سياسة عربية

ما هي سياسة ماكرون بلبنان وهل مسلمو فرنسا عامل في تشكيلها؟ مستشار فرنسي يجيب

غيتا: دفع موقف ماكرون المُتعثر على الساحة الداخلية إلى ممارسة نفوذ في الشرق الأوسط- الأناضول
غيتا: دفع موقف ماكرون المُتعثر على الساحة الداخلية إلى ممارسة نفوذ في الشرق الأوسط- الأناضول
نشر موقع "ناشيونال إنترست" مقالا للمستشار الأمني المختص بأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أوليفييه غيتا، قال فيه إن عامين يُعادلان عُمرا كاملا في السياسة. ومع ذلك، بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن عام 2027 يقترب بسرعة قطار جامح، وهو يسعى إلى ترسيخ مكانته في التاريخ قبل أن يغادر السلطة نهائيا.

حتى لو مُنعت غريمته، اليمينية المتطرفة مارين لوبان، من الترشح لخلافته في عام 2027 بقرار قضائي حديث، فإن هامشَ ماكرون في الساحة الداخلية ضيق. ونتيجة لذلك، نقل كفاحه من أجل الحضور السياسي إلى الساحة الوحيدة المتبقية له - السياسة الخارجية.

اظهار أخبار متعلقة



وحتى في هذا المجال، خياراته محدودة. ففي مطلع عام 2025، واصلت فرنسا سحب قواتها، فيما يُمثّل توبيخا لاذعا من مستعمراتها السابقة في منطقة الساحل الأفريقي. وهذا لا يترك له سوى منطقة واحدة من مناطق النفوذ الاستعماري الفرنسي السابق ليسعى إليها لإثبات حضوره في الشرق الأوسط.

وكان كاتب المقال قد كتب سابقا لمنتدى الشرق الأوسط:
تغير النهج الفرنسي تجاه الشرق الأوسط بعد انتصار "إسرائيل" في حرب الأيام الستة عام 1967. بدأ الرئيس شارل ديغول بتبني سياسة مؤيدة للعرب بشكل قاطع، وهي سياسة لا تزال مستمرة حتى اليوم. أوضح ديغول قائلا: "للعرب عددهم، ومساحتهم، ووقتهم". كان ذلك حسابا مكيافيليا. سعى ديغول إلى ما اعتبره استراتيجية طويلة الأمد: التضحية بالعلاقات الطيبة مع "إسرائيل" من أجل كسب رضا العالم العربي الأكثر سكانا وثراء بالنفط. اتّبع ماكرون، كغيره من الرؤساء الفرنسيين منذ ديغول، هذه السياسة التي طبّقها مكتب "كي دورسيه" المستعرب (مقر وزارة الخارجية الفرنسية وكنايتها).

بدءا من لبنان، الذي تربطه بفرنسا علاقة خاصة منذ عام 1649، اتبع ماكرون السياسة الفرنسية التقليدية. على سبيل المثال، كان موقف فرنسا من حزب الله إشكاليا للغاية. بل قد يصفه البعض بأنه مصاب بانفصام الشخصية.

وعلى الرغم من تاريخ حزب الله "الإرهابي" في فرنسا، دعا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك حسن نصر الله، الأمين العام الراحل للحزب، لحضور القمة الفرنكوفونية في بيروت عام 2002.

وعندما التقيا، علق شيراك قائلا: "حزب الله عنصر مهم في المجتمع اللبناني".

ولم يكن من المستغرب، في أيار/  مايو 2004، أن السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة آنذاك، جان ديفيد ليفيت، أخبر كاتب هذا المقال أن حزب الله منظمة "اجتماعية" في الغالب، وأنه لا يوجد سبب لوضع الجماعة على القائمة السوداء للإرهاب في الاتحاد الأوروبي. وبناء على ذلك، امتنعت فرنسا عن القيام بذلك حتى عام 2013، ثم دعمت حينها المبادرة البريطانية المحدودة لوضع "الجناح العسكري" لحزب الله على القائمة.

واليوم، يواصل ماكرون التحدث إلى حزب الله كما يفعل مع أي طرف سياسي شرعي، ويريد أن يظل "وسيطا نزيها".

لهذا السبب ضغط على إدارة بايدن لضمان عمل فرنسا مع الولايات المتحدة لضمان التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار في لبنان الذي أعلنته الولايات المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

وبذلك، استخدم ماكرون تكتيك الإغراء والتبديل - أولا، بدا أن فرنسا تشير إلى أنها قد تعتقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إذا وطأت أقدامهما الأراضي الفرنسية بناء على اتهامات المحكمة الجنائية الدولية المتنازع عليها، ثم سحب التهديد، والذي كان ببساطة شكلا من أشكال الضغط لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بالسماح لفرنسا بالتوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار مع لبنان.

ومن غير المستغرب، فيما يتعلق بمسألة "إسرائيل"، أن يتبع ماكرون إلى حد كبير سياسة كي دورسيه لما بعد عام 1967.

ويبدو أن ماكرون يريد الاستمرار في السير على خطى أسلافه، ديغول وشيراك، في نظر الرأي العام العربي، باعتباره الزعيم الغربي الوحيد القادر على مواجهة الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل".

اظهار أخبار متعلقة



هناك عامل داخلي يُسهم في اختلال سياسة الحكومة الفرنسية تجاه الشرق الأوسط بشكل متزايد. فالعدد المتزايد من المسلمين في فرنسا، والذين يُمثلون بالفعل 10% من سكان فرنسا البالغ عددهم 68 مليون نسمة، يلعب دورا في حسابات ماكرون. وهذا أكثر وضوحا مما كان عليه الحال في العقدين الماضيين. فقد نما العنصر الإسلامي بين المسلمين الفرنسيين بسرعة، طاغيا على الأصوات الإسلامية الأكثر اعتدالا.

يسير ماكرون على الجمر لأنه يخشى أن تنفجر الضواحي كما حدث عام 2005 إذا دعم "إسرائيل" بأي شكل من الأشكال. ولم يكن من المُستغرب أن يُعلن ماكرون للتو أن فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية بحلول حزيران/ يونيو، وهي مبادرة سارعت حركة حماس إلى تأييدها.

دفع موقف ماكرون المُتعثر على الساحة السياسية الداخلية إلى محاولة ممارسة نفوذ في الشرق الأوسط. كما أنه يُريد تجنب انفجار مجتمعي كبير في الداخل. فهو لا يُريد أن يُلوث سجله المُتعثر أصلا بكارثة أخرى. إنها خاتمة مُحزنة لفرنسا التي كانت مجيدة في يوم من الأيام.

التعليقات (0)

خبر عاجل