نظم المجلس العسكري في
مالي مشاورات في العاصمة
باماكو أوصت بحل الأحزاب السياسية وتعيين الرئيس دون انتخابات، ما أثار زوبعة سياسية في البلاد ودفع المعارضة للنزول للشارع في مظاهرات هي الأولى منذ الانقلاب العسكري في 2021.
ففي أولى محطات تطبيق توصيات المشاورات التي نظمها المجلس العسكري، وافقت الحكومة المالية رسميا على مشروع قانون يقضي بإلغاء النظام الأساسي الذي يحكم الأحزاب السياسي في البلاد الصادر في آب /أغسطس 2005، وذلك تمهيدا لحل الأحزاب.
وأعلن المدير العام للإدارة الترابية في الحكومة، عبد السلام دييبكيلي، أن قرار إلغاء هذا المشروع يندرج ضمن إطار الرغبة الحكومية في "وقف انتشار الأحزاب السياسية" في البلاد، فيما تعتبر المعارضة أن القرار هو مقدمة لحل الأحزاب السياسية القائمة، خصوصا المعارضة منها.
وينتظر أن تتم إحالة هذا القرار الحكومي في الأيام المقبلة إلى المجلس الوطني الانتقالي الذي يعد بمثابة البرلمان في مالي، من أجل المصادقة عليه.
اظهار أخبار متعلقة
المشاورات التي قاطعتها المعارضة على نطاق واسع أوصت أيضا بتعيين رئيس المجلس العسكري الحاكم، عاصمي
غويتا رئيسا للجمهورية لخمس سنوات قابلة للتجديد، وبتعليق إجراء الانتخابات إلى حين إحلال السلام في البلاد.
وتنتظر نتائج المشاورات المصادقة عليها من طرف غويتا، قبل الشروع في تنفيذها، وسط تنديد داخلي وخارجي بحل الأحزاب وتعيين الرئيس دون إجراء انتخابات.
زوبعة سياسية
وأثار توجه العسكر الممسكين بالسلطة في باماكو إلى إلغاء الأحزاب السياسية وتعيين رئيس لولاية من خمس سنوات قابلة للتجديد دون انتخابات زوبعة سياسية في البلد الغرب افريقي والذي يعيش حالة من عدم الاستقرار وتنشط فيه العديد من التنظيمات المسلحة.
وقال عبد الله يارو، مدير مكتب رئيس الوزراء السابق موسى مارا وعضو حزب "يلما"، إن هذه المشاورات "لا تمثل الشعب المالي، لأننا نحن، ممثلي الأحزاب السياسية، لم نشارك في الاجتماع".
وأضاف في تصريحات صحفية: "تنفيذ هذه التوصيات كارثة على مالي، وتنصيب شخص لم يُنتخب رئيسا للجمهورية يُعد انتهاكا للدستور".
ويرى متابعون أن التوجه لإلغاء الأحزاب السياسية وتعيين الرئيس دون انتخابات سابقة في تاريخ مالي ستنجم عنها الكثير من المخاطر في البلد الذي يعيش ما يشبه عزلة دولية بفعل التوتر الحاصل مع جيرانه خصوصا بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا التي تفرض حصارا على باماكو، وكذلك الجزائر التي قطعت علاقتها الدبلوماسية مع مالي و أغلقت مجالها الجوي أمام حركة الطائرات من وإلى باماكو.
وتشهد العاصمة المالية باماكو منذ أيام توترا بعد ما أقرت الحكومة التي يدرها المجلس العسكري الحاكم في البلاد هذه التوصيات المثيرة للجدل.
المعارضة تنزل للشارع
وفي محاولة منها لفرض التراجع عن القرار، أعلنت المعارضة المالية أنها ستنزل للشارع من أجل منع أي حل للأحزاب السياسية.
وفي هذا الصدد خرجت أمس مظاهرات حاشدة في باماكو، وهتف المشاركون فيها ضد قانون إلغاء القانون المنظم للأحزاب السياسية.
ورفع المتظاهرون الذين خرجوا استجابة لدعوة تحالف يضم عديد الأحزاب السياسية، لافتات تطالب بـ"الحرية والديمقراطية" وإجراء "انتخابات"، كما رددوا هتافات بينها: "تحيا الديمقراطية، وتسقط الديكتاتورية".
أكبر تظاهرة منذ الانقلاب
وتعتبر المظاهرات التي خرجت أمس في باماكو، أكبر فعالية سياسية معارضة في البلاد منذ وصول العقيد عاصيمي غويتا إلى السلطة عام 2021.
