ليست
المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي بدت فيها مخرجات
القمة العربية أقل من طموح
الشارع العربي، كما مستوى التمثيل أيضا، بغياب كثير من القادة، فقد اعتاد المواطن
العربي ذلك لأسباب عديدة، إلا أن ما ليس مألوفا ولا مقبولا، هو أن يخرج علينا
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية قائلا إن "بعض الاتجاهات الشعبوية
غير عقلانية، وقد تذهب بالأوضاع إلى منزلقات، وأن مخرجات القمة عقلانية، وإن لم
تلب طموح الشارع العربي"، وأن "الظروف لم تكن مواتية لمناقشة تفعيل
اتفاقية الدفاع العربي المشترك"، وأن "القمة لم تكن بصدد إجراءات عملية،
بل موقف سياسي جامع".
نحن أمام
تصريحات أقل ما توصف به أنها عدائية مع المواطن العربي، الذي لم يكن أبدا شعبويا
غير عقلاني، بل على العكس تماما، هي نخوة شعبية عربية طبيعية، جراء إهانات
واعتداءات يومية من عدو تاريخي، بلا خطوط حمراء، في غياب موقف عربي موحد، لم يحرك
ساكنا حتى في مواجهة إبادة جماعية لشعب شقيق، مما كان سببا في تمادي ذلك العدو
بالاعتداء على عاصمة تلو الأخرى، ولم يقتصر على دول المواجهة فقط، بل على بعد آلاف
الكيلومترات، وهو ما يطرح العديد من الملاحظات كالتالي:
منذ إنشائها عام 1945، لم يكن لجامعة الدول العربية دور يذكر في أي من القضايا والأزمات المطروحة على الساحة، وكان التبرير دائما بأنها انعكاس لحالة العواصم ككل، بما يشير إلى أن الأمين العام منزوع الصلاحيات، كما الأمين العام المساعد منزوع اللياقة، كما كل الأسماء والصفات التي لا جدوى من وجودها
أولا: أن
تلك المنظمات الإقليمية، وفي مقدمتها
الجامعة العربية بالطبع، يجب أن تكون في
نهاية الأمر تعبيرا عن المواطن، وإلا فلا جدوى من وجودها، أما وقد اعتاد العاملون
في هذه المنظمات التربح من وجودهم فيها بحكم الرواتب السخية، دون عمل في المقابل،
فإن ذلك لا يمنحهم الحق في سب وقذف المواطن العربي واتهامه بالشعبوية القائمة على
الشحن، أو بالجنون وعدم التعقل.
ثانيا:
منذ إنشائها عام 1945، لم يكن لجامعة الدول العربية دور يذكر في أي من القضايا
والأزمات المطروحة على الساحة، وكان التبرير دائما بأنها انعكاس لحالة العواصم
ككل، بما يشير إلى أن الأمين العام منزوع الصلاحيات، كما الأمين العام المساعد
منزوع اللياقة، كما كل الأسماء والصفات التي لا جدوى من وجودها.
ثالثا:
إذا كان أمر القرارات والتوصيات يتعلق بإرادة الدول الأعضاء، إلى الحد الذي يلغي
دور أمانة الجامعة ومسؤوليها، كما هو واضح، فلا مبرر إذن لتصريحات وظيفية، من
النوع الرديء الذي يضر بالمنظومة ككل، ليس ذلك فقط، بل ينكأ الجراح، ويفتح ملفات
الإنجاز من عدمه، ووجود الجامعة من عدمه، والنتيجة لن تكون أبدا في صالح المنبطحين.
رابعا:
بالتأكيد لم يؤخذ رأي الجامعة، كأمانة عامة، في تفعيل أو عدم تفعيل اتفاقية الدفاع
العربي، أو اتخاذ إجراءات عملية في هذا الشأن، بالتالي لا يوجد مسوغ أمام أحد
موظفي الجامعة للتحدث نيابة عن القادة، بهذا الشكل المنفلت، مع اعترافه بأن مخرجات
القمة لم تلب طموح الشارع، وهو ما ينسف كل حديثه عن الشعبوية وغياب العقلانية.
