القواعد الإماراتية في أفريقيا.. تسلح الدعم السريع وتمول العمليات الأمريكية في الصومال
لندن- عربي2122-Nov-2507:28 AM
0
شارك
أكدت "واشنطن" بوست أن هناك غضب دولي من دعم الإمارات لقوات الدعم السريع بالسودان- الأناضول
لم يُسمِّ ماركو روبيو دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر، إلا أنّ تصريحاته كانت واضحة المقاصد. فعقب اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع قرب شلالات نياغارا، قال وزير الخارجية الأمريكي إن حكومته تعلم الجهة التي تزوّد قوات الدعم السريع في السودان بالسلاح، مؤكدًا أن هذا الدعم يجب أن يتوقّف فورًا، وعندما سأله أحد الصحفيين: "لكن الإمارات تزوّدهم بطائرات مسيّرة صينية"، ردّ روبيو بالقول: "نعرف الأطراف المتورطة، ويمكنني التأكيد أن أعلى المستويات في حكومتنا تمارس الضغط على الجهات المعنية. لا أرغب في ذكر أسماء خلال مؤتمر صحفي، لأن هدفنا هو الوصول إلى نتيجة إيجابية. يجب أن يتوقف هذا الدعم".
اظهار أخبار متعلقة
بعد جهود ضغط مارسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفق ما كشفه "ميدل إيست آي"، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ "الولايات المتحدة ستبدأ العمل على ملف السودان"، وقال مصدر في واشنطن لـ"ميدل إيست آي"، إن وزارة الخارجية تدرس حزمة جديدة من العقوبات تستهدف شخصيات محورية تربط بين قوات الدعم السريع، التي ارتكبت خلال الأسابيع الأخيرة فظائع واسعة في الفاشر، وبين الإمارات التي تُعد الداعم الرئيس لها، وتشمل الفظائع المرتكبة في الفاشر، عاصمة شمال دارفور، عمليات اغتصاب جماعي وقتل، ظهرت آثارها في صور أقمار صناعية حيث تنتشر برك دماء في الشوارع. كما تعرّض المدنيون لنهب ممتلكاتهم واحتُجز بعضهم مقابل فدية، وتعرّضت نساء للاختطاف.
يوجد في منطقة طويلة غرب الفاشر نحو 650 ألف مدني وأكثر من 300 عامل إغاثة أجنبي، ويعتبرهم مراقبون دوليون في خطر شديد، خاصة أن نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع تقع على بُعد 20 كيلومترًا فقط، وقد أعادت المجازر الواسعة في الفاشر تسليط الضوء عالميًا على دور الإمارات في الحرب. ورغم نفي أبوظبي دعمها لقوات الدعم السريع، فإن صور الأقمار الصناعية، وأرقام تسلسل الأسلحة، وبيانات تتبّع الرحلات، وشهادات عشرات المصادر داخل السودان وخارجه، جميعها تؤكد عكس ذلك.
لتسهيل الحركة.. الإمطارات طورت مطار بوساسو وتكمن المفارقة في أنه في الوقت الذي تحاول فيه واشنطن الحدّ من الدور الإماراتي في السودان، فإنها في الوقت ذاته تستخدم قواعد إماراتية أساسية في إيصال الدعم لقوات الدعم السريع، وتُعد بوساسو مدينة ساحلية نشطة في منطقة بونتلاند شبه المستقلة شمال الصومال، وتقع على الساحل الجنوبي لخليج عدن، على طريق بحري حيوي يمتد عبر قناة السويس والبحر الأحمر إلى المحيط الهندي.
وقد وصفها أحد المسافرين بأنها "تشبه المدن المتوسطية قليلًا" مع "مبانٍ جميلة وكثرة القوارب في البحر"، لكن المدينة اعتادت خلال العامين الماضيين على هدير طائرات الشحن الضخمة التي تهبط في مطار بوساسو. فقد طوّرت الإمارات خلال السنوات الأخيرة كلًّا من المطار والميناء، وتستخدمهما الولايات المتحدة الآن لشن عمليات مكافحة الإرهاب ضد مقاتلي تنظيم الدولة الذين وصلوا مؤخرًا إلى الصومال من سوريا ومناطق أخرى في الشرق الأوسط.
