قضايا وآراء

السيسي وبينوشيه.. تشابهت البدايات فهل تتشابه النهايات؟

قطب العربي
"بمقارنة الانقلابين التشيلي والمصري، يتضح أن الجنرالين اللذين قاما بهما عيّنهما الرئيسان المدنيان في موقعيهما"
"بمقارنة الانقلابين التشيلي والمصري، يتضح أن الجنرالين اللذين قاما بهما عيّنهما الرئيسان المدنيان في موقعيهما"
مع مرور الذكرى الثانية عشر للانقلاب العسكري في مصر في الثالث من تموز/ يوليو 2013 تتداعى إلى الذاكرة تجارب انقلابية أخرى، وماذا فعلت بشعوبها، وكيف واجهتها تلك الشعوب وقواها الحية، وكيف تخلصت منها، وطوت صفحتها، وكيف أرست حكما مدنيا ديمقراطيا تنافسيا.

لعل الانقلاب الأكثر شبها بانقلاب السيسي هو انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه، قائد الجيش التشيلي، على الرئيس المدني المنتخب حديثا سلفادور ألندي في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 1973، فالرئيس اليساري ألندي الذي تولى الحكم أواخر العام 1970 بعد انتخابات ديمقراطية لم يكد يمضي عامه الثاني في السلطة حتى تحركت ضده القوى اليمينية، وتحركت كبرى النقابات العمالية وخاصة نقابة النقل البري التي نظمت إضرابا شل البلاد، وتحركت الأغلبية اليمينية في البرلمان ضده أيضا، وطالبت الجيش بالتدخل!! وفي مواجهة هذا الاستقطاب الحاد بادر الرئيس بتعيين بينوشيه قائدا للجيش ليساعده في تهدئة الأزمات، لكن الجنرال الطموح وجدها فرصة للانقلاب على رئيسه، ومحاصرة قصره الجمهوري، ودكه بالمدافع، ولم يستسلم الرئيس الذي ظل مدافعا عن نفسه من داخل القصر حتى سقط قتيلا.

لعل الانقلاب الأكثر شبها بانقلاب السيسي هو انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه، قائد الجيش التشيلي، على الرئيس المدني المنتخب حديثا سلفادور ألندي في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 1973، فالرئيس اليساري ألندي الذي تولى الحكم أواخر العام 1970 بعد انتخابات ديمقراطية لم يكد يمضي عامه الثاني في السلطة حتى تحركت ضده القوى اليمينية، وتحركت كبرى النقابات العمالية

وكعادة أي قائد للانقلاب، فقد فرض بينوشيه الأحكام العرفية، وألغى الدستور، وحظر الأحزاب اليسارية، وقتل 3 آلاف مواطن في الاحتجاجات المناهضة له، كما اعتقل وعذب آلافا، وسمع العالم ربما للمرة الأولى عن ظاهرة الاختفاء القسري التي شملت الآلاف مع هروب الآلاف إلى الخارج. وبشكل عام، تمكن بينوشيه من قمع المعارضة وإسكاتها لمدة عشر سنوات قبل أن تبدأ مواجهتها له منذ العام 1983، لكنها ظلت منقسمة بين اليمين واليسار، وهو ما أظهر ضعفها في مواجهة حكم الجنرال.

بلغ القمع مدى غير مسبوق منتصف الثمانينات مع إعدام الشرطة العسكرية لرموز معارضة كبرى، وتنفيذ سياسات رأسمالية متوحشة ألهبت ظهور التشيليين، وهو ما فجر موجات غضب شعبي وعمالي، وفي العام 1986 أقدمت جبهة مانويل رودريغز الوطنية المعارضة (الجناح العسكري للحزب الشيوعي) على محاولة فاشلة لاغتيال بينوشيه، وهو ما ضاعف القمع ضد المعارضة.

سعى بينوشيه لتعديل الدستور ليتمكن من الحكم مدى الحياة لكن البرلمان رفض ذلك، ونظم استفتاء على استمراره لفترة جديدة لم يكن الدستور يسمح بها، لكن المحكمة العليا ألغت نتيجة ذلك الاستفتاء لمخالفته للدستور، في الأثناء كانت المعارضة قد صعدت احتجاجاتها، وتوافقت مع الجنرال على تسوية سياسية يتم بمقتضاها تنظيم استفتاء جديد على بقائه، وفي حال رفض الشعب له يتم الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة لا يشارك فيها، مع احتفاظه بعضوية مجلس الشيوخ، وهو ما يوفر له حصانة برلمانية من المساءلة القضائية عن الجرائم التي ارتكبها.

