اشارات إلى رتابة الخط الدرامي وتوقع الأحداث، ما يشير إلى قلة خبرة وسذاجة كاتب القصة والسيناريو، فأن تبدأ عمل بولادة البطل معناها أنك ستنهيه بلحظة وفاته مما قتل الطموح الإبداعي منذ اللحظة الاولى.

اظهار أخبار متعلقة


وأضاف الليثي أن المسلسل ملئ بالأخطاء التاريخية التي ليس لها مبرر درامي، كما أن الصورة لم تحترم خصوصية البيئة العربية وتراثها في الملابس وهندسة المنازل، وتصميمها خارجيا وداخليا والإضاءة والإكسسوارات جاءت مغايرة تماما لما ينبغي أن تكون عليه الملامح الاجتماعية والثقافية لتلك المرحلة.

وأشار السيناريست والمنتج الفني إلى أن "تغيير" بنية الصحابي الجليل أبي بكر الصديق بدا مدهشا، فبينما ظهر الممثل الذي جسد دوره ضخم البنية قويا فيما أكد الرواة والمؤرخون أن أبا بكر كان نحيلا، كما بلغ التغيير حتى في ملابس النساء التي جاءت من ماركات عالمية ووصل التغيير حدودا لا تليق بهن وكأن العمل لأحد المنصات المنافذ الحديثة وليس لمسلسل تاريخي لقصة الصحابي معاوية.

مغالطات تاريخية
وتابع الليثي أن المسلسل به العديد من المغالطات التاريخية وأقلها هي تاريخ إسلام الصحابي معاوية بن أبي سفيان الذي أورده المسلسل أنه أسلم قبل فتح مكة في حين أنه أسلم بعد الفتح، حيث يقول ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" عن معاوية: "وأما إسلامه عام الفتح (فتح مكة) مع من ذكر، فمتفق عليه بين العلماء، سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه إلا عام فتح مكة".

كما أن نوعية السيوف المستخدمة هي سيوف دمشقية في حين أنها لم تستخدم الا بعد هذا التاريخ فليس هناك مراجع تاريخي لكي يصحح تلك الأمور.

من ناحية أخري أشار الليثي إلى أن المسلسل جاء مبهرًا في تكوينه البصري والصوتي، بغض النظر عن مدى مناسبة هذا الابهار للدراما نفسها، لكن يبقى المستوى عالميًا في التنفيذ، وحاول القائمون على العمل تضخيم دور معاوية بن أبي سفيان، في الفترة الإسلامية الأولى، عن طريق نسج روايتين دراميتين إيحائيتين عنه خلال العمل، توحي الأولى بأنه كان مسلما قبل فتح مكة، والثانية توحي بأنه كان من كبار القادة العسكريين والسياسيين خلال خلافة أبي بكر وبدايات خلافة عمر بن الخطاب.


واختتم الليثي حديثه أن مؤلف المسلسل، بعد أن ضخم من حقيقة إسلام معاوية المبكر، يحاول تضخيم حجم معاوية السياسي والعسكري، بين مجتمع الصحابة الكبار، ويعطيه دورًا أكبر بكثير من دوره في ذلك الوقت.

لم يرق للتوقعات
وكان الناقد الفني طارق الشناوي قد اعتبر أن المسلسل لم يرقَ إلى التوقعات، مشيرًا إلى أنه يفتقر إلى العمق الذي تميزت به أعمال تاريخية سابقة، مثل مسلسل "عمر"، الذي تناول شخصية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وحقق نجاحًا كبيرًا وقت عرضه.

ورأى الشناوي أن مسلسل "معاوية" لم يكن على مستوى الترقب والانتظار، مؤكدًا أن "عمر"، الذي أخرجه الراحل حاتم علي، كان أكثر عمقًا وقوة وتأثيرًا وقت عرضه، بينما لم يتمكن "معاوية" حتى الآن من تحقيق نفس التأثير الدرامي أو الجماهيري.

لا يقل عظمة
في سياق مختلف  أشاد إعلامي سعودي، قينان الغامدي بمسلسل معاوية  مؤكدا أنه لا يقل عظمة عن الأعمال الفنية التاريخية والإسلامية التي شاهدها من قبل. 

وكتب الغامدي على حسابه على منصة "إكس" "تابعت حتى الآن عشر حلقات من (مسلسل معاوية) ، وهو في نظري، لا يقل عظمة في ( إنتاجه ، وأداء ممثليه ، وممثلاته ، وقدرات مخرجه ، وطواقمه الفنية ) عن ما شاهدته، في مسلسلات وأفلام مشابهة في الماضي !!". 

وأضاف الإعلامي السعودي "وقد يكون انطباعي هذا ، لأنني قريب عهد بالمسلسل ، وأتابعه يوميا لكنني - فعلا - شاهدت فيه أداء تمثيليا ممتعا لي ،وإنتاجا ضخما جدا ،وإخراجا فنيا بديعا ، ولم ألاحظ ، في أي حلقة من حلقات المسلسل، ضعفا أو سطحية، أو خللا يصرفني عن متابعته ، أو يسبب لي مللا ، أو تشاغلا عن متابعة المشاهدة بشغف".

التعليقات (0)

خبر عاجل