صحافة دولية

إغناطيوس: هكذا يغير ترامب سياساته حسب الظروف

قال إغناطيوس إن ترامب قدّم نفسه على أنه "حلال مشاكل" لا كشرطي على العالم- واس
قال إغناطيوس إن ترامب قدّم نفسه على أنه "حلال مشاكل" لا كشرطي على العالم- واس
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالًا للكاتب ديفيد إغناطيوس، قال فيه إن الرئيس دونالد ترامب، في رحلته الخارجية الأولى منذ انتخابه إلى الشرق الأوسط، اقترح في كلمة له بالعاصمة السعودية الرياض وقف العداء المستحكم بين الولايات المتحدة وإيران منذ 46 عامًا.

وقال إن أمريكا ليس لديها "أعداء أبديون"، مشيرًا إلى أن هذا التصريح البسيط سيتردد صداه في الشرق الأوسط، وبخاصة في إسرائيل التي تتعامل مع إيران كعدو قاتل. إلا أن قلقها ربما خفّ عندما حذر ترامب إيران من أنها، إن لم تقبل اتفاقية نووية، فستواجه "أقصى وأضخم ضغط".

وكانت تعليقات ترامب في السعودية تتويجًا لأسابيع مهمة حَرّف فيها السياسات، ومنها سياساته، التي توصّل إلى أن تأثيرها على الواقع الدولي محدود.

وبدأ تراجع ترامب يوم الأحد عندما تنازل في حربه التجارية مع الصين، حيث خفّض التعرفات الجمركية من 145% إلى 30%، تمامًا كما فعل في رسومه الجمركية الأخرى التي أدّت إلى تراجع أسواق المال.

وكما علقت صحيفة "وول ستريت جورنال" بدقة: "بدأ الرئيس حربًا تجارية مع آدم سميث وخسر". ويرى إغناطيوس أن رؤيته لترامب لا تزال كما هي؛ فهو معطّل وباحث عن صفقات، وطموح لإنهاء النزاعات الدولية وتقوية الاقتصاد الأمريكي.

اظهار أخبار متعلقة



وربما يكون هادِمًا، كما فعل في الكثير من سياساته المحلية التي استهدفت الجامعات، ومكاتب المحاماة، والأبحاث في مجال الدواء، والوكالات الحكومية، وأي طرف ظهر اسمه على قائمة انتقام ترامب.

وعلى الصعيد الخارجي، يبدو أن الرئيس قد اكتشف القيود التي تفرضها الأسواق المالية عليه، ومقاومة الصين والشركاء التجاريين الكبار، ومخاطر تضييع المال في حرب نتائجها غير قاطعة، إلى جانب تداخل الاقتصاد العالمي واعتماده المتبادل.

ومع وصوله إلى السعودية يوم الثلاثاء، بدا ترامب كوزير أعظم أدخل يده في كل أزمة حول العالم، وبقدرة على تعديل مواقفه.

وفي الوقت الحالي، قدّم نفسه على أنه "حلال مشاكل"، لا كشرطي على العالم. فقد اكتشف مبكرًا، أكثر من أسلافه من الرؤساء الأمريكيين، محدودية القوة الأمريكية، وما يمثله الحلفاء العنيدون.

فكما ورد في تصريحه عن إيران، وأن الأولوية لـ"أمريكا أولًا"، فإن ذلك ينطبق على إسرائيل أيضًا.

وقد لخّص ترامب أسلوبه في الإدارة في كتابه "فن الصفقات" (1987) قائلًا: "أتعامل مع الأمور بتساهل شديد. لا أحمل حقيبة يد، وأحاول ألا أعقد اجتماعات كثيرة. أترك بابي مفتوحًا. لا يمكنك أن تكون مبدعًا أو رياديًا إذا كان لديك هيكل تنظيمي واسع. أفضل أن آتي إلى العمل كل يوم وأرى ما يحدث"، وهذا وصف جيد لأسلوبه المرتجل في السياسة الخارجية اليوم.

ومع ذلك، فلا حدود لشهية ترامب لعقد الصفقات، وليس فقط تريليون دولار كفدية يريدها من السعودية، بل حاولت إدارته التوسط في الأسابيع الماضية بين أوكرانيا وروسيا، ومع حماس والحوثيين في اليمن، والهند وباكستان، ورواندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب اللفتة لإيران يوم الثلاثاء.

