ما زال التورط الإسرائيلي في
سوريا بحجة حماية الدروز، يثير كثيرا من علامات الاستفهام في أوساط
الاحتلال الإسرائيلي، رغم محاولة البعض التذرع بتحالفه معهم منذ عقود طويلة.
إيتان أوركيفي الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "
إسرائيل اليوم" العبرية، زعم أن قرار الاحتلال "بمساعدة الدروز في سوريا أيضا فرصةٌ لإصلاح بعض الأضرار التي ألحقها بنفسه في هذا الشهر تحديدًا، قبل 25 عامًا حين انسحب من الشريط الأمني في جنوب
لبنان، وإهماله المُخزي والإجرامي لحلفائه من جنود وضباط جيش لبنان الجنوبي المتعامل معه، حتى أن وصمة العار الأخلاقية التي لحقت به منذ ذلك الحين بات جزءً لا يتجزّأ من هذا الفشل الاستراتيجي".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم"، وترجمته "عربي21"، أن "الحديث لا يتناول بالضرورة أضرار الانسحاب الإقليمي، التي يُمكن مناقشة تكاليفها السياسية والأمنية، لأن الاحتلال لم يظفر بحدود هادئة مقابل هذا "الاستسلام"، بل إنه منح بفراره أعداءه في لبنان وغزة وإيران ميزةً معرفيةً هائلة، وخسر عمقًا استراتيجيًا تتجلى أهميته الحاسمة في وقت لاحق".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن الاحتلال "تحمّل أضرارًا كبيرة، ودفع أثمانًا باهظة، حين قرر بقيادة إيهود باراك ذلك الانسحاب، معتقداً أنه أفضل من استمرار تورط الجيش في "الوحل" اللبناني، ولعل أحداث الآونة الأخيرة، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، بات من الضروري إعادة التفاوض على هذا الإجماع بشأن الانسحاب من جنوب لبنان، تمامًا كما يُسمح الآن بالاعتراف علنًا بأن فك الارتباط عن
غزة في 2005 كان خطأً".
وأشار أن الاحتلال "بانسحاباته هذه أعلن صراحة عن تخلّيه الواضح، وبسبب ذلك فقد مُني بأضرار استراتيجية كان من الممكن تلافيه، من خلال تجنّبه الانسحاب من جنوب لبنان قبل 25 عامًا، لأنه في هذه الحالة تخلّى بصورة متعمّدة عن حلفائه، مما شكّل خيانة فظيعة للحلفاء الذين سُفكت دماؤهم في القتال، جنبًا إلى جنب، مع مقاتلي جيش الاحتلال، وفي ظل النشوة الإعلامية لصور آخر جندي يغادر جنوب لبنان بعد 18 عامًا، بدا صعبا تمييز من دفع، ومن سيظل يدفع الثمن الحقيقي".
وأوضح أن "حلفاء الاحتلال في لبنان كانوا رفاق سلاح تخلّى عنهم جيش والحكومة، وهذه المرة كان تخليًا واضحًا، ليس تخلّياً فقط، بل خيانة للحلفاء؛ أكثر من ذلك، بل كان ضررًا استراتيجيًا، وقد أظهر الاحتلال للقوى المعتدلة في الدول المجاورة أنه لا جدوى من التحالف معها والتعاون وبناء محور معها، والثقة بها، بعد عقود من تعاونهما الوثيق، لكن ببساطة انهار هذا التعاون، وانقطعت الاتصالات، وأغلقت الباب خلفها، وتتخلّى عنها حتى الموت، ولم يعد بالإمكان التكفير عن الجريمة الأخلاقية لهذا التخلّي".
وأكد أن الاحتلال "مطالب بإصلاح بعض الأضرار الاستراتيجية الناجمة عن إهمال حلفائه من خلال إثبات جدارته في التحدي الذي ينتظره لتقديم المساعدات للدروز في سوريا، والضغط السياسي، والإمدادات، والإنقاذ الإنساني، والغارات الجوية، إذا لزم الأمر".
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح أن الاحتلال "يعيش التاريخ مرتين، الأولى في لبنان حين تخلى عن حلفائه بالانسحاب منه، والثانية اليوم مع الدروز في سوريا، صحيح أنهم ليسوا بالضرورة حلفاء لنا، وهم موالون للأنظمة التي يعيشون في ظلها، أما أشقاؤهم في دولة الاحتلال، فهم يُظهرون ولاءً لا حدود له وغير مشروط لها ولجيشها، وبالتالي فنحن لسنا أمام مجرد التزام أخلاقي تجاه الدروز، بل عمل ذو أهمية استراتيجية".
وأشار إلى أن الاحتلال "مطالب بالتصرف كقوة إقليمية تمارس نفوذها خارج حدودها، والتوقف عن كونها "فيلّا في غابة"، لأن الظروف تراكمت ووصلت إلى حرب السيوف الحديدية، التي مثّلت انقلابا في العقيدة الاستراتيجية لدولة الاحتلال، وهو تحول يجهله الكثير من المعلقين لأهميته التاريخية، أو يتجاهلونه عمدًا، رغم أن هذه الحرب جعلت الاحتلال قوة نفوذ متعددة الأقاليم؛ فاعلة متعددة التسليح، تُشكّل البيئة الاستراتيجية، ولا تكتفي بـ"معرفة كيفية الاستجابة" للتغيرات التي تحدث فيها، ويجب ألا يتوقف هذا الزخم، وبالتأكيد ليس الآن".