قضايا وآراء

في مواجهة ترامب.. هل يضحي الإخوان المسلمون بالتنظيم الدولي؟

سمير العركي
"هل ستنجح جماعة الإخوان في قراءة المشهد ومن ثم التعامل معه بما هو لائق؟"
"هل ستنجح جماعة الإخوان في قراءة المشهد ومن ثم التعامل معه بما هو لائق؟"
نقل الموقع "جاست ذا نيوز" الإخباري أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية. وأضاف أن ذلك "سيتم ذلك بأقوى العبارات وأكثرها قوة"، وأنه "يجري حاليا إعداد الوثائق النهائية".

هذا التصريح يعد الأقوى منذ بدء النقاش داخل الولايات المتحدة بهذا الصدد في الآونة الأخيرة. فقبل أيام أعلن حاكم ولاية تكساس، الجمهوري غريغ أبوت، أنه صنف جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية منظمتين إرهابيتين أجنبيتين، ومنظمتين إجراميتين عابرتين للحدود الوطنية". وأضاف أبوت أن هذا القرار سيمنع المنظمتين من "شراء أو الاستحواذ على الأراضي في تكساس، ويسمح للنائب العام بمقاضاتهما لإغلاقهما.

ورغم أن القرار خاص بولاية تكساس ولا يحمل أي صفة فيدرالية، فقانون الهجرة والجنسية الأمريكي يمنح لوزير الخارجية فقط صلاحية مثل هذا التصنيف بعد التشاور مع وزير الخزانة والمدعي العام، إلا أنه أتى في سياق أمريكي متحفز ضد الجماعة، خاصة في البيت الأبيض، حيث حاول ترامب تصنيف الجماعة خلال ولايته الأولى لكنه فشل في ذلك.

هذه التحركات أثارت عددا من التساؤلات بشأن الاستراتيجية الأمريكية المتوقعة في التعامل مع الجماعات العابرة للحدود في المنطقة، ولماذا يختلف التعامل الأمريكي مع نموذجي الإخوان، والرئيس السوري أحمد الشرع

والملاحظ أن قرار حاكم تكساس حظي بدعم صقور الحزب الجمهوري، مثل النائب تيد كروز الذي وصفه بـ"الممتاز والمهم"، وأعلن عن التزامه بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على المستوى الفيدرالي أيضا، مشيرا إلى تقديمه بالفعل تشريعا جديدا لمحاصرة الجماعة، وحث زملاءه في المجلس على سرعة إقراره.

وفي موازاة ما يحدث في الولايات المتحدة، تشهد القارة الأوروبية حملات شعبية منسقة بدأت منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، للضغط على الاتحاد الأوروبي لوضع الجماعة على قوائم الإرهاب.

هذه التحركات أثارت عددا من التساؤلات بشأن الاستراتيجية الأمريكية المتوقعة في التعامل مع الجماعات العابرة للحدود في المنطقة، ولماذا يختلف التعامل الأمريكي مع نموذجي الإخوان، والرئيس السوري أحمد الشرع الذي تم رفع اسمه من قوائم العقوبات الأمريكية مؤخرا.

أيضا يمتد السؤال إلى مدى جدية جماعة الإخوان في وضع استراتيجية ناجزة لمواجهة هذه التطورات، أم أنها ستلوذ بالصمت ترقبا لحل لتدخل خارجي يفكك الأزمة كما فعلت في أزمات سابقة.

التنظيمات العابرة للحدود

مثلت فترتا الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، العهد الذهبي لانتشار التنظيمات العابرة للحدود في المنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي والثورات المضادة لها، وضعف السلطة المركزية لعدد من الدول المهمة في الإقليم.

هذه التنظيمات اصطبغت إما بصبغة طائفية، وكان تحركها يتم وفق أجندة مذهبية واضحة، امتدت من اليمن إلى العراق وصولا إلى سوريا، فيما انطلقت تنظيمات أخرى من أبعاد قومية لتعيد تمركزها خارج حدود دولة المنشأ، والمثال الأبرز هنا تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي مد نشاطه من تركيا إلى شمالي سوريا والعراق، وكاد أن ينجح في مرحلة زمنية ما في تأسيس كيان انفصالي لولا العمليات العسكرية التي قام بها الجيش التركي بدءا من آب/ أغسطس 2016.

