مقابلات

وزير سوداني لـ"عربي21": البنك الدولي يعتزم زيادة حجم التمويل في بلادنا

وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، محمد نور عبد الدائم- عربي21
وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، محمد نور عبد الدائم- عربي21
شارك الخبر
كشف وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، المستشار محمد نور عبد الدائم، أن "الفترة الماضية شهدت زيارات وتطورات مبشّرة للغاية على صعيد بدء مسار تعافي الاقتصاد السوداني في ظل الانفتاح الدولي والدعم الخارجي؛ فقد شاركنا مؤخرا في اجتماعات البنك وصندوق النقد الدوليين بواشنطن، حيث جرى عرض تطورات الوضع الاقتصادي والتحديات القائمة، إلى جانب رؤية الحكومة السودانية لمسار التعافي".

وقال عبد الدائم في تصريحات خاصة لـ"عربي21": إن "السودان استقبل خلال الأسبوع الماضي بعثة من البنك الدولي، وقد حملت هذه الزيارة مؤشرات إيجابية وبشريات بخصوص زيادة حجم التمويل المرتقب، ولا سيما فيما يتعلق بالتحول التدريجي من التركيز الحصري على الإغاثة الإنسانية إلى بداية مسار التعافي وإعادة الإعمار؛ حيث نقلوا لنا رسائل إيجابية جدا في هذا الإطار"، مؤكدا أن "هذا التحول يُشكّل خطوة مفصلية في دعم الاستقرار الاقتصادي وبناء مقومات التنمية المستدامة".

وذكر أن "وفد البنك الدولي أفاد بأن حجم الدعم المُخصّص للسودان سيبلغ 700 مليون دولار خلال عام 2026"، موضحا أن "محفظة مشاريع البنك الدولي للفترة الماضية التي قاربت على الانتهاء بلغ حجمها ما يزيد على 420 مليون دولار في مجالات متعددة، شملت الدعم الإنساني والإغاثة وقطاع الصحة".

ورأى عبد الدائم أن "هذه الخطوة تأتي في سياق تداعيات الزيارة الأخيرة للوفد السوداني إلى واشنطن، والمشاركة في اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدوليين، والتي أُتيحت خلالها فرصة عرض الواقع الاقتصادي الراهن وتحدياته، إلى جانب الخطوات التي اتخذتها الحكومة لاستعادة الاستقرار، ما ساهم في تحسين مستوى التفاعل الدولي مع الملف السوداني".

وأضاف أن "مجلس إدارة البنك الدولي عقد اجتماعا خاصا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي خُصّص لمناقشة ملف السودان، جرى خلاله النظر في إمكانية تمديد الدعم والعون المقدم للبلاد، بما يعكس اهتماما متزايدا من المؤسسات المالية الدولية بمرافقة السودان في هذه المرحلة الحرجة"، مؤكدا أن "من أبرز المؤشرات الاقتصادية التي تعكس بوادر تعاف تدريجي للاقتصاد السوداني بداية إعادة الارتباط الفعلي مع منظمات التنمية الدولية".

اظهار أخبار متعلقة


وبيّن أن "مؤشرات الانفتاح الدولي تعزّزت كذلك بزيارة وفد من البنك الإفريقي للتنمية إلى السودان"، لافتا إلى أنه "تمت إجازة تعيين مدير للبنك الإفريقي في الخرطوم، ومن المتوقع أن يباشر مهامه قريبا"، معتبرا أن "هذه الخطوة تحمل دلالات مهمة على عودة المؤسسات المالية الإقليمية إلى العمل من داخل البلاد، ودعمها المباشر لمسار التعافي، وصرّح البنك بدعم مرتقب يفوق الـ 200 مليون دولار".

وأشار إلى أن "المرحلة المقبلة تحمل فرصا استثمارية واعدة، تراهن الحكومة على اغتنامها عبر زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولا سيما في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية"، معربا عن تطلع السودان إلى "دور فاعل من قِبل الشركاء الأتراك تحديدا، خصوصا عبر اتحاد غرف الصناعة والتجارة والبورصات التركية (TOBB) وجمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين في تركيا (موصياد)، للاستفادة من هذه الفرص والمساهمة في دعم التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار".

سبل تمويل جديدة
وقال وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في السودان، إنه "من المتوقع خلال المرحلة المقبلة بحث سبل تمويل جديدة، بما في ذلك فتح خطوط تمويل أوروبية، إلى جانب العمل على توسيع حجم العمليات والمعاملات المصرفية بين السودان وتركيا، بما ينعكس إيجابا على حركة التجارة والاستثمار، ويسهم في تعزيز الاستقرار المالي ودعم جهود التعافي الاقتصادي".