وحققت استراتيجية ترامب الدبلوماسية في الشرق الأوسط بعض النتائج، فقد استطاع مبعوثه ستيف ويتكوف التفاوض مع حماس للإفراج عن الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر. وأعلن ترامب هذا الشهر عن هدنة مفاجئة مع الحوثيين في اليمن. وبعد وصوله إلى السعودية، أعلن عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ومقابلة الرئيس السوري أحمد الشرع.

ويرى إغناطيوس أن فكرة ترامب "لا أعداء أبديين" متجذّرة في التاريخ الأمريكي، وتعود إلى خطابه الأخير الذي دعا فيه إلى تجنّب "التحالفات المتشابكة"، وتُشبه سياسة "صفر مشاكل" التي تبنتها تركيا سابقًا ودول في المنطقة. ويرى الكاتب أن مواقف ترامب ونائبه جيه دي فانس تتداخل فيها النزعة الدولية التقدمية والانعزالية، وهي بادية أولًا في الحرب التجارية مع الصين. فلدى ترامب ما يشبه الهوس ببناء جدران عالية من التعرفات الجمركية.

وخطط بشكل غير واقعي لتمويل تخفيضاته الضريبية من عائدات هذه التعرفات. وكان التراجع منطقيًا وعمليًا، بالنظر إلى رد فعل الأسواق المالية العالمية، وحتى أعضاء الكونغرس الجمهوريين.

أما الحقيقة الثانية في التداخل بين الرئيس ونائبه، فهي تراجع ترامب عن موقفه من المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين كانوا يهاجمون سفن الشحن في البحر الأحمر. ففي 15 آذار/مارس، وبتصريحاته الطنّانة المعتادة، نشر ترامب تحذيرًا: "إلى جميع الإرهابيين الحوثيين، انتهى وقتكم. يجب أن تتوقف هجماتكم ابتداءً من اليوم. إن لم تتوقفوا، فسيهطل عليكم الجحيم".

لكن "الجحيم" لم يدم سوى شهر واحد. وقد حذّر فانس في اليوم السابق للهجوم الأول قائلًا: "أعتقد أننا نرتكب خطأ. هناك خطر حقيقي ألا يفهم الجمهور هذا الأمر أو لماذا هو ضروري"، وذلك وفقًا لمحادثة على تطبيق "سيغنال" نشرتها مجلة "ذي أتلانتك".

وأطلق ترامب الحملة، لكن، حسب صحيفة "نيويورك تايمز"، طالب بجردة نتائج بعد 30 يومًا، حيث اتضح أن القيادة المركزية الأمريكية أنفقت مليار دولار على الحملة، وأطلقت ذخائر باهظة الثمن على الحوثيين المختبئين في الكهوف.

ومن هنا، أعلن ترامب في 5 أيار/مايو النصر في حملة اليمن، حتى في وقت واصل فيه الحوثيون استهداف إسرائيل. وما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" هو أن ترامب توصّل إلى نتيجة مفادها أن الحرب في اليمن باهظة الثمن، وبدون نتيجة قاطعة، لتكون تورطًا أمريكيًا آخر في المنطقة.

وكان تدخل أمريكا في المواجهة بين الهند وباكستان صورة أخرى عن تغيّر المواقف الأمريكية. فقد كان فانس متشككًا من تورط أمريكا في المواجهة بين الجارتين العدوتين.

وقال فانس لشبكة "فوكس نيوز" يوم الخميس: "لن نتورط في حرب لا تعنينا أساسًا". لكن بنهاية الأسبوع، غيّر فانس وترامب مسارهما. فقد أخذت الحرب بين الهند وباكستان مسارًا تصاعديًا، وشنت الهند هجومًا بالقرب من مجمع نووي باكستاني، وعقدت باكستان مجلس حرب نووية. وتدخل فانس لدى الهند، التي زارها للتو مع زوجته وأطفاله. كما عمل وزير الخارجية ماركو روبيو مع كبار المسؤولين في باكستان. وكانت النتيجة وقف إطلاق نار بوساطة أمريكية.

وتساءل إغناطيوس: هل تجد صعوبة في متابعة "المؤامرة"؟ مجيبًا: تذكّر تعليق ترامب في أيلول/سبتمبر خلال الحملة الانتخابية: "أنا من يقوم بالنسج، هل تعرف ما هو النسج؟ سأتحدث عن ذلك، فهو تسعة أشياء مختلفة تقريبًا، تتكامل معًا بشكل رائع". وقد بدا ذلك حينها مجرد كلام فارغ، لكن السياسة الخارجية الأمريكية ظلّت عالقة ضمن مجموعة من المعايير الثابتة لعقود، وربما حان الوقت لإعادة النظر بها.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
التعليقات (0)