في لحظة
تاريخية تعاني فيها
مصر من واحدة من أخطر أزماتها الاقتصادية، خرج إلى العلن خبر
شراء عبد الفتاح
السيسي طائرة رئاسية فاخرة تتجاوز قيمتها نصف مليار دولار، بخلاف
تكاليف تشغيل وصيانة وتأمين باهظة تُدفع سنويا من المال العام. خبر واحد كان كافيا
لفضح التناقض الفج بين خطاب السلطة وواقع ممارساتها، وبين ما يُطلب من الشعب
تحمّله، وما تمنحه لنفسها بلا خجل.
منذ
سنوات، يكرّر السيسي على مسامع المصريين جملة واحدة: "إحنا فقراء أوي"؛
جملة استُخدمت لتبرير رفع الأسعار، وتآكل الدعم، وبيع أصول الدولة، وتحميل المواطن
وحده تكلفة الفشل. لكن طائرة النصف مليار دولار جاءت لتكشف الحقيقة العارية:
الفقر
ليس سياسة عامة، بل عقوبة تُفرض على الشعب فقط، بينما تعيش السلطة في عالم موازٍ
من البذخ والاستعراض.
ترف رئاسي
فاحش في دولة غارقة بالديون
كل ذلك بالدولار، في وقت تعاني فيه مصر نقصا حادا في العملة الأجنبية، وتستجدي القروض من المؤسسات الدولية. السؤال البديهي: كيف يُطلب من الشعب التقشف، بينما تُمارس الرئاسة أقصى درجات الرفاهية؟
الدين
الخارجي لمصر بلغ مستويات غير مسبوقة، وأقساطه أصبحت تلتهم الجزء الأكبر من
الموازنة العامة، الدولة تقترض لسداد
ديون سابقة، وتبيع أصولها لتوفير سيولة
مؤقتة، وتفرض مزيدا من الأعباء على المواطنين. في هذا السياق الكارثي، يصبح إنفاق
أكثر من نصف مليار دولار على طائرة رئاسية فعلا صادما لا يمكن تبريره بأي منطق
اقتصادي أو سياسي.
هذه
الطائرة ليست مجرد وسيلة نقل، بل منظومة استنزاف دائم للعملة الصعبة: صيانة دورية،
وقود، أطقم تشغيل، تحديثات تقنية، وتأمين خاص. كل ذلك بالدولار، في وقت تعاني فيه
مصر نقصا حادا في العملة الأجنبية، وتستجدي القروض من المؤسسات الدولية. السؤال
البديهي: كيف يُطلب من الشعب التقشف، بينما تُمارس الرئاسة أقصى درجات الرفاهية؟
خطاب
الفقر الرسمي.. حين تصبح الكذبة سياسة
خطاب "إحنا
فقراء أوي" لم يعد مجرد توصيف اقتصادي، بل تحوّل إلى أداة سياسية لإسكات
الغضب وتبرير القمع، فكلما احتج الناس على الغلاء، قيل لهم: لا بديل، وكلما طالبوا
بالشفافية، اتُّهموا بعدم الفهم أو بالخيانة.
لكن شراء
طائرة رئاسية بهذا الحجم وفي هذا التوقيت يسقط هذا الخطاب بالكامل، فلا يمكن لحاكم
يدّعي الفقر أن ينفق بهذا السخاء على رفاهيته الشخصية. هنا لا نتحدث عن سوء تقدير،
بل عن استخفاف بعقول المصريين وإهانة مباشرة لمعاناتهم اليومية.
في الدول
التي تحترم شعوبها، يخضع إنفاق الرئاسة لرقابة صارمة ومساءلة علنية. أما في مصر
السيسي، فكل ما يخص القصر الرئاسي محاط بالسرية، وكأن المال العام ملك خاص لا يحق
لأحد مساءلة صاحبه.
حكم
العسكر والاقتصاد: طريق واحد نحو الانهيار
لا يمكن
فصل هذه الفضيحة عن طبيعة الحكم العسكري ذاته، فالعسكر لا يديرون الدول بعقلية
الاقتصاد والتنمية، بل بعقلية السيطرة والاستعراض. غياب المحاسبة، وتضخم
الامتيازات، وتهميش المجتمع المدني، كلها عناصر أدت إلى فشل اقتصادي متراكم.
طائرة
السيسي ليست استثناء، بل نتيجة طبيعية لنظام لا يرى في الدولة سوى مؤسسة أمنية
كبيرة، ولا يرى في الشعب سوى كتلة يجب إخضاعها. لذلك تتراكم الديون، وتضيع الفرص،
وتُهدر الموارد، بينما تستمر مظاهر البذخ داخل دائرة الحكم.
2026 عام الكرامة والتغيير السلمي
إن التغيير السلمي لم يعد خيارا نخبويا، بل ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقّى من الدولة، واستعادة الكرامة، وبناء مستقبل يستحقه المصريون
في مواجهة
هذا الواقع، أعلن أنس حبيب ورفاقه أنهم لن يصمتوا بعد اليوم على هذه المهازل،
ودعوا إلى أن يكون عام 2026 هو عام الكرامة والتغيير السلمي، عام إنهاء حكم
العسكر، وإزالة عبد الفتاح السيسي من المشهد السياسي بوسائل سلمية واعية ومنظمة.
التغيير
السلمي ليس فوضى ولا مغامرة، بل مسار وطني ضروري بعد أن أُغلقت كل أبواب الإصلاح.
هو استعادة السياسة من قبضة الدبابة، وبناء دولة مدنية حديثة تحترم المال العام،
وتخضع فيها السلطة للمساءلة، ويكون فيها الشعب مصدر الشرعية الحقيقي.
الختام
طائرة
النصف مليار دولار ليست مجرد فضيحة مالية، بل رمز مكثف لنظام يعيش في ترف معزول عن
شعبه، ويطالب المصريين بالجوع باسم الوطنية. استمرار هذا النهج يعني مزيدا من
الانهيار، ومزيدا من الغضب المكتوم، ومزيدا من فقدان الثقة بين الدولة والمجتمع.
إن
التغيير السلمي لم يعد خيارا نخبويا، بل ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقّى من الدولة،
واستعادة الكرامة، وبناء مستقبل يستحقه المصريون.
سؤال
للقراء: هل يمكن لمصر أن تنهض في ظل سلطة تطالب شعبها بالصبر والفقر، بينما تنفق
المليارات على رفاهية الحاكم، أم أن عام 2026 سيكون بداية استعادة الكرامة وإنهاء
حكم العسكر؟