بعد فترة من الانقسام والتنازع تمكنت المعارضة اليمينية (التي كانت تتمتع بحضور قانوني) واليسارية (التي كانت محظورة) من توحيد جهودها، ودعت الشعب للتصويت ضد استمرار بينوشيه في الاستفتاء الذي جرى 1988، وبالفعل صوت 55 في المئة من الشعب ضده، وقد حاول التملص من نتيجة الاستفتاء إلا أن ظهور قيادات عسكرية كبرى داعمة لنتيجة الاستفتاء أجبر بينوشيه على الرضوخ للنتيجة، خاصة مع تحول سياسة الولايات المتحدة ضده، وتحريض بابا الفاتيكان على الثورة ضده أيضا، واضطر بينوشيه لإجراء انتخابات برلمانية في العام التالي (1989) التزاما بحكم للمحكمة العليا، ثم إجراء انتخابات رئاسية في العام 1990؛ ترك بعدها الرئاسة مع احتفاظه بقيادة الجيش وعضوية مجلس الشيوخ.

منذ انقلابه في العام 1973 هيمن بينوشيه على كل مفاصل القوة العسكرية والأمنية، ووسع قمعه للمعارضة بما فيها تلك التي وقفت ضد الرئيس المدني (سلفادور أللندي) وطالبت الجيش بالتدخل ضده، وأصدر دستورا جديدا في العام 1980، سعى لإطالة مدده الرئاسية، واستغل فوبيا الولايات المتحدة والغرب عموما من المد الاشتراكي في أمريكا الجنوبية، فاعتبر نفسه جزءا من هذه المعركة، وسخّر إمكانيات الدولة لمواجهة اليسار في تشيلي، وإخماد صوته، ليحظى بالرضا الأمريكي الغربي، لكن عاملين أحدهما محلي والآخر عالمي أسهما في وضع نهاية لحكمه.

النقطة الجديرة بالاهتمام في تلك التجربة هي توفير خروج آمن للجنرال الذي كان يمسك بتلابيب السلطة، وكان من الممكن أن يلجأ إلى المزيد من العنف، وإراقة الدماء للحفاظ على كرسيه، حتى لا ينتقل إلى ساحات المحاكم وأقبية السجون

أما العامل المحلي فهو اتحاد قوى المعارضة (الأحزاب اليمينية والمسيحية واليسارية)، مع تصاعد تحركات النقابات المهنية والعمالية وانحياز الكنيسة الكاثولويكية لدعوات التغيير، وقد أسهم هذا التطور الداخلي في إجبار بينوشيه على خوض استفتاء حول بقائه في السلطة وجاءت نتيجة الاستفتاء ضده. وأما العامل الخارجي فهو بداية تراجع الخطر الشيوعي، وهو ما دفع الولايات المتحدة لخفض دعمها للجنرال، يضاف إلى ذلك موقف بابا الفاتيكان القوي في مواجهة الديكتاتورية العسكرية في تشيلي.

النقطة الجديرة بالاهتمام في تلك التجربة هي توفير خروج آمن للجنرال الذي كان يمسك بتلابيب السلطة، وكان من الممكن أن يلجأ إلى المزيد من العنف، وإراقة الدماء للحفاظ على كرسيه، حتى لا ينتقل إلى ساحات المحاكم وأقبية السجون. كان الخروج الآمن في استمرار قيادته للجيش التي لم تستمر كثيرا، وأيضا في عضوية مجلس الشيوخ التي منحته حصانة برلمانية من أي محاكمة، ورغم أنها وفرت له تلك الحماية بالفعل داخل تشيلي لكنها لم توفرها له خارج الوطن، حيث تم اعتقاله في لندن التي سافر إليها للعلاج في العام 2002، واستمر معتقلا لمدة عام قبل إطلاق سراحه لأسباب صحية، وبعد أن عاد إلى بلاده ألغت المحكمة العليا عضويته في مجلس الشيوخ لأسباب مَرضية. وفي العام 2004 رأت المحكمة أن صحته وقواه العقلية تسمحان له بالحضور للمحكمة، وبدأت محاكمته في كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام بتهم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وخلال المحاكمة تم وضعه رهن الإقامة الجبرية، وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام 2006 لفظ أنفاسه الأخيرة في إحدى المستشفيات العسكرية.

بمقارنة الانقلابين التشيلي والمصري، يتضح أن الجنرالين اللذين قاما بهما عيّنهما الرئيسان المدنيان في موقعيهما، وأنهما تعاملا بكل خسة ونذالة مع رئيسيهما وقتلاهما (الأول في القصر والثاني في قفص المحكمة)، كما أن كلاهما تلاعب بالدستور للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة. وعلى صعيد القوى السياسية فقد حظر الأول قوة المعارضة الرئيسة وهي الأحزاب اليسارية، بينما حظر الثاني القوة الرئيسية المناهضة له وهي جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها، وبينما وقفت الكنيسة محايدة في بداية الانقلاب لتنتقل إلى المعارضة لاحقا في تشيلي، فإن الكنيسة المصرية وقفت من البداية وحتى الآن مع الانقلاب. والسؤال: هل تتشابه نهاية السيسي مع بينوشيه كما تشابهت بدايتهما؟

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)