وأضاف أن "هذا التوجه يشمل أيضا زيادة تواجد البنوك التركية وغيرها داخل السودان، بما يسهّل توفير التمويلات اللازمة للقطاعين العام والخاص، ويساعد على تجاوز اختناقات التمويل، ولا سيما في القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية والخدمات الأساسية".

وكشف عبد الدائم أن "بنك (زراعات) التركي بدأ فعليا في تقديم تمويلات للقطاعين العام والخاص بالسودان"، معربا عن توقعاته بتوسّع هذا الدور مستقبلا بما يعزز الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
ونوّه إلى أن "السودان فقد بالفعل جزءا كبيرا من مصادر تمويله التقليدية خلال فترة الحرب، وهو أمر طبيعي في ظل تعطل النشاط الاقتصادي، وتراجع فرص الاستثمار، وانكماش الإيرادات العامة بوصفها نتيجة مباشرة للصراع؛ فالحرب أهدرت موارد مهمة وقلّصت قدرة الدولة على تحصيل إيراداتها المعتادة".

وأضاف أنه، ورغم هذه الظروف القاسية، "نجحت الحكومة المدنية في توفير الحد الأدنى من احتياجات المواطنين الأساسية قدر الإمكان، ولا سيما في مجالات المياه والكهرباء والخدمات الحيوية"، مؤكدا أن "تمويل وزارة المالية ظل موجها بالأساس إلى ضمان استمرارية هذه الخدمات وعدم انهيارها بالكامل، في وقت تركز فيه التمويل الخارجي المتاح على مجالات العون الإنساني والإغاثة والصحة، رغم محدودية حجمه وتأثيره".

وشدّد على أن "الحكومة تعمل حاليا على بناء بدائل متعددة المحاور لتعويض هذا الفقد وتأمين الحد الأدنى من الإنفاق العام واستقرار المالية العامة، وفي مقدمتها محور تعبئة الموارد المحلية عبر إعادة بناء نظام الإيرادات، بدءا من تبني وتصميم نظم رقمية حديثة تساعد في تتبع إنتاج وصادر الذهب، من خلال أنظمة رقمية متقدمة، وبالشراكة مع الجانب التركي عبر منشأة صك العملة (درب خان) التركية، إلى جانب بنك التكنولوجيا بتركيا التابع للأمم المتحدة".

وأشار عبد الدائم إلى أن "المحور الثاني يتمثل في ابتكار آليات تمويل جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة، من بينها تمويل مشاريع البنية التحتية باستخدام نماذج مثل BOT والشراكة بين القطاعين العام والخاص (3P)، بما يخفف العبء المالي عن الدولة ويضمن استمرار تنفيذ المشاريع الحيوية دون استنزاف الموارد العامة".

ولفت إلى أن "المحور الثالث يقوم على تعزيز الشراكات الدولية في مختلف القطاعات، إلى جانب إعادة بناء القدرات المؤسسية والتنموية، والحصول على المساعدات الفنية، بما يسهم في دعم الاستقرار المالي، وتهيئة البيئة اللازمة للانتقال من إدارة الأزمة إلى مسار تعافٍ اقتصادي أكثر استدامة".

تداعيات انخفاض الجنيه السوداني
وأكد أن "استمرار انخفاض الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية منذ نيسان/ أبريل 2023 يعكس تداعيات الحرب أكثر مما يعكس ضعفا في كفاءة السياسة النقدية"، موضحا أن "فقدان العملة المحلية لجزء كبير من قيمتها ارتبط أساسا بعوامل قاهرة فرضها الصراع، وفي مقدمتها النقص الحاد في الإيرادات القومية، وتوقف التحويلات الرسمية، وتعطّل الإنتاج وتقليص حجمه بصورة جوهرية، إلى جانب اضطراب حركة التجارة الخارجية وتأثر النظام المصرفي بشكل مباشر بالحرب".

وأضاف عبد الدائم أن "هذه العوامل مجتمعة انعكست سلبا على مستويات الدخل والإنتاج والتصدير، وأدت إلى تراجع الإيرادات الدولارية، ما زاد من الضغوط على سعر الصرف وأضعف القدرة الشرائية للمواطنين"، مؤكدا أن "ما جرى لا يمكن فصله عن السياق العام للحرب وتداعياتها الواسعة على مفاصل الاقتصاد كافة".

