سياسة عربية

امتياز لـ"موانئ أبوظبي" بمدخل قناة السويس يفجر جدلا في مصر.. ما القصة؟

تفاقم الجدل مع الإعلان عن نسبة أرباح مصرية ضعيفة يقرها العقد الذي لا يجوز الطعن عليه- الأناضول
تفاقم الجدل مع الإعلان عن نسبة أرباح مصرية ضعيفة يقرها العقد الذي لا يجوز الطعن عليه- الأناضول
أثار اتفاق مجموعة "موانئ أبوظبي" الإماراتية، مع الهيئة الاقتصادية لقناة السويس المصرية، لتطوير وتشغيل منطقة صناعية ولوجستية بمساحة 20 كيلومترا مربعا، قرب مدينة بورسعيد (شمال شرق) مدة 50 عاما قابلة للتجديد، الجدل، خاصة مع تعاظم حصص المجموعة الإماراتية في البنية التحتية البحرية واللوجستية المصرية.

بموجب الاتفاقية، التي حضر توقيعها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأحد، تتولى "موانئ أبوظبي" تطوير وتشييد وتمويل وتشغيل وإدارة المنطقة الصناعية واللوجستية "كيزاد شرق بورسعيد"، فيما تقام مرحلة المشروع الأولى بمساحة 2.8 كيلومتر مربع، وتتضمن إنشاء رصيف بطول 1.5 كيلومتر قد يضم لاحقا محطة شحن متعددة الأغراض.

هناك بعض من الغموض والنقاط التي لم يكشف عنها بيان مجلس الوزراء المصري، ولا بيان الشركة الإماراتية، بينها التكلفة الإجمالية للمشروع، إلا أن الجانب الإماراتي أعلن عن تخصيص 120 مليون دولار للدراسات الفنية والسوقية وتطوير البنية التحتية للمرحلة الأولى التي تقوم المصرية "حسن علام القابضة"، بأعمال التشييد فيها بنهاية العام، وفق تعاقد منفصل مع الشركة الإماراتية.

"صدمة وجدل وتساؤلات وانتقادات"
وتفاقم الجدل مع الإعلان عن نسبة أرباح مصرية ضعيفة يقرها العقد الذي لا يجوز الطعن عليه وفق قوانين محلية أصدرها الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور عام 2014، وطورها رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، لتحصن وتعديلاتها الاتفاقيات الخارجية من الطعن عليها أمام المحاكم المحلية.

وكان الرئيس المؤقت عدلي منصور قد أقر القانون (رقم 32 لعام 2014) في نيسان/ أبريل، يمنع أي جهة غير أطراف التعاقد من الطعن على العقود الخارجية وينص على: عدم جواز الطعن على العقود بين الحكومة والمستثمرين، إلا من أطراف العقد ذاته، وذلك بالمخالفة لـ9 مواد في الدستور، وفقا لدعوى ببطلان القانون أمام المحكمة الدستورية العليا.

اظهار أخبار متعلقة


ولم ينتبه كثيرون إلى بيان مجلس الوزراء ولا الشركة الإماراتية، لكن حديث تلفزيوني لرئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وليد جمال الدين، مع الإعلامية لميس الحديد، أغضب الشارع المصري.

خاصة، مع تأكيده أن  موانئ أبوظبي ستقوم بتسديد نسبة 15 بالمئة من الإيراد سنويا للحكومة المصرية مقابل حق الانتفاع، بجانب إعلانه أن الحكومة قامت بعمل كافة المرافق الأساسية خارج الأرض على نفقتها.



خبراء ومراقبون رأوا في هذا التعاقد إجحاف كبير بحقوق المصريين في التعاقدات الخارجية، وانتقدوا طول مدة الانتفاع وتحديدها بـ50 عاما وجعلها قابلة للتجديد، مشيرين إلى أن المساحة المقررة من الأراضي كبيرة جدا بمنطقة حيوية واستراتيجية وتمس الأمن القومي المصري لوجودها بالمدخل الشمالي لقناة السويس، ولقربها من ميناء شرق بورسعيد.

وبجانب عدم تحديد حجم الاستثمارات المقرر أن تضخها موانئ أبوظبي، للمنطقة، انتقد مراقبون تحديد نسبة الحكومة المصرية مقابل حق الانتفاع لهذه المساحة وبهذه المدة التاريخية فقط 15 بالمئة من إيراد الشركة الإماراتية.