خامسا:
أعتقد أن مسؤولي الجامعة العربية خلال الأزمات -وما أكثرها- يجب أن يقتصر حديثهم
على دور الجامعة، وليس دور المواطن، وأن تتناول مؤتمراتهم الصحفية -وما أكثرها
أيضا- رؤية الجامعة في التعامل مع الأزمات، والتواصل مع العالم الخارجي في هذا
الشأن، وليس التعليق على مشاعر الشارع العربي، الذي لم يعد يملك مجرد التعبير عنها
إلا في حدود ضيقة جدا، مقارنة بغيره في أنحاء العالم، حتى فيما يتعلق بقضاياه
المصيرية.
على منظمات المجتمع المدني في مختلف الدول الأعضاء، البحث عن كيان عربي جديد، يمثل الشعوب في المحافل الدولية، ويعمل على تلبية طموحاتها التي قد لا تتجاوز الحفاظ على الكرامة الوطنية، بعد أن تبعثرت بين عواصم العجم
الغريب في
الأمر هو أن المواطن العربي كلما تجاهل أن هناك كيانا يسمى الجامعة العربية، لعدم
جدواها من وجهة نظره، تأتي إحدى الممارسات المستفزة من أحد مسؤوليها لتذكره بذلك
الكيان الهلامي، الذي لا يعقل استمراره بهذا الأداء العبثي، على الرغم مما تنوء به
المنطقة العربية عموما من عواصف سياسية، تتصدرها هذه
الاعتداءات الصهيونية التي
طالت العديد من الأقطار، دون أي رد فعل يتناسب مع حجم الجرم، وهو ما جعل العدو
يتمادى في ارتكاب جرائمه، ليقينه بالإفلات من العقاب، وهو ما أثار حفيظة المواطن
بالانتقاد أحيانا، والامتعاض أحيانا أخرى، على أمل تصحيح الأوضاع يوما ما.
ما أشار
إليه السفير مساعد الأمين العام، من العقلانية الرسمية في مواجهة اللا عقلانية
الشعبوية، يجب أن يضاف إلى السجل السلبي الحافل للجامعة العربية، باعتبارها كيانا
لا يمثل
الشعوب العربية على أي صعيد، ولا يمثل رغبة الشعوب أو توجهاتها، بالتالي
كان مسماها جامعة الدول، وليست جامعة الشعوب، وهو ما يجب أن يعيه المواطن من
المحيط إلى الخليج، بما يفرض على منظمات المجتمع المدني في مختلف الدول الأعضاء،
البحث عن كيان عربي جديد، يمثل الشعوب في المحافل الدولية، ويعمل على تلبية
طموحاتها التي قد لا تتجاوز الحفاظ على الكرامة الوطنية، بعد أن تبعثرت بين عواصم
العجم.
قد يكون
الأمين العام للجامعة وأمينه المساعد مطالبان من الآن فصاعدا بتوضيح حجم إنجازات
الموقف الرسمي (العقلاني)، بالتعاون مع الجامعة (العاقلة)، لما فيه مصلحة الشعوب
(غير العقلانية)، على مدى سبعة عقود، نشأ خلالها الكيان الصهيوني على أرض عربية،
ثم محتلا لمزيد من الأراضي في عدد من الدول، وأقيمت خلالها 19 قاعدة عسكرية أجنبية
في دول أخرى، ونشبت خلالها أيضا العديد من الحروب بين بلدان المنطقة، والحصار على
أخرى، كما العديد من النزاعات الحدودية، والمشاكل العرقية والطائفية، ثم ها هي
المنظومة العربية جميعها مهددة بمزيد من التفتت والتشرذم.. ولله الأمر من قبل ومن
بعد.