وأوضح أن "هذا الانهيار في سعر الصرف أسهم في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية قاربت حاجز 200 بالمئة خلال عام 2024، بحسب بيانات البنك المركزي السوداني، غير أن المؤشرات الأحدث تُظهر بوادر تحسّن؛ إذ سجّل تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الصادر في كانون الأول/ ديسمبر 2025 انخفاض معدل التضخم خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي ليبلغ نحو 74 بالمئة، وهو ما يعكس بداية مسار تصحيحي وإن كان لا يزال هشّا".

وأشار إلى أن "الأثر الاجتماعي كان بالغا، حيث تراجع الدخل الحقيقي للأسر بصورة جوهرية تلامس حاجز 70 بالمئة، ما فاقم من الضغوط المعيشية"، لكنه شدد في المقابل على أن "هذه الأرقام لا تمثل حكما نهائيا على مستقبل الاقتصاد السوداني؛ فتجارب دول عديدة خرجت من حروب مدمرة - من رواندا إلى كولومبيا - مرت بمراحل مشابهة قبل أن تنطلق في مسارات تعاف ونمو".

وزاد: "الفارق الحاسم في هذه المرحلة يتمثل في توفر الإرادة السياسية، والشراكة الدولية، ووجود خطة مالية واقعية ومقنعة"، معتبرا أن "هذه العناصر باتت متاحة اليوم في السودان، وأن حسن إدارتها يمكن أن يحوّل مرحلة الانكماش الحالية إلى نقطة انطلاق نحو التعافي والاستقرار الاقتصادي".

رقمنة القطاع المالي والاقتصادي
ورأى أن "الحديث عن انقسام جغرافي في النظام المالي والمصرفي السوداني لا يستند إلى واقع فعلي"، موضحا أن "النظم المالية والمصرفية في البلاد ذات طبيعة اتحادية، وتعمل بصورة متواصلة وبكفاءة مقبولة رغم الظروف الاستثنائية التي فرضتها الحرب، والتحدي الحقيقي لا يكمن في الانقسام بقدر ما يكمن في إدارة المرحلة الانتقالية وتعزيز الاستقرار المالي".

وتابع: "من أبرز أولويات الوزارة على المدى المتوسط الاستمرار في برنامج رقمنة القطاع المالي والاقتصادي، لما له من دور محوري في تعزيز الشفافية، وترسيخ الحوكمة الرشيدة، ورفع كفاءة الأداء المؤسسي، وزيادة فعالية الدولة في إدارة الموارد ومراقبة الإنفاق، بما يحد من الهدر ويعزز الثقة في النظام المالي".

وأوضح أنه "على المدى القصير تتركز الأولويات في تعزيز كفاءة الإنفاق العام، والاستمرار في دعم برامج الإعانة والإغاثة الإنسانية، إلى جانب تمويل الخدمات الأساسية، وعلى رأسها قطاعات الصحة والمياه والخدمات الحيوية الأخرى، فضلا عن إطلاق خطوات عملية لدعم التعافي الأولي في المناطق الأكثر تضررا".

اظهار أخبار متعلقة


وأشار عبد الدائم إلى أن "الرؤية طويلة الأمد تقوم على مواصلة إصلاح نظم المالية العامة، وبناء نظام محاسبي ومالي مرن وفعّال وشفاف، قادر على الصمود أمام الأزمات، إلى جانب توسيع فرص التمويل، والبحث عن شراكات دولية تسهم في تطوير البنى المالية والرقمية أو دعم تحديثها، وتعزيز الاندماج في النظام المالي العالمي".

وشدّد على أن "دمج الاقتصاد غير الرسمي يُشكّل محورا أساسيا في هذه الرؤية، من خلال حوافز ضريبية مدروسة، وبرامج تمويل مصغّر، بما يسهم في توسيع القاعدة الاقتصادية، وزيادة الإيرادات المستدامة، ودعم الاستقرار المالي على المدى الطويل".

أرقام غير دقيقة
وانتقد وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، الأرقام المتداولة بشأن ارتفاع نسبة الفقر من 21 بالمئة إلى 71 بالمئة، موضحا أنه هذه النسب غير صحيحة، ولا يعرف الأسس المنهجية التي تم الاعتماد عليها للوصول إليها، ولا سيما في ظل غياب بيانات دقيقة وتقارير مالية مكتملة أو مؤشرات اقتصادية شاملة يمكن الاستناد إليها علميا في هذه المرحلة الاستثنائية.