وقالت مصادر أمريكية مطلعة ومسؤولون في إدارة بونتلاند لـ"ميدل إيست آي"، إن الإمارات تستخدم بوساسو كمحطة إمداد لقوات الدعم السريع في السودان، بينما تستخدمها الولايات المتحدة كمنصّة لتنفيذ عمليات داخل الصومال. وفي 10 تشرين الأول/نوفمبر، قبل ثلاثة أيام فقط من تصريحات روبيو التي أدان فيها جرائم قوات الدعم السريع في الفاشر، نفّذت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) غارة جوية ضد تنظيم الدولة في الصومال قرب كهف غولغول، على بعد 32 كلم جنوب شرقي بوساسو.
ومنذ وصوله إلى السلطة، أشرف الرئيس ترامب على "تصعيد غير مسبوق” في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في الصومال، وفق مركز "نيو أميركا"، إذ نفّذت إدارته 99 ضربة هذا العام، مقابل 51 ضربة خلال إدارة بايدن. وتشكّل هذه الضربات، التي أُطلقت كثيرٌ منها من سفن حربية أمريكية في المنطقة، جزءًا من هجوم واسع تشنه إدارة بونتلاند على تنظيم الدولة بدعم أمريكي وإماراتي. وتكشف بيانات تتبّع الرحلات الجوية، التي حلّلها "ميدل إيست آي"، عن وجود ارتباط مباشر بين قاعدة بوساسو والقواعد الأمريكية الرسمية في المنطقة.
تبحث أمريكا عن مرافق إضافية في 29 تموز/يوليو، أقلعت طائرة من طراز لوكهيد مارتن KC-130 تابعة لقوات مشاة البحرية الأمريكية، تحمل رقم التسجيل 170283، من قاعدة ليمونيه في جيبوتي متجهة إلى بوساسو، قبل أن تواصل رحلتها إلى مومباسا ثم تعود إلى جيبوتي، تُعد لومونييه أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في أفريقيا، ومع تزايد النفوذ العسكري الصيني وغيره في جيبوتي، تبحث الولايات المتحدة عن مرافق إضافية، أبرزها بوساسو وبربرة على ساحل أرض الصومال، الإقليم الانفصالي الآخر.
وفي أيلول/سبتمبر، زار وفد عسكري أمريكي، يضم قائد أفريكوم اللواء كلود تيودور، والعقيد بنجامين بناندر، قائد العمليات الخاصة الأمريكية في شرق أفريقيا، ولاري أندريه، السفير الأمريكي في الصومال، مدينة بوساسو، حيث عقدوا اجتماعًا مع رئيس بونتلاند سعيد عبد الله ديني، كما شاركت القوات الخاصة الأمريكية في تدريب مشترك مع قوات أمن بونتلاند في جبال عال مسعاد.
"استغلال المواقع الحسّاسة" وقال كاميرون هدسون، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والمحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، لـ"ميدل إيست آي": "عرضت الإمارات استخدام بوساسو كنقطة انطلاق عندما تتحرك القوات الأمريكية نحو بونتلاند أو أرض الصومال، ليست عملية دائمة، لكنها متاحة وقد استخدمناها”. وأضاف هدسون أن بعض الضربات في الصومال تُنفّذ بطائرات مسيّرة، فيما تتضمن عمليات أخرى ما يُعرف بـ"استغلال المواقع الحسّاسة"، حيث تدخل القوات الأمريكية المنطقة المستهدفة بعد القصف لجمع الأقراص الصلبة وبيانات الحمض النووي وغيرها من المعلومات الاستخباراتية.
وتجدر الإشارة إلى أن "ميدل إيست آي" لم تتلقَّ ردًا على طلبات التعليق التي أُرسلت إلى وزارة الخارجية الإماراتية وقيادة أفريقيا في الجيش الأمريكي. وقد "رفضت الإمارات بشكل قاطع" الأدلة التي تشير إلى دعمها لقوات الدعم السريع، وقالت لمجلة "أفريكا ريبورت" إن تحقيق "ميدل إيست آي" السابق حول استخدام أبوظبي لبوساسو يستند إلى "افتراءات".
