يظل المواطن العادي
في بلدان العالم الإسلامي حائرا، وهو يرى الإبادة الجماعية في غزة خلال أكثر من
عام ونصف، والحصار لمنع الغذاء والدواء، ودول العالم تتفرج وبعضها يكتفي ببعض
البيانات الجوفاء التي لا تطعم جائعا أو تروي عطشانا. ويتكرر المشهد البائس في
السودان، حيث الحرب الأهلية التي دمرت أجزاء من العاصمة وتسببت في النزوح الداخلي والخارجي
للملايين.
وها هو القصف الإسرائيلي
والأمريكي والبريطاني المتكرر على مناطق سيطرة الحوثيين في اليمن، والذي أسفر عن
تدمير المنشآت ومقتل العشرات ولا أحد يستنكر، كذلك القصف الإسرائيلي المتكرر
لمناطق من سوريا وتدمير قدارتها العسكرية واحتلالها لمساحات كبيرة من أرضها، ولم
نسمع من المنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن أي قرار ضد تلك الاعتداءات، أو تجاه إمداد
إسرائيل لفصائل طائفية بالسلاح لمقاومة الدولة في سوريا. ونفس الموقف الدولي المخزي
ومن قبل الوسطاء تجاه وقف إطلاق النار في لبنان، مع تكرار القصف الإسرائيلي رغم
عدم صدور أي موقف مسبق من قبل لبنان.
وها هي السنوات
تمر على الحرب الأهلية في ليبيا دون تدخل وسطاء للتوصل إلى حل نهائي، ونفس الصورة
بين طرفي الأزمة اليمنية.
إشغال هؤلاء السكان بالحروب الأهلية والخلافات السياسية، لتظل بلادهم في حالة من عدم الاستقرار بما يجعلها طاردة للاستثمار وللسكان، لتفريغها من الكوادر العلمية التي كان يمكن الاستعانة بها لقيادة عملية التنمية
وها هي الإدارة
الأمريكية تمنع دول العالم من استيراد النفط والمشتقات الإيرانية، وتواصل
تهديداتها العسكرية لها بالتوازي مع التهديدات الإسرائيلية بتدمير البرنامج النووي
الإيراني. وتمتد الصورة القاتمة إلى التوترات الداخلية في نيجيريا والى الاستعدادات
الحالية للحرب بين الهند وباكستان، بما يزيد من الأوضاع المتدهورة السياسية والاقتصادية
التي تعاني منها باكستان.
ويكمن السبب
الرئيس وراء كل إشعال تلك الحروب الأهلية والاعتداءات والخلافات السياسية المتعددة،
سواء بين الجزائر والمغرب منذ عام 1994، أو بين السودان وكل من كينيا وتشاد، وغيرها، في رغبة الدول الغربية والشرقية معا في إضعاف العالم الإسلامي واضطراب أحواله
الداخلية حتى لا يتفرغ للتنمية، فحينما يتجاوز عدد سكان دول منظمة التعاون الإسلامي
السبع والخمسين منذ عام 2022 الملياري شخص، يشكلون 25.1 في المئة من سكان العالم، فهي
تعتبر ذلك خطرا على مصالحها، خاصة مع نسبة نمو سكاني 1.7 في المئة مقابل نسبة نمو 8
في الألف كمتوسط عالمي.
نمو سكاني مرتفع وشيخوخة منخفضة
ولهذا تسعى لإشغال
هؤلاء السكان بالحروب الأهلية والخلافات السياسية، لتظل بلادهم في حالة من عدم الاستقرار
بما يجعلها طاردة للاستثمار وللسكان، لتفريغها من الكوادر العلمية التي كان يمكن الاستعانة
بها لقيادة عملية
التنمية.
ولقد بلغ معدل نمو
السكان في العالم الإسلامي عام 2022 نسبة 2.48 في المئة مقابل 1.68 في المئة
كمتوسط عالمي، وبلوغ نسبة السكان من سن صفر إلى 14 سنة من إجمالي السكان 33.5 في
المئة مقابل نسبة 25.3 في المئة بالعالم، وكذلك بلوغ نسبة السكان في سن 65 سنة
فأكثر 4.9 في المئة مقابل نسبة 9.8 في المئة بالعالم.
يضاف لذلك بلوغ
قوة العمل في بلدان العالم الإسلامي عام 2022 نحو 735 مليون شخص يشكلون 20.6 في
المئة من قوة العمل في العالم، وبلوغ نسبة العمالة الصناعية 21 في المئة من
العمالة في الدول الإسلامية، مما يؤهلها مع التدريب والتأهيل لزيادة الإنتاج المحلي
والاستغناء عن جانب من الواردات، خاصة وأن قيمة الصادرات الصناعية في الدول
الإسلامية عام 2021 قد بلغت 677 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الواردات الصناعية
971 مليار دولار، بعجز تجاري صناعي 294 مليار دولار.
وتوكل الدول
الغربية للإشراف على عملية إعاقة التنمية نفرا من الحكام سواء من خلال الانقلابات
العسكرية أو من خلال عمليات التوريث أو الانتخابات المزورة، بحيث يقومون بتبديد
الموارد على مغامراتهم ويقصون الأكفاء ويستعينون بأهل الثقة، وكلما نجحوا في مهمة
تعطيل التنمية طالت مدة بقائهم على مقاعد الحكم.
