جلسة دونالد
ترامب في مكتبه بالبيت الأبيض، واصطفاف رؤساء وزعماء العالم، في الجانب المقابل مثل التلاميذ، أو ربما المتَّهمين، هي صورة مصغَّرة عن أمريكا الحاضر والماضي أيضا، فهي ما عادت تقبل بالثنائية، بل تريد أن تبقى وحدها في العالم، ليس قيادة معنوية ومادية فقط، وإنما لا تريد للآخرين أن يكونوا، سواء قبلوا بهيمنتها على الكرة الأرضية أم رفضوها.
هناك من يخدّر نفسه بالقول إن
الولايات المتحدة حليفة له، تقف إلى جانبه، كما توهَّم الكثيرون، ومنهم المخزن، لكنهم جميعا يعلمون أن الولايات المتحدة هي أسوأ استعمار يخطر على البال، فهي لا تترك حتى البلاد التي تدخلها تستعيد عافيتها، فمهمَّتُها نسف كل أسباب الحياة من طلقة واحدة. وما حدث لأفغانستان وللعراق وسوريا دليلٌ على ذلك.
الحقيقة أن السياسة الأمريكية، على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، صارت تكرّس لأن تبقى وحدها في الكرة الأرضية، فهي لا تعتذر عما تقترفه من جرائم وكوارث، ولا هي تتوقف عن عمليات التسلح الوحشي المبيد للكائنات الحية، وإنتاج الأسلحة التي جرّب الكثير منها الكيانُ الصهيوني في السنتين الأخيرتين، في غزة وإيران واليمن وسوريا ولبنان…
لقد اعترف الأمريكيون بأن حربهم على العراق التي تسبَّبت في فتنة أودت بحياة أكثر من مليون عراقي ودمار شامل لبلاد التاريخ والحضارة العريقة، كانت لتفكيك أسلحة الدمار الشامل التي زعمت بأن الرئيس صدام حسين يمتلكها، ثم عادت لتقول إن الرئيس العراقي السابق لم يمتلكها أصلا، ومع ذلك لم تعتذر.
ويقال إن قنبلة هيروشيما التي أطلقتها القوات الأمريكية على اليابان أودت بحياة 140 ألف بين قتيل في الحال ومحترق بالإشعاعات النووية بعد أيام الانفجار، ومع ذلك لم نسمع مرة واحدة اعتذارا أو اعترافا بالذنب من الولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر من ذلك أتبعتها بقنبلة أخرى في نكازاكي.
والطيار الأمريكي نفسه، “بول تيبيتس”، الذي قاد الطائرة المدمِّرة لهيروشيما، والمتسبِّبة في كل هؤلاء الضحايا وذاك الدمار، عاش إلى غاية 2007 مقدِّما محاضرات وكتبا، لم “يتكرّم” ولو مرة واحدة بالاعتراف بالذنب، بل كان يعتبر ما قام به رجولة وشهامة وخدمة للإنسانية.
أمريكا مقتنعة بأنها هي من أنقذت العالم من أسامة بن لادن وصدام حسين ومن شوكة إيران ومن حماس وحزب الله، ومن حقها أن تأخذ نصيبها المالي والمعنوي من كل بلاد العالم، وأن تبقى تسيِّر الكرة الأرضية كما تراها ويراها قادتها، على أن تنسف كل من يقاوم سياستها وربما حتى من يرفع الراية البيضاء، كما حدث مع نشأة هذه البلاد التي جعلت من الهنود الحمر قصة أثرية قديمة، وهي تسعى إلى أن تُلحِق بهم كل المقاومين والثائرين المطالبين بحقوقهم وحرياتهم.
عودوا إلى جلسة الرئيس الأمريكي في مكتبه، وهو يؤنِّب الرؤساء وأحيانا يسخر منهم، لتعرفوا أن هذا الأسلوب الذي سيتحول إلى أسلوب سياسة خارجية في البيت الأبيض، لا تفسير له سوى أن الولايات المتحدة تريد أن تبقى وحدها.. وحدها فقط في العالم.
الشروق الجزائرية