تحالف تكتيكي وعملياتي مع سعي وزير الخارجية روبيو لوقف الإمدادات عن قوات الدعم السريع، واستجابة ترامب لضغوط محمد بن سلمان، تتبدّى بوضوح حدة التوترات بين واشنطن والرياض وأبوظبي، وقالت خلود خير، المحللة السودانية ومديرة مركز "كونفلونس أدفايزوري"، لـ"ميدل إيست آي": "تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للقيام بدور الحكم بين الإمارات والسعودية، وهو وضع لم تُختبر فيه من قبل"، وأضافت: "إدارة ترامب مرتبطة بالطرفين معًا؛ فلديها مصالح سياسية وأمنية مع الإمارات مرتبطة بإسرائيل، كما تمتلك مصالح اقتصادية، وخاصة شخصية لعائلة ترامب، تشمل إعادة إعمار غزّة، والذكاء الاصطناعي، واستثمارات جاريد كوشنر، وكلها مصالح تتقاطع بين الإمارات والسعودية".
اظهار أخبار متعلقة
وذكر هدسون: "في بوساسو، يوجد تحالف تكتيكي وعملياتي بين الولايات المتحدة والإمارات، بل وحتى تقارب أيديولوجي في ما يتعلق بمحاربة الإسلام المتطرف في المنطقة، وهذه عوامل تزيد من تعقيد ملف السودان".
تشكّل تنظيم الدولة في الصومال سنة 2015 كمجموعة منشقة عن حركة الشباب، وظلّ لفترة يُنظر إليه كتنظيم هامشي، واستغرق الاعتراف به كفرع رسمي للتنظيم عامين، لكن، وفق "أفريكا كونفيدنشال"، تحوّل التنظيم لاحقًا إلى مركز مالي محوري لفروعه في أفريقيا، حيث يجند مهاجرين من القرن الأفريقي ويُسهّل تدفّق الأموال إلى المتمردين في موزمبيق والكونغو الديمقراطية، كما أسّس التنظيم نظام ابتزاز في بوساسو، وأصبحت منطقة بونتلاند تضم الآن عددًا من الجهاديين المعلنين يفوق معظم مناطق العالم. وتخوض الولايات المتحدة والإمارات وإدارة بونتلاند، إلى جانب الحكومة الفيدرالية في مقديشو، معارك ضد هذا التنظيم.
خصوم مشتركون بين أمريكا والإمارات وحسب هدسون، فإن "الصراع الحاد بين الولايات المتحدة والإمارات يتعلق بالسودان، لكنه يحدث في سياق علاقة وثيقة وفعّالة بين الجانبين"، وللولايات المتحدة والإمارات خصوم إقليميون مشتركون مثل إيران، والحوثيين، وكيانات مسلّحة كتنظيم الدولة والقاعدة. وكانت الإمارات أول دولة خليجية توقّع اتفاقات أبراهام مع إسرائيل، وتجمعها بواشنطن مشاريع عسكرية واستخباراتية مشتركة. وأضاف هدسون: "هناك نقاش واسع في واشنطن بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ موقفًا أكثر تشددًا تجاه الإمارات. مكافحة الإرهاب ربما هي الأولوية الأمريكية الأولى في أفريقيا، تليها المعادن. يقع مركز الثقل الأمريكي لمكافحة الإرهاب في القرن الأفريقي، وليس في الساحل".
