مقالات مختارة

لنعد إلى إنسانيتنا

جاسم الشمري
مجازر وحشية وتجويع يتعرض له سكان قطاع غزة- الأناضول
مجازر وحشية وتجويع يتعرض له سكان قطاع غزة- الأناضول
جاء في بعض قواميس اللغة، أن الإنسانيَّة جُمْلَة الصفات التي تُميِّز الإنسان، وهي مجموع خصائص الجنس البشريّ التي تُميّزه عن غيره من "الأنواع القريبة، وهي ضدّ البهيميّة والحيوانيّة".

وبالمقابل، هنالك مصطلح "اللاإنسانيَّة" ويُراد به إهدار قيمة الإنسان وحقوقه، والإيمان بالعنصريّة، والقسوة في معاملة الآخرين.
والإنسان، أي إنسان، قيمة عليا في الأرض، ولا بُدّ أن يُحترم كيانه وفكره دون النظر إلى سلالته وعرقه ولونه ولغته، وغيرها من عناصر التناحر البشري الشكلية والعرقية والعشائرية والقبلية والعنصرية والمالية والسلطوية والمجتمعية.
والإنسان سواء أكان من الحكام أم المحكومين، ومن السود أو البيض، ومن الفقراء أو الأغنياء، وسواء أكان من الرجال أم النساء، والصغار أو الكبار يجب أن يُحترم، وألا تُمسّ إنسانيته بما يَخدشها، وألا يُتَعرض له إلا في الأحوال التي تتعارض فيها "إنسانيته" مع إنسانية الآخرين، إنسانية المجتمع، وهنا تكون الكلمة الفصل للقانون والقضاء.
والمبادئ الإنسانية النبيلة قائمة في الأنظمة الصّحّية الكريمة، التي تَحترم إنسانية الإنسان وتحافظ عليها، بما تَمْلُك من قدرات قانونية وأمنية ومالية وفكرية وتربوية وعلمية، وحتى الرياضية والفّنّية.
وخلافا لتلك الأنظمة الراقية، هنالك الأنظمة الهابطة التي تُحارب الإنسان وتسحقه وتتلذّذ بقتله، وتخريب مدنه وممتلكاته ومجمل حياته، وهذه الحالات "اللاإنسانية" قائمة في الأنظمة السقيمة، ومنها الكيان الصهيوني وطريقة تعامله الهمجي مع الفلسطينيين!
والتصرفات الصهيونية "اللاإنسانية" تتمثّل حاليا بأبشع صورها في الجرائم المستمرّة لسحق الشعب الفلسطيني في غزة، وخصوصا بعد أن عادت "إسرائيل"، قبل أسبوعين، لقتل المدنيين العزّل، بعد أن ضَرَبت بهدنة وقف القتال عرض الحائط، واستندت إلى قوتها وهمجيتها في تعاطيها مع أهالي غزة!.
وهنالك اليوم مئات الصور الإنسانية الراقية حول العالم، التي تنادي بضرورة التعامل الإنساني مع أهالي غزة، والوقوف في وجه الهمجية "الإسرائيلية".
ومن هذه الصيحات الحرّة "الكلمة الإنسانية" التي هزّت أركان البرلمان الإيطالي، يوم 21 آذار/مارس 2025، والتي أطلقتها المحامية وعضو مجلس النّوّاب "ستيفّانّيا أسكاري"، وممّا قالته: عندما استيقظت هذا الصباح رأيت صورة طفل فلسطيني قُتِل الليلة في القصف "الإسرائيلي" على غزة، وكانت تنام بجانبي طفلتي، ومباشرة احتضنتها، وقد انتابني إحساس عميق بالألم لما يعيشه الآباء في غزة، وأبشع كابوس ممكن أن يعيشه الأهل هو موت ابنهم، إن كل ما يحدث أمر مروّع، فقد قتل في ليلة واحدة 400 شخص، بينهم 130 طفلا!!
هل أُصِبْنا بالجنون، وهل هؤلاء الأطفال إرهابيون أم أبرياء؟
وختمت كلمتها بالقول: "لقد فقدنا كل شيء، وضاعت الحقوق، وضاعت العدالة، وفقدنا التمييز والإدراك، وفقدنا الضمير الحيّ، والأهم من ذلك فقدنا الإنسانية، لِنَعُد إلى إنسانيتنا"!.
وفي اليوم التالي، انهارت الدكتورة الأمريكية "تانيا الحاج حسن"، من منظّمة أطباء بلا حدود، وبكت بمرارة خلال جلسة الأمم المتّحدة عندما تحدّثت عن غزة، وخاطبت العالم: "نحن لسنا مجهولين، نحن أُناس خلقنا الله. لا يستطيع أهل غزة أن يتحدّثوا عن أنفسهم ويدافعوا عن غزة هنا؛ لأن" النظام الذي نعيش فيه حاليّا لا يعترف بحقّهم في الحياة"! وغيرها العديد من المواقف الرافضة للوحشية "الإسرائيلية"، كون أحوال غزة الحالية تُمثّل انتهاكا صارخا لأبسط المبادئ الإنسانية.
ما أحوجنا اليوم إلى إحياء القيم الإنسانية الأساسية التي تاهت وسط ضجيج الديمقراطية والإرهاب، وما يجري في غزة حالة متوحّشة بعيدة عن القوانين والأعراف والتقاليد والأخلاق الإنسانية النبيلة!
الجرائم "الإسرائيلية" تخطّت جميع الخطوط الحمراء، وضربت القوانين والأخلاق كافة، المدنية والعسكرية، وهذه حالة خطيرة لا يمكن أن تخلو من تداعيات مستقبلية، ليس فقط في فلسطين والمنطقة، بل، وربّما، في غالبية الدول الغربية!
حافظوا على الإنسان، وانصروا القضايا العادلة حتى تستمرّ حياتنا على الكوكب بعيدا عن الإرهاب والخراب والضياع.
التعليقات (0)

خبر عاجل