قال مدير مجمع
الشفاء الطبي، الدكتور محمد أبو سلمية، إن وضع المنظومة الصحية في قطاع
غزة كارثي، ويزداد سوءا وكارثية بعد استئناف العدوان الإسرائيلي وإغلاق المعابر.
وأكد أبو سلمية في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المعدات الطبية والأدوية والسماح للجرحى بالسفر خارج القطاع للعلاج، هو بمثابة حكم إعدام عليهم جميعا.
كما طالب العالم والدول العربية والإسلامية بالضغط على
الاحتلال الإسرائيلي لفتح المعابر والسماح للمرضى والجرحى بالخروج للعلاج خارج قطاع غزة، كذلك السماح بدخول الطواقم الطبية وما يلزم القطاع الصحي من معدات ومستهلكات طبية.
وأوضح أن الاحتلال يهدف من استهدافه للمستشفيات والكوادر الطبية دفع سكان القطاع لمغادرته والتشرد خارجه، فالمستشفيات هي الأمل الوحيد لهم للبقاء على قيد الحياة.
وتاليا نص الحوار كاملاً:
كيف هو حال القطاع الصحي في غزة في ظل القصف الشديد والمتواصل منذ عودة الحرب؟
الوضع الصحي في قطاع غزة يمر بأسوأ حالاته الآن في ظل غياب كل ما يلزم القطاع الصحي من مستلزمات طبية وأدوية وأجهزة التخدير وغرف العناية المركزة ومع عدم وجود أسرة كافية في المستشفيات والنقص الكبير في أجهزة الأشعة ومحطات الأكسجين.
أيضا منذ ما يقرب من 70 يوما أو أكثر لم يدخل إلى قطاع غزة ولا حبة دواء واحدة، كذلك يأتي الجرحى إلى المستشفيات ويموتون أمام أعيننا ولا نستطيع تقديم الخدمات الطبية لهم ليس لعجز الأطباء ولكن لعدم وجود الإمكانيات اللازمة، فحتى أبسط الأشياء غير متوفرة الآن في قطاع غزة.
اظهار أخبار متعلقة
فمثلا المعدات الجراحية اللازمة لتثبيت الكسور غير متوفرة ولذلك نستخدم الأخشاب عوضا عنها، بالتالي القطاع الصحي في قطاع غزة يمر الآن بوضع صعب جداً جداً في ظل غياب أدنى مقومات الحياة الصحية وانهيار كامل المنظومة الصحية هنا.
كذلك هناك أزمة وقود حاليا تعصف بالقطاع الصحي لعدم إدخال الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية للمستشفيات، وهذا يؤثر على تشغيل محطات الأكسجين وغرف العمليات وأقسام العناية المركزة وغسيل الكلى وحضانات الأطفال الخُدج، لذا زادت نسبة الوفيات في قطاع غزة بشكل كبير بسبب ما ذكرته من نقص في المعدات والمستلزمات الطبية.
كيف يؤثر نقص الكوادر الطبية والمعدات والمستلزمات الطبية على إنقاذ حياة الجرحى والمرضى؟
للأسف نضطر لأن نقوم بالمفاضلة بين الجرحى لإنقاذ أكبر عدد ممكن منهم، ولكننا نخسر الكثير من الجرحى ولا نستطيع تقديم الرعاية الطبية لهم لأن الاحتلال دمر كل مستشفياتنا في قطاع غزة.
فالاحتلال منذ بداية العدوان شن حربا بلا هوادة على المستشفيات، حيث دمر مستشفيات - الرنتيسي، والنصر للأطفال، والعيون، والصحة النفسية، ومجمع الشفاء الطبي وهو الأكبر في قطاع غزة -، كذلك دمر مستشفيات أبو يوسف النجار، وبيت حانون، والهلال الإماراتي.
والاحتلال لم يكتف بتدمير جميع المستشفيات تقريبا في قطاع غزة، بل أيضا قتل الكثير من الكوادر الطبية وقتل أطباء يُعتبرون من مفاصل العمل الطبي، مثلا الدكتور رأفت لُبد مدير قسم الباطني في مجمع الشفاء.
كذلك قتل الاحتلال الدكتور همام اللوح والذي كان بمثابة العمود الفقري لمشروع زراعة الكلى في قطاع غزة، كما قتل الدكتور محمد دبور والدكتور حسام حمادة الذي يُعد من أهم استشاريي علم الأنسجة.
أيضا قتل الاحتلال الدكتور عمر فروانة، وتعمد قتل الكثير من الأطباء، حتى يحرم أهلنا في قطاع غزة من المنظومة الصحية، والتي هي أصلا خرجت عن الخدمة تماماً بعد استشهاد هؤلاء الكوادر الطبية.
كما اعتقل الاحتلال عددا كبيرا من الكوادر الطبية وما زال أكثر من 300 شخص منهم موجودين داخل السجون الإسرائيلية، منهم الطبيبان حسام أبو صفية، ومحمد أبو عبيد الذي يُعد من الركائز الأساسية في عمليات الكسور.