سلسلة من القواعد حول البحر الأحمر وخليج عدن في بوساسو، يظهر بوضوح هذا التباين بين الجهود الدبلوماسية المتعلقة بالسودان والتحالف الأمريكي–الإماراتي، وتساءل هدسون: "مع وجود مخازن مليئة بالمعدات القاتلة، كيف يمكن التمييز بين ما يُرسل لقوات الدعم السريع وما يُستخدم لعمليات مكافحة الإرهاب؟"، وأضاف: "الأمر عبقري من جانب الإمارات؛ فهو يوفر غطاءً مثاليًا، حيث تمزج العمليات البيضاء مع السوداء لتنشئ ما يمكن تسميته بالعمليات الرمادية التي يمكن الاستمرار فيها بلا توقف"، ولا تقف بوساسو وبربرة، وهي قاعدة إماراتية أخرى في الصومال، وحدهما؛ إذ بنت الإمارات خلال السنوات الأخيرة حلقة نفوذ تمتد حول البحر الأحمر وخليج عدن، عبر إنشاء أو تطوير سلسلة قواعد في أراضٍ خاضعة لحلفائها ووكلائها.
تعاون إماراتي إسرائيلي لمراقبة الحوثيين وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي حلّلها "ميدل إيست آي" نشاطًا عسكريًا–استخباراتيًا على جزيرتي عبد الكوري وسمحة، وهما جزء من أرخبيل سقطرى الخاضع لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن؛ وفي المخا؛ وفي جزيرة ميّون البركانية في مضيق باب المندب، الذي تمر عبره 30 بالمئة من تجارة النفط العالمية. وفي الشهر الماضي، ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" ظهور "مدرج طائرات غامض" في جبل زقر، وهو نتوء بركاني قبالة سواحل اليمن على البحر الأحمر.
قال أمجد فريد الطيب، مدير "منظمة فِكرة" السودانية للسياسات العامة، لـ"ميدل إيست آي": "كانت الإمارات شديدة الحرص على السيطرة على خطوط الملاحة حول خليج عدن والبحر الأحمر. إنها تنفّذ المشروع الإمبراطوري ذاته الذي طبقته بريطانيا في القرن التاسع عشر، والقائم على خلق عدم الاستقرار والتحكم في الموانئ، كما فعلت في اليمن مع عدن".
وبعيدًا عن البحر الأحمر، يمتلك السودان مساحات زراعية شاسعة وموارد معدنية غنية. ففي عام 2024، ذهب 90 بالمئة من صادرات الذهب السودانية الرسمية إلى الإمارات، التي أعلنت عائدات بلغت 53.4 مليار دولار من صادرات الذهب. وقد طُوِّرت قواعد الإمارات بالتعاون الوثيق مع إسرائيل والولايات المتحدة، واستُخدمت لمراقبة نشاط الحوثيين، خصوصًا بعد بدء الحوثيين، المتحالفين مع إيران، استهداف السفن التجارية دعمًا للفلسطينيين في غزّة.
وذكر ألون بينكاس، الدبلوماسي الإسرائيلي والمستشار السابق لأربعة وزراء خارجية، لـ"ميدل إيست آي": "العلاقة بين الإمارات وإسرائيل كانت متقدمة جدًا حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية رسميًا عام 2020، لكنها كانت قائمة بهدوء، دون أن تكون سرية تمامًا".
"جسر جوّي" إلى السودان بينما تعتمد الولايات المتحدة على بوساسو لشنّ عمليات مكافحة الإرهاب، كشفت بيانات تتبّع الرحلات التي حلّلها “ميدل إيست آي” عن هبوط 77 رحلة في قاعدة بونتلاند الجوية بين آذار/مارس 2024، وآب/أغسطس 2025، ما يؤكد أن بوساسو تحوّلت إلى جزء دائم من "الجسر الجوي" الإماراتي إلى السودان.
وفي الشهر الماضي، أفاد مدير كبير في ميناء بوساسو لـ"ميدل إيست آي" بأن الإمارات مرّرت خلال العامين الماضيين أكثر من 500 ألف حاوية مُعلَّمة كمواد خطرة عبر الميناء. وتملك الإمارات أيضًا قاعدتين داخل السودان، الذي يشهد حربًا منذ نيسان/أبريل 2023، في نيالا بجنوب دارفور، والمالحة على بُعد 200 كلم من الفاشر، عاصمة شمال دارفور. والآن، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، قد يتم تشغيل رحلات شحن مباشرة إلى المدينة التي يضم مطارها مدرجًا كبيرًا، ما قد يقلل النشاط في بوساسو، إلا أن قاعدة بونتلاند تبقى حاسمة في الوقت الراهن.
