سياسة عربية

ما السيناريوهات المتوقعة للتعامل مع ملف تجنيس المقاتلين الأجانب في سوريا؟

الصين إحدى الدول المتخوفة من المقاتلين الأجانب بسبب وجود أويغوريين بينهم- جيتي
الصين إحدى الدول المتخوفة من المقاتلين الأجانب بسبب وجود أويغوريين بينهم- جيتي
سلط مركز "الحوار السوري" الضوء ملف تجنيس المقاتلين والناشطين الأجانب وعائلاتهم في سوريا، مستعرضاً في ورقة بحثية وصلت "عربي21" سيناريوهات التعامل مع هذا الملف الشائك، الذي بدأ الحديث عنه بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أواخر العام الماضي.

وكانت "هيئة تحرير الشام" التي قادت معركة إسقاط النظام، بجانب فصائل أخرى، تضم عدداً كبيراً من المقاتلين من جنسيات أجنبية، منهم مصريون وسعوديون وباكستانيون وشيشان وأوروبيون وأمريكيون، وبعد سقوط النظام بدأت المطالبات بتجنيس هؤلاء، وخاصة أنهم شاركوا في الجهد القتالي.

اظهار أخبار متعلقة



بلال عبد الكريم، صحفي أمريكي مقيم في سوريا، طالب في آب الماضي وزارة الداخلية السورية بمنح المقاتلين الأجانب الجنسية السورية، مشيراً إلى أن غالبيتهم تفتقر وثائق سفر سارية بعد أن جردتهم دولهم الأصلية من جنسياتهم، ويخشون التعرض للسجن أو حتى الإعدام إذا عادوا إلى بلدانهم.

الموقف الدولي

ويحظى، بحسب المركز، ملف المقاتلين الأجانب وعائلاتهم في سوريا باهتمام وتحفظ كبير من قبل الفاعلين الدوليين والإقليميين، فالولايات المتحدة الأمريكية انتقل موقفها من الرفض المبدئي بعيد إسقاط النظام إلى القبول المشروط.

أما فرنسا وبريطانيا، تنظران إلى ملف المقاتلين الأجانب في سوريا من زاوية "مكافحة الإرهاب وحماية الأمن الداخلي"، في المقابل، تعترض الصين بشدة على دمج أو تجنيس المقاتلين الأجانب، وذلك لهواجس أمنية خاصة بها تتعلق تحديدا بالمقاتلين الإويغور، في المقابل، تعتبر تركيا من أكثر الدول الإقليمية تقبلا لبقاء المقاتلين الأجانب الموالين للحكومة الجديدة.

وبعد استعراض المواقف الدولية، سلط المركز الضوء على بعض تجارب الدول السابقة، ومنها البوسنة والهرسك، الذي بقي فيها ملف المقاتلين الأجانب "عرضةً للتسييس وتقلبات الرياح الدولية".

السيناريوهات الممكنة في سوريا

وفي إطار استعراض السيناريوهات للتعامل مع الملف، يرى المركز أن "التجنيس الشامل الفوري هو المسار الأكثر استجابة للعريضة المقدمة، ويقضي بمنح جميع المقاتلين الأجانب الذين شاركوا مع قوى الثورة والمعارضة وعائلاتهم الجنسية السورية فورا بمرسوم عام، كمكافأة على مساهمتهم في تحرير البلاد".

ويقول: "سيُنظر إليه من قبل فئات من السوريين على أنه تجنيس عشوائي قد يشمل عناصر متطرفة لم تخضع للتمحيص، وقد يثير موجة سخط شعبي لدى أهالي الضحايا من جرائم يتهم بارتكابها بعض المقاتلين الأجانب، إذ قد يبدو كعفو عام مقنع عنهم دون محاسبة، ودوليا، قد تعترض قوى دولية وإقليمية على الخطوة وتعتبرها متسرعة تتضمن إدماج عناصر تُشكّل تهديدات أمنية".

أما السيناريو الثاني، وفق "الحوار السوري"، فهو "عدم التجنيس مع التركيز على الإعادة أو الترحيل"، بمعنى الرفض المطلق لمنح الجنسية، والسعي لإعادة المقاتلين إلى بلدانهم أو دول ثالثة، مع تدبير مؤقت لعائلاتهم.

وتضيف الورقة البحثية، أن هذا السيناريو، يبعد عبء الدمج عن الدولة الجديدة، لكنه من الناحية الواقعية شبه مستحيل تنفيذيا، حيث يهدد بتحول الملف إلى احتجاز مفتوح المدى.