ومن الأطباء الذين لا زالوا في الأسر الدكتور غسان أبو زُهري وهو من أهم وأفضل الكوادر الطبية في قطاع غزة فهو رئيس قسم العظام في مستشفى ناصر الذي كان يعمل على عمليات زراعة المفاصل، كذلك لا زال الاحتلال يعتقل الدكتور أكرم أبو عودة رئيس قسم العظام في المستشفى الإندونيسي.
لقد قتل الاحتلال الكثير من ركائز العمل الطبي، حيث قتل أكثر من 1400 كادر طبي، منهم الدكتور عدنان البُرش والدكتور إياد الرنتيسي اللذان قتلهما الاحتلال داخل المُعتقلات الإسرائيلية في تحدِ صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
تعمد الاحتلال اعتقال وقتل رموز وكوادر القطاع الطبي في غزة.. من بينهم أنت دكتور .. لماذا يلاحق الاحتلال القطاع الطبي رغم أنه جهة مدنية تقدم خدمة إنسانية تحت غطاء القوانين الدولية؟
تعمد الاحتلال إخراج المنظومة الصحية عن الخدمة في قطاع غزة وخصوصا في مدينة غزة وشمال القطاع بشكل كامل تماما، حيث كان لدينا هناك حوالي 2000 سرير في المستشفيات، الآن يوجد فقط حوالي 300 سرير.
أما بالنسبة لغرف العمليات والعناية المركزة، فقد كان لدينا حوالي 50 سريرا بينما الآن يوجد 10 أسرة فقط، أيضا كان يوجد أكثر من 100 جهاز لغسيل الكلى الآن يتوفر 30 جهازا فقط، كما كان هناك 100 من حضانات الأطفال لكن الآن لا يوجد في كل مدينة غزة وشمال قطاع غزة سوى 30 حضانة فقط.
وبالتالي هناك خطر حقيقي على هؤلاء المرضى من - الأطفال الخُدج ومرضى غسيل الكلى والمرضى المحتاجين لعمليات جراحية وغرف عناية مركزة -، والاحتلال عندما أراد تدمير المنظومة الصحية كان هدفه إخراج الناس وتشريدهم من شمال القطاع إلى جنوبه.
وذلك لأن المستشفيات هي عامل رئيسي لدعم المواطن
الفلسطيني والأمل الذي كان يرتكز عليه، وكان هناك هجمة ممنهجة من الاحتلال، والكل كان يشاهد الهجمة الكبيرة على مجمع الشفاء الطبي.
أيضا الكل شاهد كيف ضخم الإعلام الإسرائيلي مجمع الشفاء وكأنه مجمع يرعى الإرهاب كما يقولون، وثبت بالدليل القاطع عندما خرجنا من السجن بدون أي محاكمة أنه كان فقط يخدم المرضى والجرحى.
وبالتالي كان تدمير المستشفيات عنوانا من عناوين هذه الحرب، في تحدِ صارخ للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني، وهذا ليس بشهادتنا نحن بل بشهادة كل المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزه مثل منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي والأونروا، حيث كلها تحدثت عن أن هناك تدميرا ممنهجا للمنظومة الصحية في قطاع غزة.
ما نسبة تواجد المنظمات الطبية الدولية في قطاع غزة حاليا مثل منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود؟ وهل لديكم تواصل معها؟
طبعا نحن على تواصل تام مع جميع المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة - منظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي والأونروا – ولدينا تواصل يومي معهم.
ولكن الاحتلال أيضا يمنع هذه المنظمات من إدخال المواد اللازمة لعملهم، وتحدثت منظمة الصحة العالمية عن أن هناك مئات من الأطنان من الأدوية والمستلزمات الطبية موجودة على المعابر ولا يسمح الاحتلال بدخولها.
كذلك الأمر بالنسبة لأطباء بلا حدود والصليب الأحمر الدولي والأونروا، هم أيضا تحدثوا إلينا بأن هناك مستشفيات ميدانية والكثير من المعدات الطبية والأدوية ما زالت على المعابر ولكن الاحتلال لا يسمح بدخولها.
أيضا في تحدِ آخر يمنع الاحتلال دخول الطواقم الطبية التي يتم التنسيق لها عبر منظمة الصحة العالمية سواء القادمة من أوروبا أو أمريكا أو من الدول العربية، والذين كانوا يأتون إلى قطاع غزة لمساعدة الأطباء في علاج الجرحى.
لكن منذ استئناف الحرب على قطاع غزة يمنع الاحتلال هذه الوفود من الدخول إلى القطاع، ويحدث هذا في ظل النقص الكبير في الكوادر الطبية، والتي كانت طوال 18 شهراً تعمل دون كلل أو ملل رغم أن لديهم الكثير من المشاكل وهموم هذا البلد كما بقية أبناء شعبنا.
