منذ
سنوات كان لي صديق إمام عربي في أحد المساجد في بريطانيا؛ يؤمه مصلون معظمهم من
أصول
باكستانية، دعا الإمام لفلسطين أثناء دعاء القنوت في شهر رمضان المبارك، وبعد
الصلاة شهدت كيف عاتبه بعض المصلين أنه لم يدعُ لكشمير مثلما دعا لفلسطين، فخجل
الإمام ولم يفهم السبب. بعدها شرح له بعض الشباب من أصول باكستانية أن القضية
الكشميرية تمثل جرحا مفتوحا لدى الباكستانيين لا يقل في أهميته عن قضية فلسطين،
فكلاهما أراض مسلمة محتلة.
ينظر
الباكستانيون إلى كشمير ذات الأغلبية المسلمة كامتداد طبيعي لبلدهم وشعبهم الذي
استقل عن
الهند؛ هذا الاستقلال الذي يمثل لهم انتهاء لمرحلة الظلم التاريخية التي
عاناها المسلمون قبل عام 1947، وبالتالي عليهم مسئولية دينية وتاريخية في نصرة
إخوانهم الكشميريين الذين لم ينعموا بهذا الاستقلال بعد. ولهذا فهي قضية دينية
ووطنية وتاريخية قبل أن تكون قضية جغرافية أو عسكرية، وهذا ما يفسر لماذا تندلع
المواجهات الموسمية سياسية كانت أو عسكرية بين الهند وباكستان انطلاقا من كشمير.
لا يمكن فصل هذا الشحن العسكري عن ملف المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين الذي بدأ في مدينة جنيف السويسرية، فهل كان هذا التصعيد العسكرية رسالة صينية تحذيرية لواشنطن
الاهتمام
المتزايد بالموجهات العسكرية بين الهند وباكستان مؤخرا والتي نشبت بسبب كشمير جاء
على خلفية أنها أعنف مواجهات منذ نحو أربعين عاما، ما يعني أن البلدين النوويين
على شفير حرب إذا ما اندلعت بكامل قوتها ستأكل الأخضر واليابس في شبه القارة
الهندية، وعادة ما تنطلق الدبلوماسية المكوكية النشطة في مثل هذه الظروف في محاولة
لاحتواء الموقف. فما الذي حدث ولماذا وصلت الأمور لهذه المرحلة؟
كلمة
السر هنا هي
الصين. ربما لا يدرك كثيرون أن هناك حدودا بين كشمير والصين وأن الصين
تسيطر على نحو 17 في المئة من إقليم كشمير الذي تتقاسم
الأجزاء البقية منه الهند وباكستان ويطالب البلدان بحق السيطرة على كامل الإقليم.
فالصين ليست فقط جارا لكلا البلدين، بل طرفا ثالثا في صراع النفوذ على إقليم
كشمير. والحضور الصيني في العمليات العسكرية كان ممثلا في استخدام باكستان طائرات
جي-10 الصينية والتي استطاعت إسقاط طائرات مقاتلة أوروبية الصنع تابعة للهند، مما
يعني أن العمليات العسكرية الأخيرة كانت حقل تجارب عسكري بين القدرات الصينية
العسكرية والقدرات الغربية. ورغم عدم الاعتراف الهندي بإسقاط المقاتلات وأيضا عدم
الاعتراف الصيني العلني باستخدام طائرات من صنعها، إلا أن المعلومة الحاضرة هي أن
بيكين هي مورد رئيس للأسلحة لإسلام أباد، وهي حقيقة تؤكد هذا الأمر.
الصين كانت تستعرض قدراتها العسكرية، ليس هذا وحسب، بل هي رسالة إنذار لتايوان أيضا والتي ختم شي جين مقاله بتحذيرها من أن هذه المعارك بين القدرات العسكرية الصينية والغربية يجب أن تُشعرها بقلق عميق
أثناء
كتابة هذا المقال أعلنت الولايات المتحدة توصلها لوقف لإطلاق النار بين الهند
وباكستان ووافق عليه الطرفان، وهي خطوة متأخرة لكنها حدثت في النهاية. ولا يمكن
فصل هذا الشحن العسكري عن ملف المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين
الذي بدأ في مدينة جنيف السويسرية، فهل كان هذا التصعيد العسكرية رسالة صينية
تحذيرية لواشنطن مع بدء المفاوضات؟ ربما، لكن الأكيد أن النفوذ العسكري الصيني بدأ
يمتد في العالم لدوائر غير تقليدية، منها على سبيل المثال المناورات الجوية التي
جرت الشهر الماضي بين الجيشين الصيني والمصري لأول مرة، الأمر الذي أثار حفيظة
وتخوف إسرائيل.
رئيس التحرير السابق لصحيفة غلوبال نيوز الصينية الحكومية هوو شي جين؛
كتب مقالا في موقع أكاديمية الصين عنوانه "الاشتباك الجوي بين الهند وباكستان
كمحاكاة للتنافس العسكري بين الصين والولايات المتحدة"، الأمر الذي لا يدع
مجالا للشك بأن الصين كانت تستعرض قدراتها العسكرية، ليس هذا وحسب، بل هي رسالة إنذار
لتايوان أيضا والتي ختم شي جين مقاله بتحذيرها من أن هذه المعارك بين القدرات
العسكرية الصينية والغربية يجب أن تُشعرها بقلق عميق.
x.com/HanyBeshr