كما انتقدوا ثبات حصيلة مصر من الإيراد الكلي للمشروع وعدم زيادتها بشكل دوري، مع تحمل القاهرة مسؤولية وتكلفة توفير البنية التحتية الخارجية، وحق الانتفاع بالبنية التحتية المصرية من مياه وكهرباء وطرق وأنفاق وخلافه، مع منح موانئ أبوظبي إعفاءات ضريبية.

"كتف مصر"
كما يروا أن حصول موانئ أبوظبي المملوكة لصندوق أبوظبي السيادي "أيه دي كيو"، على هذا المشروع في تلك المنطقة إلى جانب ما لها من استحواذات وعقود في الإسكندرية والغردقة وسفاجا وشرم الشيخ والعين السخنة والغردقة وبورسعيد ودمياط ورأس الحكمة والعريش، يثير المخاوف من سيطرة واحتكار لهذا القطاع الحيوي.

وكان الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار قد لفت لهذا الأمر عبر صفحته بـ"فيسبوك قائلا: "الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف"، مضيفا: "كتف مصر"، موضحا أنه "من رأس الحكمة إلى غرب العريش".

وألمح مراقبون إلى أن الشركات الإماراتية التي قد تكون واجهة لغيرها من الشركات متعددة الجنسيات وبينها إسرائيلي، تسيطر حاليا على المنطقة الاقتصادية شرق بورسعيد وميناء السخنة جنوب السويس، وما بينهما وهي قناة السويس.

"إمبراطورية بحرية"
المجموعة التابعة لصندوق الثروة السيادي لإمارة أبوظبي، ويتولى منصب رئيس مجلس إدارته طحنون بن زايد، شقيق رئيس الإمارات محمد بن زايد، وقعت في كانون الثاني/ يناير الماضي، مذكرة تفاهم مع وزارة النقل المصرية للتطوير وإدارة مجمع لوجستي بميناء الإسكندرية على مساحة 1.1 كيلومتر مربع، حيث يمر عبر ميناء الإسكندرية 60 بالمئة من التجارة الخارجية لمصر

وفي حزيران/ يونيو 2024، وقعت موانئ أبوظبي والهيئة العامة لموانئ البحر الأحمر امتياز تطوير وتشغيل وإدارة 3 محطات للسفن السياحية للرحلات البحرية (كروز) في موانئ الغردقة وسفاجا وشرم الشيخ لمدة 15 عاما بقيمة 4.7 مليون دولار.

كما وقعت حينها، المجموعة اتفاقيتي امتياز لمدة 30 عاما مع الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتطوير وإدارة وتشغيل محطة لسفن الدحرجة [الرورو] ومحطة أخرى للسفن السياحية [الكروز] في ميناء العين السخنة.

وذلك بعد اتفاقية في 2023، لبناء وتشغيل مشروع محطة سفاجا متعددة الأغراض بقيمة 200 مليون دولار.

واستثمرت موانئ أبوظبي نحو 349 مليون دولار في مصر السنوات الثلاث الماضية عندما استحوذت على شركتي الخدمات اللوجستية المحليتين "تسي سي آي وترانسمار"، وشركة "سفينة لخدمات الشحن"، وتتطلع لإنشاء منطقة صناعية تركز على الطاقة المتجددة في شرق بورسعيد.

وفي آذار/ مارس 2022، وقعت موانئ أبوظبي اتفاقية مع وزارة النقل لتطوير وإدارة ميناء العينة السخنة، بالبحر الأحمر.

ومع توقيع صندوق أبوظبي صفقة "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي الغربي لمصر في شباط/ فبراير 2024، والاستحواذ على 170 مليون متر مربع، مقابل 35 مليار دولار، من المقرر إنشاء ميناء تخصصي دولي سياحي كبير لليخوت والسفن السياحية.

اظهار أخبار متعلقة


كما أنه وبرغم رفض الجيش المصري أية استثمارات أجنبية على أراضي شبه جزيرة سيناء إلا أنه وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، زار وفد إماراتي منطقة العريش في صحبة رجل الأعمال السيناوي القريب من جهات سيادية مصرية عصام العرجاني، معلنا عن بداية مشروعات إماراتية غرب العريش.