خلال الفترة التي راقبها فيها "ميدل إيست آي"، برزت طائرتان من نوع إي أل-76 بشكل متكرر، تحملان رقمَي التسجيل إي إكس-76015 وإي إكس-76019، وتشغلهما شركة "نيو وي كارغو إيرلاينز" المتمركزة في قيرغيزستان بآسيا الوسطى، وقد هبطتا 59 مرة في بوساسو، قادمتين من رأس الخيمة أو الظفرة في الإمارات، وبين 22 و24 آب/أغسطس 2024، تتبّع "ميدل إيست آي" الطائرة إي إكس-76015 وهي تقوم بثلاث رحلات ذهابًا وإيابًا من أبوظبي إلى بوساسو، وأخفت الطائرة إشارتها في كل مرة، في دليل واضح على أساليب التمويه التي تعتمدها العمليات الإماراتية من هذا النوع.
اظهار أخبار متعلقة
وصف قائد رفيع في قوات شرطة بونتلاند البحرية في مطار بوساسو، لـ"ميدل إيست آي"، عملية نقل مواد لوجستية ثقيلة غير معلنة من وإلى طائرات إي أل-76، قائلاً إن “الرحلات متكررة، وتُنقل اللوجستيات فورًا إلى طائرة أخرى على أهبة الاستعداد، مخصّصة لقوات الدعم السريع في السودان عبر دول الجوار”.وأضاف القائد، مشيرًا إلى وجود مرتزقة كولومبيين في بوساسو: "عمليات التحميل والتنزيل تتم تحت حراسة مشددة، لأنها تحمل مواد حسّاسة لا يُعلن عنها".
وفي أيلول/سبتمبر 2024 ومرة أخرى في شباط/فبراير 2025، أظهرت بيانات "فلايترادار 24" أن الطائرة إي إكس-76015 نفّذت رحلة مباشرة من أبوظبي إلى إثيوبيا، وتم تتبعها أيضًا أثناء تحليقها من بوساسو إلى العقبة في الأردن، كما كشفت بيانات استخباراتية وتتبّعية حصلت عليها "ميدل إيست آي" من مصادر أمريكية أن شركاء عبد الرحيم حميدتي، شقيق قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سافروا من زالنجي ونيالا في دارفور، وتواجدوا قرب مطار بولي الدولي في أديس أبابا، قبل أن يستقلّوا طائرات خاصة غير تجارية إلى أبوظبي.
المرتزقة المرتبطون بخليفة حفتر شاركوا في القتال وأظهرت تتبعات إضافية لطائرات تديرها شركتا "جيلكس إيرلاينز" و"ساسبان إيرلاينز"، تحليقها من بوساسو إلى الكفرة أو بنغازي، المنطقتين الخاضعتين لسيطرة قائد الشرق الليبي خليفة حفتر، حليف آخر للإمارات الذي تعمل قواته بالتنسيق معها، وفي حزيران/يونيو، أفاد شهود لـ"ميدل إيست آي" بأن مجموعات من المرتزقة المرتبطين بخليفة حفتر شاركت في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع خلال سيطرتها على الجزء السوداني من المثلث الحدودي النائي الذي يضم أجزاء من ليبيا ومصر.
وعلى مدار عدة مناسبات، لوحظت انقطاعات في تتبّع الرحلات عبر "فلايترادار 24"، لا سيما عند اقتراب الطائرات، بما فيها إي أل-76 رقم إي إكس-76015، من ليبيا أو مغادرتها. كما لم تُظهر بعض الرحلات مسارات هبوط واضحة، في نمط يوحي باستخدام “رحلات مخفية جزئيًا” لأغراض غير تجارية.
