تستضيف الرياض غدًا
القمة
الخليجية-الأمريكية في توقيت لا يحتمل الرسائل الرمزية فقط، بل يتطلب إعادة تعريف
للمصالح والمواقع داخل التحالف التاريخي بين واشنطن والخليج. وبينما تحتل
ملفات
غزة، إيران، واليمن الصدارة، تحمل بعض الدول الخليجية الصغيرة ـ وتحديدًا الكويت،
عُمان، والبحرين ـ أجندات خاصة، تعكس مخاوف أمنية، وطموحات دبلوماسية، وأدوارًا
تبحث عن اعتراف ودعم وسط خريطة إقليمية تعيد رسم النفوذ والتوازنات.
الخليج بين محاور جديدة وخيبات قديمة
القمة الخليجية ـ الأمريكية تنعقد في لحظة
إقليمية شديدة التعقيد: حرب غزة تكشف هشاشة الرد العربي، إيران تعزز نفوذها في
المشرق، الاتفاق النووي يترنح، وسورية تدخل مرحلة جديدة بقيادات غير تقليدية. وسط
كل ذلك، لم تعد العلاقات مع واشنطن محكومة فقط بالنفط أو الأمن، بل باتت ترتبط
بالسؤال الأهم: من يحكم الإقليم؟ ومن يمثل الخليج؟
في هذا السياق، تحاول الدول الخليجية
الصغيرة أن تثبت حضورها كفاعلين مستقلين، لا مجرد توابع للمحاور الكبرى التي
تقودها الرياض وأبوظبي.
الكويت.. شراكة أمنية بدون اصطفاف
الكويت لا تزال ترى في الولايات المتحدة
الضامن الرئيسي لأمنها الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته ترفض الانخراط في تحالفات
إقصائية أو اتفاقات تطبيع مثيرة للجدل.
تطالب بدعم أمريكي يضمن لها الحياد
الإقليمي، خاصة في مواجهة الضغوط الإيرانية، والمشهد غير المستقر في العراق.
تسعى الكويت لتحديث منظومتها الدفاعية،
خصوصًا في ظل التهديدات الإقليمية، لكنها تؤكد على الاستقلالية السياسية في
خياراتها.
عُمان.. الوسيط الهادئ لا يريد خسارة الحياد
سلطنة عُمان تطالب واشنطن بعدم إفشال دورها
كوسيط إقليمي، خصوصًا في ملف إيران والحوثيين.
القمة تشكل فرصة لمسقط لتأكيد موقعها
"المتوازن" بعيدًا عن صراعات المحاور، وسط مخاوف من انزلاق المنطقة نحو
مواجهة إيرانية-خليجية.
كما تبحث عُمان عن دعم اقتصادي واستثماري
أمريكي يعزز خططها للإصلاح والتنمية بعيدًا عن التوترات الأمنية.
البحرين.. الأمن أولًا.. ثم التطبيع
البحرين ترى في العلاقة مع واشنطن مسألة أمن
داخلي بالدرجة الأولى، بالنظر إلى استضافتها للأسطول الخامس الأمريكي.
تطالب بدعم حازم في مواجهة ما تعتبره
"تدخلات إيرانية"، وتوسيع التعاون في الأمن السيبراني والمراقبة.
تسعى أيضًا إلى تعزيز مكاسبها من اتفاقات
إبراهام، عبر مشاريع أمريكية إسرائيلية مشتركة في التكنولوجيا والأمن والاقتصاد.
مستقبل الخليج في ظل التغييرات الكبرى
اللافت أن هذه الدول الثلاث تتحرك اليوم على
وقع فتور العلاقات المصرية ـ الأمريكية، وتعثر قيادة القاهرة للمحور العربي
التقليدي. في المقابل، تحاول الرياض وأبوظبي وقطر فرض توازنات جديدة، في حين تتشكل
في سورية نسخة غير متوقعة من "الإسلام السياسي المقبول" بقيادة الجولاني.
وسط هذا المشهد، تسعى الدول الخليجية الصغرى
للتأكيد على وجودها ومصالحها، ليس فقط في قاعات الاجتماعات، بل أيضًا في صياغة
خرائط التحالف الجديدة.
هل تنجح القمة في استيعاب هذه التباينات؟ أم
تؤسس لانقسام هادئ في تعريف التحالف مع واشنطن؟
سؤال ستبدأ ملامحه بالتشكل فور انتهاء
القمة، لكن الأكيد أن الخليج لم يعد كما كان.
اظهار أخبار متعلقة
وفي تصريحات خاصة لـ
"عربي21"، قال المعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه، إن الصفقات التي تعلن عنها دول الخليج، لا سيما
السعودية، مع الولايات المتحدة "ليست حقيقية"، وإنما تدخل في إطار محاولات استرضاء إدارة ترامب، وتضخيم الإنجازات الشكلية لدعم صورته لدى قاعدته الشعبية.
وأضاف الفقيه أن السعودية لم تدفع أكثر من 100 مليار دولار فعلياً خلال رئاسة ترامب الأولى، على عكس ما يروج له ترامب من أرقام فلكية، مشيراً إلى أن الواقع المالي والاقتصادي في المملكة يمر بمرحلة صعبة، لا سيما في ظل انخفاض الإيرادات غير النفطية، وضغط المشاريع الكبرى مثل نيوم.
واعتبر الفقيه أن حكام الخليج يتسابقون في إرضاء ترامب، خاصة أن الأخير يخاطب جمهوره الأمريكي من بوابة الاقتصاد، ويصور نفسه على أنه يعقد صفقات ضخمة، بينما الحقيقة أن الخليج هو الطرف المستنزف لا المستفيد.
وأوضح المعارض السعودي أن الدول الخليجية تختلف في دوافعها؛ فسلطنة عمان والبحرين لا تمتلكان موارد نفطية كافية، وتعتمدان بدرجة أكبر على الدعم الغربي، في حين أن الكويت وإن كانت أكثر استقراراً مالياً بسبب صندوقها السيادي الضخم، فإنها تشعر بامتنان طويل الأمد للغرب بسبب تدخلهم العسكري لتحريرها من صدام حسين.
وأشار الفقيه إلى أن ترامب يحاول تسويق علاقاته بالخليج على أنها أكثر أهمية لمصالح أمريكا من العلاقة مع إسرائيل، وهي نقطة بالغة الأهمية في حملته السياسية، لأنه يغازل من خلالها طبقة من الأمريكيين الذين يضعون الاعتبارات الاقتصادية فوق الاصطفافات الدينية أو الجيوسياسية التقليدية.
وختم قائلاً: "إذا حصلت تطورات إقليمية كبرى، أو هجوم جديد، فإن وجود ترامب أو من يمثل خطه السياسي في الحكم قد يدفع الخليج لمزيد من التنازلات، بحجة الحاجة إلى الحماية والضمانات، ولو على حساب السيادة أو الموارد"، وفق تعبيره.