وعندما تمتلك
الدول الإسلامية نسبة 65.3 في المئة من الاحتياطي البترولي الدولي ومن إنتاج خام
النفط 43.2 في المئة، ومن الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي 58.4 في المئة، ومن
الإنتاج المسوق للغاز الطبيعي دوليا 32.1 في المئة، فلا بد للدول الغربية وعلى
رأسها الولايات المتحدة من السعي لتقليل استفادة الدول الإسلامية من تلك الثروة، بإضعاف
دور منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) ودفعها لزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وكذلك
إضعاف دور الاتحاد الدولي للغاز الطبيعي في الدفاع عن مصالح المصدرين، بل ومنافسة
الولايات المتحدة لنفط وغاز الدول الإسلامية سواء في الأسواق الأوروبية أو الآسيوية.
التجارة
الإسلامية أكبر من الأمريكية
ورغم تلك
العراقيل والفتن التي تشعلها الدول الغربية فقد كانت قيمة التجارة السلعية للدول
الإسلامية السبع والخمسين في العام الماضي أكبر من تجارة الولايات المتحدة، وهي
الدولة التي قلبت أوضاع التجارة الدولية في الشهور الأخيرة بسبب ما فرضته من
تعريفات جمركية على باقي الدول، حيث بلغت قيمة التجارة السلعية للدول الإسلامية 5.582
تريليون دولار، بنصيب 11.4 في المئة من إجمالي التجارة السلعية الدولية، بينما
بلغت قيمة التجارة السلعية الأمريكية 5.424 تريليون دولار حسب بيانات منظمة
التجارة الدولية بنسبة 11 في المئة من العالم.
ولقد حققت الدول
الإسلامية فائضا تجاريا بلغ 150 مليار دولار، بينما حققت الولايات المتحدة عجزا
تجاريا بلغ 1.294 تريليون دولار، مع حرص الولايات المتحدة والدول الغربية على
اقتناص تلك الفوائض التجارية السلعية الإسلامية، سواء بشراء السلع والخدمات
الغربية أو بشراء سنداتها وأسهمها، أو بالإيداع في مصارفها أو بشراء السلاح منها،
حيث بلغت قيمة مشتريات عشر دول عربية (السعودية والجزائر والكويت والعراق وسلطنة
عمان والمغرب والأردن ومصر والبحرين وتونس) من السلاح في العام الماضي 135 مليار
دولار حسب بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، وهي الأسلحة التي ستضاف إلى غيرها في
المخازن دون استخدام ضد الأعداء الحقيقيين ولكن لإرهاب شعوبها وتهديد جيرانها.
ولقد ساهمت
التوترات السياسية بين الدول الإسلامية في انخفاض نسب التجارة البينية لتصل نسبتها
إلى 18.7 في المئة عام 2022، كمتوسط بين الصادرات البينية البالغة نسبتها 17.7 في
المئة والواردات البينية البالغة نسبتها 19.8 في المئة، وهي الواردات التي عادة ما
تتم بين دول الجوار الجغرافي، كما هو الحال مع أفغانستان وأذربيجان وجامبيا وغينيا
بيساو والأردن ومالي وباكستان وتركمانستان واليمن.
ولعل الكثيرين
يعرفون الضغوط الأمريكية على الدول الإسلامية لمنعها من التنقيب عن النفط والغاز
الطبيعي من خلال شركاتها المحلية، ومنع إمدادها بالتكنولوجيا المتقدمة، والنتيجة هبوط
نصيبها من صادرات التكنولوجيا العالية إلى 3.6 في المئة من صادرات العالم في عام
2019.
وكذلك الحرص على
تصدير المصانع إلى الدول الإسلامية بنظام تسليم المفتاح، بحيث لا تكون هناك نسب
تصنيع محلية فيها، أو التعرف على أسرارها الصناعية، وكذلك الضغوط لمنعها من زراعة
القمح، والنتيجة أنه رغم بلوغ إنتاج الحبوب في الدول الإسلامية في عام 2022 نحو
405 ملايين طن، فقد ظل الميزان التجاري الزراعي للدول الإسلامية يعاني من العجز
لسنوات طويلة، وبشكل متزايد حتى بلغ 96 مليار دولار في 2021.
46 دولة إسلامية
مقترضة من الصندوق
ومع معاناة أكثر
من 30 بلدا إسلاميا من العجز التجاري السلعي المزمن، فقد زادت ديونها الخارجية حتى
بلغت عام 2021 نحو 2.064 تريليون دولار، ولتبلغ خدمة الدين الخارجي خلال العام 280
مليار دولار، مما دعا كثيرا منها للجوء إلى المنظمات الدولية للاقتراض، حتى أنه في
عام 2021 كان هناك 46 بلدا من بلدان العالم الإسلامي مقترضة من صندوق النقد الدولي
بإجمالي 121 مليار دولار، حسب بيانات مركز البحوث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية
(سيسرك)، وهي القروض التي ظلت تأخذ مسارا تصاعديا من 37 مليار دولار عام 2015 حتى
بلغت 53 مليار عام 2019، لتقفز إلى 75 مليارا عام 2020 مع تداعيات فيروس كورونا ثم
تصعد إلى 121 مليار دولار في العام التالي.
والمعروف أن
الصندوق يشترط للإقراض تنفيذ وصفته العلاجية للاقتصاد، والتي تسببت في العديد من
الدول من تدهور عملاتها المحلية وارتفاع معدلات التضخم وخفض العمالة وبيع الشركات
العامة، بما يسقطها في النهاية كفريسة في مصيدة الديون التي تستحوذ على غالب إنفاقها
الحكومي، بما يقلل من إنفاقها الاستثماري ويضعف من إمكانية تحسين المستوى المعيشي للأفراد،
وبحيث يتم الحرص على عدم غرقها حتى لا تتسبب في هجرات للبلدان الغربية، وفي نفس
الوقت عدم تمكينها من العوم والبدء في التنمية، كي تظل مستهلكة ومستوردة ومديونة
وتابعة.
x.com/mamdouh_alwaly