شبكة بحرية تربط الطرق البحرية القواعد الإماراتية في جزر سقطرى وعبد الكوري وسمحة اليمنية، إضافة إلى المخا على الساحل الجنوبي لليمن، بمدينة بوساسو ومدينة بربرة الصومالية. ومن آب/أغسطس 2023 إلى آب/أغسطس 2024، أظهرت بيانات حركة الملاحة البحرية التي حلّلها "ميدل إيست آي" أن السفينة الإماراتية المبروخ 2، التي ترفع علم سانت كيتس ونيفيس في الكاريبي، أبحرت من الإمارات نحو خليج عدن، وتوقفت في عبد الكوري وسقطرى قبل أن تواصل طريقها إلى بوساسو، وتزامنت زيارة السفينة مع تعزيز الإمارات لقاعدتها في المدينة، كما تم تتبّع سفن أخرى، بينها "تكريم" و"يام 1"، وهي تُبحر بين الإمارات وقواعدها في الجزر اليمنية في خليج عدن والبحر الأحمر.
تنسيق يمتد من الجزر اليمنية إلى سواحل القرن الإفريقي بعيدًا عن حركة الطائرات والسفن بين هذه القواعد، تتسم جميع القواعد الإماراتية ببنية تشغيلية موحّدة: تشكّل المدارج والحظائر والمنشآت الاستخباراتية تشكل متكاملة تدل على تنسيق لوجستي واستخباراتي مُدار من غرفة عمليات إقليمية واحدة. ويبدو أن تواجد الإمارات في بونتلاند وأرض الصومال ليس مجرد وجود عسكري محدود، بل جزء من مشروع إقليمي واسع متعدد المسارات، يغطي البحر والجو على حد سواء، ويمتد من الجزر اليمنية إلى سواحل القرن الإفريقي.
تُظهر صور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 2023 و2025 كيف تحوّلت مدينة بوساسو تحت الإدارة الإماراتية إلى مركز عسكري محصّن، حيث شهدت هذه الفترة بناء أو تطوير عدد كبير من المنشآت الحيوية. وتشمل هذه المنشآت مخازن ذخيرة محصّنة، ومنطقة شحن مخصّصة لطائرات إي أل-76، وأنظمة رادار متقدمة، ومستشفى ميداني، وحظائر للطائرات، إضافة إلى رادار فرنسي الصنع من طراز جي إم-403، القادر على تتبّع أكثر من ألف جسم جوي، بما في ذلك الطائرات المسيّرة والصواريخ، على مدى يتجاوز 400 كيلومتر، ما يمنحه القدرة على مراقبة الساحل الجنوبي لليمن عبر خليج عدن.
وكحال بوساسو، تقع بربرة في أرض الصومال (بونتلاند) التي تحظى برعاية الإمارات وتسعى للانفصال عن مقديشو. ففي 2017، سمحت جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد للإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بربرة، لاستخدامها في مواجهة الحوثيين ضمن الحرب الأهلية اليمنية.
وعلى الرغم من أن تقارير أولية ذكرت أن الإمارات ألغت الاتفاق، تكشف صور الأقمار الصناعية الحديثة عن بنية تحتية متطورة تشمل ميناءً عسكريًا حديثًا، ورصيفًا عميق المياه قادرًا على استقبال سفن حربية كبيرة، ومدرجًا بطول 4 كيلومترات، يتيح استقبال طائرات النقل الاستراتيجية مثل سي-130 وإي أل-76 والمقاتلات، ما يمكّن من تنفيذ عمليات جوية بعيدة المدى تشمل نقل القوات والإمدادات وشن طلعات هجومية محتملة.
أرض الصومال فرصة للتعاون الاستراتيجي استُخدمت بربرة سابقًا كنقطة انطلاق لإرسال مقاتلين سودانيين إلى اليمن، وفي آذار/مارس من هذا العام، رفضت أرض الصومال محاولة حكومة مقديشو المركزية منح الولايات المتحدة السيطرة الحصرية على الميناء والقاعدة الجوية. لكن في نهاية تموز/يوليو، أعلن رئيس أرض الصومال عبد الرحمن محمد عبد الله تغيّر موقفه، مؤكدًا استعداد إدارته لاستضافة قاعدة عسكرية أمريكية ومنح واشنطن حق الوصول إلى موارد معدنية ثمينة، بما فيها الليثيوم، في إطار استراتيجية أوسع للحصول على اعتراف دولي.