وواصل حديثه قائلا إن "السودان يظل بلدا غنيا بثرواته الطبيعية النادرة، ويتمتع بقدرات كامنة كبيرة، رغم التحديات العميقة التي فرضتها الحرب وتدهور الخدمات العامة وتراجع دخول الأسر"، مؤكدا أن "السودانيين يمتلكون القدرة على التعافي وإعادة الإعمار متى ما توفرت الظروف الملائمة والاستقرار المطلوب".

وأوضح أن "من بين مظاهر الصمود الاقتصادي ما يمكن وصفه بـ (الاقتصاد البستاني)، حتى على مستوى الأسر الصغيرة، حيث تعتمد العديد من العائلات على الزراعة المنزلية لتأمين جزء من احتياجاتها الغذائية، مشيرا إلى أن "بعض حكومات الولايات، بحسب ما هو مطّلع عليه، شرعت في توزيع بذور محسّنة وتشجيع الأسر على الزراعة داخل المنازل أو في مساحات محدودة، بما يسهم في تحقيق حد أدنى من الاكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه".

وأشار عبد الدائم إلى أن "الحاجة إلى المساعدات الإنسانية تظل أمرا طبيعيا في سياق الحروب، نتيجة فقدان مصادر الدخل الرئيسية وتعطّل دورة الحياة الاقتصادية"، مؤكدا أن "التحدي الحقيقي يتمثل في الانتقال من الاعتماد على الإغاثة إلى بناء سبل عيش مستدامة تعيد للمواطن قدرته على الإنتاج، وتخفف تدريجيا من حدة الفقر والاعتماد على الدعم الخارجي".

خطة إعادة الإعمار
وأضاف أن "أبعاد خطة الحكومة السودانية لإعادة الإعمار تنطلق من واقع شديد التعقيد تحكمه محدودية الموارد واستمرار التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهو ما فرض على الحكومة تبنّي مقاربة مختلفة تقوم على التخطيط الدقيق وترتيب الأولويات، والتركيز على المشاريع ذات العائد المزدوج التي تجمع بين البُعد الخدمي والجدوى الاقتصادية في آن واحد، بدلا من الذهاب إلى إعادة إعمار شاملة تفوق الإمكانات المتاحة في هذه المرحلة".

وأردف: "ما يُعرف بخطة (نصف إعمار) لا يعكس تراجعا عن أهداف إعادة البناء، بل هو خيار واقعي ومرحلي يهدف إلى كبح الانهيار وتهيئة الأرضية للتعافي"، موضحا أن "جسر الحلفايا يُشكّل نموذجا عمليا لهذه الرؤية؛ إذ لا يقتصر دوره على تسهيل حركة المرور، بل يسهم في إعادة ربط شبكات الكهرباء، ويعيد تشغيل المصانع المتوقفة، وتنشيط الدورة الاقتصادية، ورفع عائدات الجمارك بنحو 40 بالمئة، فضلا عن دوره الحيوي في نقل البضائع وحركة العمال ودعم التجارة والصادرات".

وأوضح عبد الدائم أن "الوزارة تعمل بالتوازي على تطوير شراكات ذكية مع القطاعين الإقليمي والدولي، ولا سيما في مجال الطاقة البديلة، من خلال نماذج تمويل مبتكرة مثل نظم BOT أو التشغيل ثم النقل، بما يخفف العبء الرأسمالي عن الدولة، وينقل كلفة التنفيذ إلى طرف ثالث مع الحفاظ على ملكية الأصول العامة".

وأشار إلى أن "هذه المقاربة تتيح للحكومة تمويل جزء من العجز عبر خلق إيرادات غير ضريبية مستدامة، تسهم لاحقا في دعم التنمية الشاملة"، مؤكدا أن "الهدف النهائي هو الانتقال التدريجي من إدارة الأزمة إلى بناء اقتصاد أكثر توازنا وقدرة على الصمود، وصولا إلى مرحلة إعادة إعمار كاملة عندما تتوافر الظروف المالية والسياسية والأمنية الملائمة".

آلية مركزية لإدارة التعافي
وكشف عبد الدائم أن "هناك مساعٍ جادة لإنشاء آلية مركزية لإدارة التعافي وإعادة الإعمار"، موضحا أن "لجانا قومية تعمل على مستويات وزارية رفيعة ظلّت، منذ فترة طويلة، تضطلع بمهام إعادة تهيئة بيئة العاصمة الخرطوم تمهيدا لعودة مؤسسات الدولة والمواطنين، وقد نجحت إلى حد كبير في تحقيق تقدم ملموس على هذا الصعيد".