وتوقع متابعون أن تصعد المعارضة من احتجاجاتها خلال الأسابيع القادمة من أجل الضغط على المجلس العسكري لثنيه عن حل الأحزاب السياسية.
ووفق متابعين فإن المعارضة لن يكون باستطاعتها تعبئة الرأي العام المالي ضد قرار حل الأحزاب السياسية، مال لم تتلقى دعما دوليا أو إقليميا في ظل الدعم الروسي والحماية التي توفرها موسكو لقائد المجلس العسكري الحاكم.
فمنذ وصوله للسلطة تدخلت روسيا لتوفير الدعم المالي والحماية للمجلس العسكري المالي، إذ تشير تقارير إلى أن مجموعة "فاغنر" الروسية أبرمت عقدا مع الحكومة المالية من أجل توفير مرتزقة للمساعدة في القتال ضد المتمردين، وقمع أي حراك معارض.
وقد عمل المجلس العسكري منذ وصوله للسلطة على إضعاف المعارضة، وحرص على اتخاذ إجراءات بهذا الخصوص منها ملاحقات قانونية وحل منظمات عديدة، فيما سعى إلى "تعزيز الخطاب الداعي إلى التوحد خلف السلطات العسكرية".
من هو حاكم مالي العسكري المثير للجدل؟
يتولى حاليا إدارة المجلس العسكري الحاكم في مالي الجنرال عاصمي غويتا، وهو عسكري شاب ولد 1980، التحق بالجش عام 2002، وبزر اسمه عامي 2020 و2021 بعد أن أطاح فيهما برئيسين مدنيين.
تولى غويتا عام 2008 قيادة قوات تابعة للجيش في شمال البلاد، لمواجهة تمرد قادته جماعات مسلحة، كما كُلف بمهمة تفكيك شبكات تهريب البشر في تلك المنطقة.
كما أشرف على العمليات العسكرية ضد الطوارق في شمال البلد سنة 2012، قبل أن يتدرج في المناصب العسكري، ليقود انقلابين عسكريين مالي بين عامي 2020 و2021.
وحظي غويتا بتقدير كبير داخل المؤسسة العسكرية، وتمت ترقيته في أكتوبر 2024 إلى رتبة جنرال بـ5 نجوم.
بعد وصوله للسلطة بارد غويتا، بطرد القوات الفرنسية من مالي وهو ما أكسبه شعبية كبيرة، حيث خرجت العديد من المسيرات في المدن المالية تؤيد قراره بشأن طرد القوات الفرنسية.
لكنه في المقابل توجه شرقا نحو روسيا، التي دعمته بالمال والسلاح، ما ساهم في تعزيز حضوره بقوة في المشهد السياسي المالي.
وزودت روسيا على مدى السنوات الماضية الجيش المالي بمعدات عسكرية متنوعة بينها طائرات مقاتلة وسرب من الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى عتاد عسكري متنوع.
اظهار أخبار متعلقة
وتتهم الحركات الأزوادية في شمال مالي، الحكومة المركزية في باماكو، بالاستعانة بخدمات مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة المثيرة للجدل، من أجل تنفيذ هجمات بمناطق الشمال المالي
ويسعى غويتا لتعزيز حضوره أكثر وتنصيب نفسه رئيسا للجمهورية بدون انتخابات، وذلك بعد أن أوصى مؤتمر الحوار الوطني في مالي، مطلع مايو الجاري، بتعيينه رئيسا للبلاد مدة 5 سنوات، عقب حوار أجري في العاصمة باماكو وضم عددا من الشخصيات السياسية والفاعلين المحليين، وقاطعته المعارضة.
"تداعيات متوقعة"
ويرى المحلل السياسي المتابع للشأن الأفريقي، سيد أحمد باب، أن توجه العسكر في مالي لإلغاء الأحزاب السياسية وتعيين غويتا رئيسا للجمهورية لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد دون انتخابات ستكون له انعكاسات كبيرة.
وأشار في تصريح لـ"عربي21" إلى أن هذا التوجه سيدخل البلاد في أزمة سياسية خطيرة تفاقم الوضع المتأزم أصلا في هذا البلد.
وأوضح أن مالي تعاني جراء الحصار المفروض عليها من المجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا "إيكواس" والتوتر الحاصل في علاقاتها مع العديد بلدان المنطقة خصوصا الجزائر، وتنشط فيها العديد من التنظيمات المسلحة.
ونبه إلى أن إجماع المعارضة المالية على رفض هذا التوجه يعني أن مالي مقبلة على مشهد سياسي متأزم، وستعاني جراء عقوبات دولية وهو ما يعني في المحصلة المزيد من النزوح وعدم الاستقرار.