كان من الواضح منذ نهاية عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وبتأثير من طوفان الأقصى، أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تتجه صوب تحجيم تلك التنظيمات وإنهاء مهام عملها خارج حدود دولها.

فيما بعد وفي سياق منفصل غير مقصود، لعب إسقاط نظام بشار الأسد دورا مهما في تعزيز تلك الاستراتيجية، حيث انسحب حزب الله اللبناني من سوريا، متأثرا بالضربات التي تلقاها في لبنان على خلفية طوفان الأقصى، تزامنا مع انسحابات أخرى لتنظيمات مسلحة عراقية. في موازاة ذلك، كانت تركيا تقود عملية سلام داخلي مهمة مع حزب العمال، من المتوقع أن تقود إلى تفكيك قواعد التنظيم في سوريا والعراق.

هذه الاستراتيجية ستعمل على إعادة الاعتبار للسلطات المركزية في الدول التي شهدت حالة من التفكك خلال العقد الماضي مثل سوريا، وهذا يفسر لنا أحد أوجه الاهتمام الأمريكي بتقوية سلطة دمشق في مواجهة حركات التمرد الداخلية، سواء من قوات سوريا الديمقراطية أو من ناحية السويداء.

ورغم أن تنظيم الإخوان المسلمين لم يكن من عينة تلك التنظيمات فكرا وسلوكا، إلا أنه يشترك معها في كونه تنظيما عابرا للحدود في ظل وجود أفرع له في الكثير من دول العالم، ووجود ما يعرف بـ"التنظيم الدولي" الذي من المفترض أن ينسق أعمال تلك الفروع، حتى وإن لم يكن ذلك واقعا بفاعلية على أرض الواقع.

بين الإخوان والشرع

هذا النقاش امتد إلى مقارنة -أراها طبيعية- بين سلوك الإدارة الأمريكية تجاه الرئيس السوري أحمد الشرع، ورموز إدارته، وبين سلوكها هذه الآونة تجاه جماعة الإخوان المسلمين. وبات السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا رفعت إدارة ترامب العقوبات المالية عن الشرع ووزير داخليته أنس خطاب، بعد إزالة اسميهما من قوائم الإرهاب، في وقت تحث فيه الخطى لإلحاق الإخوان المسلمين بتلك القوائم؟

وفي تقديري أن منشأ المقارنة هو الخطأ في توصيف الحالتين، أو إلحاق الحالة الإخوانية بحالة الرئيس الشرع.

فأحمد الشرع، أو ما كان يعرف بـ"أبي محمد الجولاني"، نجح في الانتقال من الحالة التنظيماتية الجهادية، منذ اليوم الأول لدخول دمشق، عقب إعلانه حل هيئة تحرير الشام، ووعده بحل بقية التنظيمات والفصائل المسلحة بحيث لا تمثل خطرا على دول الإقليم أو الاستقرار العالمي، كما حدث مع تنظيم القاعدة في التجربة الأفغانية خلال الولاية الأولى لطالبان.

كان السلوك السياسي للشرع ينبئ عن استعداده لاتخاذ خطوات عملية وجادة صوب الاندماج في النظامين الإقليمي والدولي، حتى يتمكن من رفع العقوبات عن سوريا والبدء بإعادة الإعمار. هذا السلوك من ناحية الشرع، حمل الولايات المتحدة على إعادة تموضعها بالنسبة له، فمن مطلوب للاعتقال مقابل ملايين الدولارات، إلى رئيس دولة يتم استقباله في البيت الأبيض بعد رفع العقوبات عنه.

أما الإخوان فلم ينجحوا في مغادرة الحالة التنظيماتية، ولم يعد في حوزتهم أي من أوراق القوة التي تمكنهم من الوجود في الساحة الدولية، في ظل حالة التفكك التي ضربتها، فكان من السهل التحريض عليهم، وشن حملة ضدهم تمهد لضرب مفاصل الجماعة المالية والتجارية.

الدعم الإقليمي

كذلك لا يمكن أن نغفل الدعم الإقليمي الكبير الذي حظيت به إدارة الرئيس الشرع، خاصة من تركيا وقطر والسعودية، فهذه الدول الثلاث بذلت -ولا تزال- جهودا مضنية من أجل تعويم الشرع وحكومته، وهذا باعتراف ترامب. ففي أكثر من مناسبة اعترف ترامب أنه رفع العقوبات عن سوريا بناء على تدخل مكثف من هذه الدول الإقليمية الثلاث.