وأضاف أن "لجانا أخرى متخصصة قامت بدراسة وتقييم حجم الخسائر الناجمة عن الحرب في مختلف القطاعات والمؤسسات، وعملت على وضع خطط تعاف قطاعية تأخذ في الاعتبار الأولويات العاجلة ومتطلبات المرحلة المقبلة، وهذه الخطط تمّت ترجمتها، وجرى تبادلها مع المنظمات المعنية من الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات التنمية الدولية"، مشيرا إلى أن "هذه اللجان تضم في عضويتها وزراء وأكاديميين ومهنيين وخبراء، ما يوفر قاعدة فنية وتنفيذية متكاملة تسهم في إدارة مرحلة التعافي بشكل منسق وتمهّد للانتقال إلى إعادة الإعمار الشامل".

وأشار الوزير السوداني، إلى أن "تركيا تُعد شريكا محوريا في مسار التنمية وإعادة الإعمار في السودان، استنادا إلى سجلّها السابق في تنفيذ مشاريع استراتيجية داخل البلاد"، مؤكدا أن "السودان أجرى لقاءات مباشرة مع عدد من الشركات التركية الكبرى، التي أبدت استعدادها للمضي قدما في استكمال وترميم الكباري التي كانت قد أنشأتها في وقت سابق، في خطوة تعكس التزاما عمليا بدعم جهود إعادة التأهيل".

وأوضح أن "العمل جار حاليا على بحث فرص التمويل بالتنسيق مع بنك الصادرات التركي، إلى جانب تطوير صيغ شراكات أخرى متعددة، تهدف إلى تسريع عمليات الترميم وإعادة التشغيل، وضمان تنفيذها وفق معايير فنية عالية، بما يسهم في إعادة ربط المدن، وتحسين الخدمات الصحية، ودعم التعافي الاقتصادي الشامل".

فرصة تاريخية نادرة
وفي قراءة استشرافية لمستقبل الاقتصاد السوداني خلال المرحلة المقبلة، قال إن "السودان يقف اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة لإعادة بناء اقتصاده على أسس أكثر صلابة واستدامة، إذا ما أُحسن توظيف موارده وإدارة مرحلة ما بعد الحرب برؤية استراتيجية شاملة".

اظهار أخبار متعلقة


وأكمل: "البلاد تمتلك ثروات طبيعية هائلة ومتنوعة، في مقدمتها الذهب، والموارد الزراعية الواسعة، إضافة إلى إمكانات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية، مدعومة بموقع جغرافي استراتيجي يجعل السودان حلقة وصل بين أفريقيا والعالم العربي، وممرا طبيعيا للتجارة الإقليمية والدولية، ما يفتح آفاقا واسعة لجذب الاستثمارات وإعادة دمج الاقتصاد في سلاسل القيمة العالمية".

وذكر أن "التحول الرقمي يمكن أن يُشكّل أحد أعمدة التعافي الاقتصادي، من خلال الاستثمار في الرقمنة والذكاء الاصطناعي لتحديث الإدارة العامة، وتحسين كفاءة الخدمات، وتعزيز الشفافية، وتقليص الاقتصاد الموازي، بما يسهم في استعادة الثقة المحلية والدولية في الاقتصاد السوداني".

ولفت إلى أن "العنصر البشري يظل أحد أهم عناصر القوة؛ إذ يمتلك السودان كادرا شابا ومهنيا واسعا، يتمتع بمهارات عالية وقدرة على الابتكار والعمل في ظروف معقدة، وهو ما يؤهله للاضطلاع بدور محوري في إعادة البناء والتعمير، شريطة توفير بيئة سياسية مستقرة، وبرامج تدريب وتمكين، وسياسات تشجع على بقاء الكفاءات واستعادة العقول المهاجرة".

واختتم بقوله إن "بناء شراكات استراتيجية إقليمية ودولية فاعلة سيبقى عاملا حاسما في إنجاح هذا المسار، سواء عبر الاستثمارات المباشرة، أو نقل التكنولوجيا، أو دعم مشاريع البنية التحتية والإنتاج"، مؤكدا أن "مستقبل الاقتصاد السوداني مرهون بقدرة الدولة على تحويل هذه الفرص الكامنة إلى مشاريع عملية تُحدث نقلة نوعية في مسار التنمية والاستقرار".
التعليقات (0)