فالطواقم الطبية الآن تقريبا استهلكت واستنفدت كل قواها لكنها ما زالت تعمل ولا زالت باقية مع أهلنا وشعبنا تقوم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجرحى، ومنهم من كان يستقبل وهو على رأس عمله أحد أفراد أسرته أو كلها شهداء، وبالتأكيد هذا يؤثر على نفسيتهم، ولكن مع ذلك طواقمنا الطبية ما زالت تُقدم كل ما لديها حتى تُنقذ حياة أهلنا في قطاع غزة.
كم عدد الجرحى والمرضى الذين هم بحاجة للعلاج خارج غزة؟
لدينا أكثر من 14 ألف مريض وجريح بحاجة إلى العلاج بالخارج، منهم جرحى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومرضى – السرطان، والقلب، والفشل الكلوي، ومرضى الدم، والأعصاب – كلهم بحاجة إلى إخلاء طبي عاجل حتى نتمكن من علاجهم خارج القطاع بسبب عدم وجود أي إمكانيات لعلاجهم هنا.
ولكن للأسف المعابر مغلقة وبالتالي لم يخرج منهم أحد، ويوميا يستشهد العشرات من هؤلاء المرضى وهم ينتظرون العلاج اللازم والدواء، خاصة مرضى السرطان الذين لا يتوفر لهم العلاج الكيمياوي في قطاع غزة.
كذلك الجرحى الذين يحتاجون لعمليات متقدمة في جراحة المخ والأعصاب وجراحة الأوعية الدموية وترميم العظام، هؤلاء كلهم يعانون الآن، فمنهم من يستشهد ومنهم من يلتهب جروحه ومن أصبح عاجزاً غير قادر على التحرك، ومنهم أيضا من أصيب بالشلل نتيجة لعدم القدرة على إخراجهم خارج القطاع لتلقي الرعاية الطبية.
وبشكل عام المنظومة الصحية تعيش الآن أياما صعبة جداً جداُ، فبالإضافة للمرضى والجرحى هناك أيضا الأطفال الراقدون على أسرة مجمع الشفاء والذين يعانون من سوء التغذية، ونحن نقدم لهم المحاليل اللازمة لهم في ظل عدم وجود التغذية اللازمة لهم.
اظهار أخبار متعلقة
وهذه المشاهد التي نراها من سوء تغذية عند الأطفال الذين أصبحوا عبارة عن جلد على عظم لم نرها ولم نعهدها في قطاع غزة منذ سنوات كثيرة، يعني أنا على مدار 25 سنة من العمل في القطاع الصحي لم أر هذه المشاهد من سوء التغذية عند الأطفال وحتى كبار السن أيضا.
ولا يقتصر سوء التغذية على الأطفال بل أيضا النساء الحوامل يعانين مثلهم، فلدينا 50 ألف امرأة حامل يعانين من سوء التغذية، بل حتى الأجنة الذين يولدون الآن يكون لديهم بعض التشوهات الخلقية أو يولدون قبل موعدهم وهذا يدل على أن الاحتلال يستخدم أسلحة مُحرمة دوليا لم نعهدها من قبل.
ومن التشوهات التي نراها عند المواليد حديثا والتي أصبح حجمها كبيرا، مثلا عدم وجود الرأس وهناك من يُولد ليس له أطراف ومن لديه مشاكل في القلب أو البطن، بالتالي نحن أمام كارثة صحية حقيقية.
أخيرا، ما المخاوف لديكم حال استمر الحصار وإغلاق المعابر؟ وماذا تقول للعالم أجمع؟
إذا لم يُدخل الاحتلال خلال أيام قليلة المستهلكات الطبية والأدوية والوقود سنكون أمام حالة كارثية بالفعل، نحن الآن أصلا في حالة كارثية ولكنها ستزداد كارثية وسوءا وسيكون هناك أعداد من المرضى والجرحى يموتون أمام أعيننا ولا نستطيع تقديم الرعاية الطبية لهم.
نحن الآن في وضع مأساوي لم نعهده من قبل على مدار هذه الحرب المجنونة حرب الإبادة على قطاع غزة، فبالتالي الآن مرضانا وجرحانا هم على المحك وهم يموتون يومياً ولا نستطيع تقديم ما يلزم لهم.
وفي حال لم يدخل الوقود ستتوقف المستشفيات وستكون عبارة عن مقابر جماعية، لأنها لا يمكن أن تعمل بدون كهرباء، - العناية المركزة وغسيل الكلى والحضانات وغرف العمليات الجراحية وأجهزة الأشعة، والمختبر وبنك الدم - كل هذه الأقسام لا يمكن أن تعمل بدون كهرباء، وبالتالي سنكون أمام حالة كارثية تماماً وسيكون لدينا أرقام غير مسبوقة من الشهداء والجرحى.
لذا نُطالب العالم الحر ودولنا العربية والإسلامية إن بقي في هذا العالم من الأحرار أن يضغطوا على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال المستهلكات الطبية والأدوية إلى قطاع غزة، كذلك إدخال المستشفيات الميدانية والطواقم الطبية في أسرع وقت ممكن، والأهم من هذا كله وقف هذه المقتلة والمجزرة التي امتدت وطالت على أبناء شعبنا.