وهو ما تبعه إعلان وزير الاستثمار الإماراتي محمد السويدي، برفقة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي عقب تفقده لمعبر رفح البري، خطة اقتصادية عمرانية لتعمير شمال سيناء، خلال 5 سنوات، وتخصيص 363 مليار جنيه نحو "11.6 مليار دولار"، لذلك.

وهناك نحو 1730 شركة إماراتية في مصر، وفق تصريح لسفيرة الإمارات بمصر، مريم الكعبي، مسجلة الدولة الأكثر استثمارا في ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وثالث أكبر اقتصاد عربي.

"اتفاق معيب"
وفي قراءته للمشهد الجديد، قال المستشار الأممي السابق والخبير الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم نوار، إن "هذا الاتفاق معيب من أكثر من زاوية، فمن الزاوية الجغرافية البحتة، تتمتع المنطقة محل التعاقد بمزايا طبيعية وتجارية لا مثيل لها في ساحل مصر على البحر المتوسط، أهمها عمق المياه الذي يسمح بإقامة ميناء يكون من أفضل الموانئ العالمية على الإطلاق".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ومن زاوية الموقع الاستراتيجي فحدث، حيث أن المنطقة يمكن أن تتحول بسهولة إلى منطقة خدمات بحرية متكاملة للسفن العابرة للقناة".

ومن الزاوية التجارية، أوضح أن "الموقع الجغرافي والمزايا الطبيعية تتيح  للمشروعات في المنطقة مزايا الإطلال على القارات الثلاثة إفريقيا وآسيا وأوروبا".

"توجه حكومي"
وأعرب نوار، عن أسفه من أن "مصر تتمتع بكثير من المزايا الجيوستراتيجية التي لا تستثمرها، وإنما تؤجرها للآخرين بعقود تأجير طويلة الأمد قابلة للتجديد، وهو اتجاه واضح للحكومة الحالية".

ويرى أن "العائد المادي من إيرادات المشروع لا يعادل حصة مصر في المزايا الطبيعية والجغرافية والتجارية للموقع محل التعاقد، خصوصا وأن العقد يضع الدولة صاحبة الشركة المستفيدة وراء عجلة القيادة، تقرر ما تشاء، وتكتب القوائم المالية ما تشاء، ومن ثم تقرر نصيب مصر في أرضها ومواردها".

ويعتقد أنه "نصيب هزيل لا يتجاوز عمولة مقاول من المقاولين أو الوسطاء العاملين مع الدولة، إذ تصل هذه العمولة إلى 20 بالمئة في معظم الأحوال".

لكن الأخطر بحسب الخبير المصري، "بعد كل ذلك هو أن الإمارات تستحوذ على منطقة تمتد إلى غرب العريش، وهو ما يمكن أن يضع حدود مصر مع إسرائيل خارج حدود السيطرة الوطنية".

وفي نهاية حديثه، قطع بأن "العقود الأخيرة كلها محصنة ضد المصادرة والتأميم بواسطة البنك الدولي".

"هل توطئة لبيع القناة؟"
وفي رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري مجدي الحداد: "هذا المشروع الذي استحوذت عليه الإمارات، وبمدخل قناة السويس الشمالي، وبجوار ميناء بورسعيد، وبتلك المساحة الكبيرة، والتي تقدر بـ20 كم مربع، يكتنفه الكثير من التساؤلات المشروعة فضلا عن الشبهات".

الحداد، في حديثه لـ"عربي21"، تساءل: "كيف يقال مثلا إنه سيتم إنشاء المشروع بنظام حق الانتفاع (B.O.T)، وأن الدولة تتكفل بتوفير البنية التحتية الخاريجة؟، ثم كيف تكون فترة الامتياز 50 عاما قابلة للتجديد؟، ثم ما معنى أن تحصل مصر على 15 بالمئة فقط كنسبة ثابتة من الإيراد، وليس حتى من صافي الربح، وهناك فرق شاسع بين الحالتين، فهل معنى حصولها على نسبة من الإيراد تحملها مثلا نسبة من التكاليف؟".

