كتاب عربي 21

الحرب الثانية على غزة

منير شفيق
"عود لجريمة الإبادة البشرية، والتدمير لما تبقى من قطاع غزة"- الأناضول
"عود لجريمة الإبادة البشرية، والتدمير لما تبقى من قطاع غزة"- الأناضول
بعد أن كاد اتفاق وقف إطلاق النار يبدأ بالمفاوضة والتنفيذ لفصله الثاني والأخير، حتى تراجع ترامب للانقلاب على ما اتفق عليه، وهو الذي كان وراء إجبار نتنياهو بأن يرضخ ويوقع على الاتفاق. وما إن أرسل شبه ضوء أخضر، أو ضوءا أخضر كاملا، حتى انطلق نتنياهو بشنّ الحرب العدوانية الثانية على قطاع غزة.

كيف يفسّر هذا التراجع من قِبَل ترامب، وهو الذي تعهد بإطلاق كل المحتجزين الأسرى، فلا يحتاج إلى بحث وتدقيق، فالرجل متقلب في مواقفه، بما في ذلك استعداده للعودة إلى موقفه الذي انقلب عليه، وبرمشة عين. ولكن مع ذلك يجب أن تحسب هنا الصدمة التي واجهها الكثيرون، وهم يرون المقاومة والشعب في غزة يحتفلان بالانتصار، أو هم يرون غزة تعود رافعة رأسها وبنادقها، فيما الجيش الصهيوني ينسحب من بعض المواقع التي احتلها، بل من كل المواقع إذا ما طبّق الاتفاق كاملا. فترامب صُدم وهو يرى "اليوم التالي" في غزة، فيما كان يحمل مشروع تهجير كل فلسطينيي غزة، وتحويلها إلى ريفيير وامتلاك أرضها أمريكيا.

على أن هذه العودة للحرب، سرعان ما أدخلت ترامب ونتنياهو في مأزق متعدّد الأوجه. فهو قرار ضعيف سياسيا جدا، ولا يحمل أدنى مستوى كمبرّر له، فقد مثّل تراجعا غير لائق عن "توقيعيهما" على اتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عما يحمله من عودٍ لجريمة الإبادة البشرية، والتدمير لما تبقى من قطاع غزة، ومن دون أي أمل في
هذه العودة للحرب، سرعان ما أدخلت ترامب ونتنياهو في مأزق متعدّد الأوجه. فهو قرار ضعيف سياسيا جدا، ولا يحمل أدنى مستوى كمبرّر له، فقد مثّل تراجعا غير لائق عن "توقيعيهما" على اتفاق وقف إطلاق النار، فضلا عما يحمله من عودٍ لجريمة الإبادة
تحقيق الهدف من هذا العدوان، وذلك سواء أكان إطلاق الأسرى بفرض الخضوع على قيادة مقاومة وشعب لا يُخضعان، أم من خلال الحسم العسكري المباشر.

ثم أضف هنا عزلة هذه الحرب على المستويات العربية والإسلامية والعالمية. فالأغلبية الساحقة من دول العالم انتقدت، أو استنكرت، قرار العودة للحرب، بما فيها الدول الأوروبية جميعا، هذا فضلا عن الرأي العام العالمي الشبابي الذي عاد لتنظيم التظاهرات، ورفع شعارات الإدانة للكيان الصهيوني، وتأييد القضية الفلسطينية.

يخطئ كل من يقلّل من أهمية العزلة الدولية، أو الإدانة من قِبَل الرأي العام العالمي، وذلك بالرغم من عدم قدرتهما وحدهما على فرض وقف العدوان.

إن الاستهتار بالعزلة الدولية، وبالرأي العام، أو بدَوْس القانون الدولي، والقِيَم الإنسانية والأخلاقية، كما يفعل الكيان الصهيوني أو القيادة الأمريكية؛ سيُدفع ثمنه غاليا، إن لم يكن في مدى قريب، ففي المديين المتوسط والبعيد، أو قل على المستوى الاستراتيجي. ويكفي هنا أن يُحسب كم تدفع الدول، أو كم بذل الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية من أموال وجهود لشرعنة إقامة الكيان الصهيوني غير الشرعي، أو لتجميل صورته، وإخفاء ما كان يرتكب من جرائم حرب.

المحصلة التي ستنتهي إليها هذه الحرب، لن تكون في مصلحة ترامب (شديد التقلب)، ولا في مصلحة نتنياهو الذي راح يقترب من السقوط داخليا. فالعوامل الداخلية والخارجية بالنسبة إلى نتنياهو تعمل ضدّه

أما البُعد الثاني والأخطر بالنسبة إلى قرار الحرب، فكونه لا يحظى بإجماع داخلي صهيوني، ولأول مرّة يحدث هذا، وعلى هذه الصورة التي نشهدها في انقسام داخلي، جعل البعض يحذر من الانزلاق إلى "حرب أهلية". ولعل المهم هنا، في الأقل، أن الجيش الذي يذهب إلى هذه الحرب، سيُواجه مقاومة قتالية وصمودا شعبيا، وتكرارا لمصيره السابق في الحرب البريّة، وكيف انتهت باتفاق شبه "انكساري" أو إذلالي، أو قل يفشل في تحقيق الهدف المعلن.

وبالمناسبة، نتنياهو في صراع مع المحكمة العليا والقضاء، ونقابات العمال والمحامين، ورجال الأعمال والشركات.

من هنا يمكن القول إن المحصلة التي ستنتهي إليها هذه الحرب، لن تكون في مصلحة ترامب (شديد التقلب)، ولا في مصلحة نتنياهو الذي راح يقترب من السقوط داخليا. فالعوامل الداخلية والخارجية بالنسبة إلى نتنياهو تعمل ضدّه، مع التشديد على أن الفضل يظل للمقاومة، وقدراتها القتالية وصحّة سياساتها.
التعليقات (0)

خبر عاجل