هذا الدعم لم يكن عملا خيريا بقدر ما كان ضروريا لتحقيق مصالح جيواستراتيجية تراها هذه الدول مهمة للإقليم، وضرورية لإعادة ترتيب أوضاعه بعد إجبار إيران وتنظيماتها المسلحة على الانسحاب من سوريا.

وعلى العكس من ذلك، جماعة الإخوان لا تزال تعاني داخل المنطقة، في ظل حالة العداء المعلنة والصريحة من جانب قوى إقليمية وازنة ترى في الجماعة العدو الأول لها. هذه الدول من مصلحتها أن تبادر الولايات بتصنيف الجماعة على لوائح الإرهاب، بل لربما سعى بعضها لدى واشنطن للإسراع بمثل هذا القرار.

من هنا يجب أن تدرك جماعة الإخوان أن واجب الوقت في حقها الآن، البحث عن بناء استراتيجية فعالة لمواجهة هذه التدابير المتوقعة.

في مواجهة العاصفة
العودة من الحالة الأممية إلى الحالة "الوطنية" قد يساعد الجماعة على تلافي تأثيرات هذه الهجمة الجديدة. أيضا تحتاج الجماعة إلى إعادة تعريف نفسها لتعود جماعة دعوية تربوية تعمل في مجال التربية والإصلاح

رغم التاريخ لجماعة الإخوان المسلمين الذي ناهز على قرن من الزمان، إلا أن الملاحظ أن الجماعة فشلت في مواجهة الأزمات الكبيرة التي تعرضت لها، سواء بخطوات استباقية، تساهم في تفكيك الأزمة، أو على الأقل التقليل من تداعياتها السلبية.

اعتمدت الجماعة ترك الأزمة تسير في مسارها القدري، تفعل فيها ما تشاء حتى تنتهي من تلقاء نفسها ولو بعد عشرين عاما، مهما كلفتها من خسائر بشرية ومادية. ولا تزال الجماعة تتبع نفس الاستراتيجية حتى الآن في مواجهة الأزمات الكبرى التي تعرضت لها بعد ثورات الربيع العربي. لكن هذه الأزمة -التي تلوح في الأفق- لا ينبغي التعامل معها بنفس النهج، وإلا فإن التداعيات المترتبة على مثل هذه القرارات لن تتعافى منها الجماعة بسهولة، سواء على مستوى صورتها الذهنية كجماعة "وسطية سلمية" كما تصف نفسها، أو على مستقبل استثمارات الجماعة أو التابعين لها على مستوى العالم.

من هنا فإنه يجب على الجماعة المبادرة إلى تفكيك وإنهاء عمل "التنظيم الدولي" العابر للحدود، خاصة وأنه ليس له وجود فعلي على أرض الواقع في ظل تباين مواقف الإخوان البينية بشأن العديد من الملفات الإقليمية، مثل العلاقة مع إيران وحزب الله، أو الموقف من الحوثيين والحرب في اليمن، وغيرهما.

كما أن وجود مثل هذا التنظيم منح القوى المناوئة للجماعة الفرصة لمزيد من التدابير شديدة القسوة، دون أن يمنح "التنظيم الدولي" الجماعة حماية ووقاية من هذه الضربات الأمنية شديدة الوطأة.

فالعودة من الحالة الأممية إلى الحالة "الوطنية" قد يساعد الجماعة على تلافي تأثيرات هذه الهجمة الجديدة. أيضا تحتاج الجماعة إلى إعادة تعريف نفسها لتعود جماعة دعوية تربوية تعمل في مجال التربية والإصلاح، إذ أثبتت أحداث العقود المتتالية عدم قدرتها على تحقيق الرؤية الكونية التي حلم بها مؤسسها، حسن البنا، من عودة الخلافة وقيادة البشرية وصولا إلى أستاذية العالم.

والخلاصة..

إن الإقليم يخضع لعملية سياسية دقيقة من أجل إعادة ترتيب أوراقه، ستكون الأولوية فيه للسلطات المركزية وليس لأي جماعة أو تنظيم مهما كان حجمه.. فهل ستنجح جماعة الإخوان في قراءة المشهد ومن ثم التعامل معه بما هو لائق؟
التعليقات (0)

خبر عاجل