ومع تصاعد المخاوف بشأن الوجود الصيني قرب قاعدة ليمونييه في جيبوتي، ترى الولايات المتحدة في بربرة خيارًا استراتيجيًا لتعزيز حضورها في البحر الأحمر وقرن أفريقيا، كما أفادت تقارير بأن أرض الصومال قد تسمح بإقامة قاعدة إسرائيلية على أراضيها مقابل الاعتراف الدولي والاستثمارات. وكتب أميت ياروم لمجلس الأطلسي في يوليو/ تموز: "مع مرور نحو ثلث حركة الشحن العالمي عبر هذا الممر، فإن تهديدات القرصنة وتهريب الأسلحة والجماعات الإرهابية مثل الشباب والحوثيين أثارت قلقًا دوليًا. وبالنسبة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، تُعدّ أرض الصومال فرصة فريدة للتعاون الاستراتيجي".
"الإمارات التوأم المتطابق لإسرائيل"مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيحوّل اهتمامه إلى السودان، تبدو الساحة مهيأة لتصاعد صراع نفوذ قائم بالفعل بين السعودية والإمارات. وقال جلال حرشاوي، الخبير المختص بشمال أفريقيا والاقتصاد السياسي، في حديثه لـ"ميدل إيست آي": "تاريخيًا، لطالما كان ترامب أكثر إعجابًا وتعاطفًا مع السعودية، وفي المقابل، يبدو تساهل واشنطن تجاه الإمارات حديثًا ومصطنعًا مقارنة بتاريخ طويل من التقارب الأمريكي-السعودي. وغالبًا ما تُصوَّر الإمارات كـ"دولة ناشئة" متقلبة، ويُنظر إليها الآن كثيرًا باعتبارها التوأم المطابق لإسرائيل".
السعودية أم الإمارات؟ يشير حرشاوي إلى أن موقع السعودية بوصفها "الفاعل الأول والمموّل لأي جهود إعادة الإعمار في غزّة" أمر حاسم، وكذلك رغبة ترامب في “تقديم نفسه كرئيس يحلّ النزاعات المستحيلة"، ويمتلك السودان ساحلًا يمتد 750 كيلومترًا ويقع مباشرة مقابل السعودية على البحر الأحمر، ويرى أمجد فريد الطيب، الذي شغل سابقًا منصب مساعد رئيس هيئة الأركان في مكتب رئيس الوزراء السوداني، أن مشروع الإمارات في البحر الأحمر وخليج عدن "غير متوافق مع الأمن والاستقرار ويهدّد مباشرة الخطة السعودية طويلة المدى لمرحلة ما بعد النفط”. وأضاف: “الولايات المتحدة لا تختار السودان هنا، بل تختار حليفها المفضّل: السعودية أم الإمارات؟".
اظهار أخبار متعلقة
في عالم تحكمه الشخصيات المطلقة، من ترامب مرورا بمحمد بن سلمان إلى محمد بن زايد آل نهيان، يعني ذلك – حسب كاميرون هدسون – "صفقات نخبوية"، وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية: "على المستوى التكتيكي، نعقد الصفقات بنفس الطريقة التي تعقد بها الإمارات صفقاتها. فالإمارات لا تمتلك بيروقراطية كبيرة أيضًا. إنها صفقات تُبرم بين النخب"، وأضاف: "السؤال في واشنطن اليوم هو: كيف تصل إلى ترامب؟".
في الوقت الراهن، يبدو أن السودان قد وصل إلى الرئيس الأمريكي. فقد كتب ترامب على منصة "تروث سوشال": "تشهد السودان فظائع هائلة"، وأضاف: "إنها حضارة عظيمة وثقافة عظيمة، لكنها – للأسف – انحرفت عن مسارها. سنعمل مع السعودية والإمارات ومصر وشركاء آخرين في الشرق الأوسط لإنهاء هذه الفظائع، وفي الوقت نفسه تحقيق الاستقرار في السودان"، وبينما كان ترامب ينشر رسالته، ظهرت طائرة أخرى من طراز إي أل-76 في أفق بوساسو، واقتربت من المدرج وحطّت، وارتدّ صدى محركاتها عبر المدينة.