وأوضح أن "نظام حق الانتفاع، يقتضي تحمل المستثمر كل تكاليف الإنشاء، ولا تتحمل الدولة قرشا واحدا، ومقابل فترة امتياز بين 30 أو 40 عاما، ولا تزيد عن ذلك، بحيث يحصل المستثمر خلالها على تكاليف الإنشاء مع هامش ربح، وتعود ملكية المشروع كاملة بعدئذ للدولة".

اظهار أخبار متعلقة


وأكد أنه "بخلاف ذلك يكون هناك تلاعب وغش وتدليس وإهدار لأموال وثروات وأصول الشعب، وهو في الحقيقة أمر لم يعد مستغربا لمن فرط في شريان حياة مصر ذاتها من قبل، وهو نهر النيل، ثم تيران وصنافير -الحديث يدور الآن على إنشاء قاعدة أمريكية بها-، ثم بيع أصول الدولة المربحة بأبخس الأثمان، وكذا الاستراتيجية منها، كالعديد من شركات الأسمدة والأسمنت مثلا، وتحويل البعض الآخر منها لخردة كمصنع الحديد والصلب، وغيره".

ووصف هذا المشروع بـ"المشبوه"، وعاد يتساءل: "هل هذا مثلا مقدمة لبيع قناة السويس ذاتها، أو التلاعب بألفاظ البيع كأن يقال مثلا تأجيرها لمدة 99 عاما قابلة للتجديد؟".

ولفت إلى أن "نظام المشاركة معروف دوليا، كما أن جسر البسفور الأشهر في تركيا والذي يربط أوروبا وأسيا، تم إنشاؤه بنظام الـ(B.O.T)، وقد بلغت تكلفته وقت إنشاءه حوالي 200 مليون دولار فقط لا غير".
وحول تحصين تلك الاتفاقيات والعقود بقانون يقضي بـ"عدم جواز الطعن على العقود بين الحكومة والمستثمرين"، قال الحداد "كان لابد من وجود الرئيس المؤقت الذي أقر ذلك القانون لفترة انتقالية الغرض منها تمهيد الأرض لمن يأتي بعده، عبر إصدار قوانين جائرة تنتقص حقوق المصريين الشخصية وسيادتهم على أرضهم".

"امتياز قناة السويس"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعرب سياسيون وخبراء اقتصاد مصريين رفضهم الاتفاقية.

وأشار البرلماني المصري زياد العليمي، إلى أن التعاقد ضئيل جدا، مشيرا إلى أنه يشبه امتياز حفر قناة السويس بين الخديوي سعيد عام 1856، والفرنسي فرديناند ديليسبس، ملمحا إلى أن أوروبا أغرقت مصر في الديون حينها في أزمة انتهت باحتلال إنجلترا لها عام 1882، مؤكدا أن ما يحدث الآن يؤثر على مستقبل الأجيال القادمة بمصر.


أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتورة علياء المهدي، قالت لا أقبل فكرة دخول الإمارات في مشروع ضخم في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لأنها بهذا تدمر منطقة ميناء "جبل علي" لديها، وثانيا لأن الإمارات تدعم مشروع الخط التجاري من ممباي في الهند إلى موانئها ثم للأردن وإسرائيل وأخيرا لأوروبا، ومن مصلحتها ألا تقوم لقناة السويس قائمة.



من جانبه، وصف الصحفي جمال سلطان، الاتفاق بأنه "جنون وسفه وإهدار عمدي للمال العام لمصالح شخصية غير وطنية"، متسائلا: "ألم يكن من الشرف والأمانة والوطنية، أن تستثمر مصر نفسها، بسواعد وخبرات أبنائها التي تملأ الدنيا، بضعة مليارات من الـ250 مليار دولار التي اقترضها حكامها بسفاهة، ويوظفوها في هذه المنطقة الذهبية، ويكون العائد 100 بالمئة للمصريين".

وأكد بعض المتابعين أن حق انتفاع 50 سنة قابلة للتجديد، يقترب من الاحتلال، مشيرين إلى أن الاحتلال الإنجليزي ظل بمصر 74 عاما، وأنه نفس سيناريو الخديوى إسماعيل، معربين عن مخاوفهم من أن يتوغل مستثمرون إسرائيليون إلى هذه المشروعات تحت غطاء الاستثمار والبيزنس خاصة في ظل التطبيع الإماراتي مع تل أبيب.
التعليقات (0)

خبر عاجل