يتابع المركز، بأن السيناريو الثالث، هو "التجنيس الانتقائي التدريجي، الذي يعتمد فرز المقاتلين الأجانب إلى فئات، ومنح الجنسية بشكل انتقائي وعلى مراحل لمن تنطبق عليهم معايير محددة مع مرور الوقت، ويمكن تشكيل لجنة وطنية لفحص ملفات جميع المقاتلين الأجانب.

والسيناريو الأخير، طبقاً للمركز، هو "الحلول الوسط المؤقتة"، أي تأجيل حسم موضوع الجنسية لبعض الوقت، والتركيز بدلا من ذلك على منح المقاتلين الأجانب وضع إقامة قانوني مؤقت في سوريا.

ما السيناريو المتوقع؟

من جهته، يرجح الكاتب والمحلل السياسي أحمد مظهر سعدو، السيناريو الثالث "التجنيس الانتقائي التدريجي"، مضيفاً لـ"عربي21" أن هذا السيناريو يحل الأمور بصورة انتقائية ومتدرجة دون القسر وكذلك يمكن أن يكون ذلك أيضا وفق التفهم الأمريكي والدولي.

وتابع بقوله: "لا بد من استمزاج الرأي الخارجي في ذلك حتى تكف الدول الكبرى عن التدخل بالوضع الداخلي السوري  والتدريج من الممكن أن يسهل إجراءات المسألة بكليتها، كما أنه من الواقعي والمنطقي حقيقة عدم رمي هؤلاء الذين جاؤوا إلى سوريا وشاركوا في مواجهة نظام الاستبداد الأسدي وأن يتم استيعابهم وصولا إلى وضع حلول واقعية لوجودهم".

وأضاف سعدو "بتصوري فإنها إشكالية كبرى ولابد أن تعرض على مجلس الشعب القادم حتى لا تكون الحلول ناتجة فقط من لدن وزارة الداخلية أو العدل أو الدفاع فقط دون أخذ الرأي الشعبي السوري بنظر الاعتبار".

التوافق المجتمعي

ومع بدء المطالبات تجنيس المقاتلين الأجانب، برزت بعض الأصوات المعارضة لتجنيسهم، وهنا يشدد الباحث في مركز "الحوار السوري" الأكاديمي محمد سالم، وهو معد الورقة البحثية، على ضرورة أن يكون هناك توافق مجتمعي على ملف التجنيس، ويقول لـ"عربي21": "أتوقع ان الجمهور الداعم للثورة، وعموم الشعب السوري، داعم لهذا التجنيس لمن يستحقون منهم طبعا وفق معايير عادلة".

ويستدرك بقوله: "لكن ستبقى هناك أصوات تعارض وهذه هي طبيعة العمل السياسي، لن يكون إجماع كامل على ملف التجنيس".

ويتابع سالم، بأن تجنيس المقاتلين الأجانب قد يكون من الأعباء على الحكومة السورية الجديدة خاصة أمام دول مثل الصين، لكن في ذات الوقت يمكن تحويله إلى فرصة إذا أثبتت الحكومة انها تقوم بعمل احترافي يضمن أن يتحول هؤلاء الى جزء من الدولة السورية الجديدة.

من جهته، يرى الباحث السوري أحمد السعيد، أن طريقة التعاطي مع ملف التجنيس، لا بد أن تكون شفافة، وبعيدة عن طريقة تعاطي النظام البائد مع تجنيس المقاتلين الأجانب من الفصائل الشيعية الذين شاركوه في قتال السوريين.

ويقول لـ"عربي21": "المسألة في غاية التعقيد، والدولة عليها أن تراعي بين مصلحة سوريا، وبين الالتزام الأخلاقي تجاه الذين ساندوا السوريين في معركتهم ضد النظام".

اظهار أخبار متعلقة



وبالعودة إلى مركز "الحوار السوري"، يختم التقرير، بالإشارة إلى أن ملف تجنيس المقاتلين والناشطين الأجانب وعوائلهم في سوريا أحد أكثر قضايا المرحلة الانتقالية تعقيدا وتشابكا، فهو يقف عند تقاطع الضرورات الأمنية والاعتبارات السياسية والمبادئ الإنسانية، ويتطلب حلاً يوازن بينها بحكمة وبعد نظر، ومن خلال المقارنة بتجارب دولية مشابهة، يتوضح أن منح الجنسيات في ظروف ثورية قد يستدعي مراجعات مؤلمة لاحقا كما حدث في البوسنة، وأن صياغة سياسة تجنيس مدروسة بشروط اندماج واضحة تحقق فوائد عديدة.
التعليقات (0)