في الوقت الذي ظهرت في جماعة ثورية تدعو للتغيير المسلح لنظام الحكم في
مصر على الطريقة السورية، فقد ظهرت دعوات مناهضة لتلك الفكرة مؤكدة أن مصر ليست
سوريا، وداعية رأس النظام عبدالفتاح
السيسي، إلى الاستجابة لمطالب المعارضة، وتخفيف القبضة الأمنية، وفتح المجال العام، والإفراج عن المعتقلين، حتى لا تصل
القاهرة إلى السيناريو السوري.
وأعلن المعارض المصري المقيم في سوريا، صاحب هاشتاغ "جاك الدور يا ديكتاتور"، أحمد حماد المنصور، السبت، تشكيل "حركة ثوار 25 يناير"، بهدف إسقاط السيسي وهو ما أثار جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومتحفظ ومتخوف ومعارض لهذا التوجه.
وأعلن الناشط أحمد دومة، رفضه هذا التوجه، قائلا: "معركة 25 يناير أصلا هي التخلص من حكم المسدس، لا تغيير هوية حامله".
وفي السياق، أكد الناشط شادي الغزالي حرب، على ضرورة التغيير السلمي، قائلا: "ثورة يناير وميدان التحرير هيفضلوا في ذاكرة العالم كله رمزا للتغيير السلمي، ماحدش هيقدر يغير الحقيقة دي، سواء أعداءها أو المتمسحين بيها".
وكتب الصحفي سليم عزوز، قائلا: "الذي يدعو إلى ثورة مسلحة في مصر لا يعرف مصر"، مضيفا عبر "فيسبوك": "والذي يعتقد أنه يمكن استنساخ نموذج حميدتي في مصر لا يعرف مصر"، مؤكدا أن "الذي يتصور أنه ساعة الجد سيجد اتحاد القبائل وذراعه السياسي (الحزب الجديد) يقوم بأدوار الشرطة أو الجيش في الشارع، لا يعرف مصر".
وتابع: "لست قلقا من العرجاني (رئيس اتحاد قبائل سيناء) أو من مليشيات البلطجية، فأكثر ما يقلق على مصر، هو حكم من ضلع أعوج... ".
"نداء صباحي وأمنية ساويرس"
وطالب السياسي المصري حمدين صباحي، السيسي، بالإفراج عن كل سجناء الرأي، محذرا إياه من أن ما يجري في "عالمنا العربي تحولات عميقة وخطيرة"، مؤكدا أن "مواجهة الأخطار القائمة في الإقليم والمنطقة يأتي من اللحمة الوطنية عبر سيادة الدستور والقانون، وفتح المجال العام عبر الآليات الديمقراطية الدستورية، وبالحرص الواعي من الشعب والدولة على الوحدة الوطنية التي تحصن مصر وتصون أمنها واستقرارها".
وعبر صفحته على موقع "إكس"، أثار الملياردير نجيب ساويرس الجدل بتعليق على تصريح لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي حول الملف السوري بالاجتماع الوزاري العربي في الرياض.
عبد العاطي قال: "يجب إعلاء المصلحة الوطنية"، وأكد أن "مصر تدعو لعملية سياسية شاملة في سوريا دون إقصاء لأي طرف، وإفساح المجال للقوى السياسية الوطنية أن يكون لها دور في إدارة المرحلة الانتقالية".
وهو ما علق عليه ساويرس بالقول: "وفي مصر كمان نرجو ذلك".
"المؤامرة والأحمق"
وتحت عنوان "المؤامرة"، أشار رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق، عبدالعظيم حماد، إلى وجود منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي "تحذر من المؤامرة المستمرة لتركيع مصر، وبعضهم يحذر من التقسيم"، مؤكدا أن الخطر ليس خارجيا بل بسبب الخطايا والجرائم الداخلية.
وتساءل: "إذا كنتم تقصدون إسرائيل، فقد وصفت مبارك بأنه كنز استراتيجي لها وكانت بعد ذلك أفضل محام للنظام الحالي، وإذا كنتم تقصدون الولايات المتحدة، فما الخطر الذي تمثله مصر على مصالحها منذ تفاهمات السادات كيسينجر؟".
وتابع تساؤلاته: "وإذا كنتم تتحسسون رؤوسكم بسبب رأس الذئب السوري الطائر، فليست المؤامرة الخارجية هي التي أسقطت ذلك الرأس، بل العكس فقد كان ذلك النظام يعيش فقط بفضل الحماية الخارجية".
وخلص إلى القول: "ولكن السبب هو الخطايا والجرائم الداخلية التي جعلت الشعب عدوا لحكامه والحكام أعداء لشعبهم"، خاتما بالحكمة القائلة: "لا يبلغ العدو من أحمق ما يبلغه الأحمق من نفسه".
وفي مقابل تلك الدعوات، يواصل النظام قراراته المثيرة للجدل والخانقة للمجال العام، مع استمرار حبس المعارضين والتضييق على المعتقلين والتعامل الأمني الغليظ مع كل صاحب رأي.
وفي سياق التضييق، وافق مجلس النواب المصري الاثنين، على منح النيابة العامة سلطة إصدار أوامر بضبط أو مراقبة أو الاطلاع على وسائل الاتصال ومنها الحسابات على السوشيال ميديا أو الإيميلات أو الهواتف المحمولة.
ذلك الجدل يأتي في الوقت الذي يتوجس فيه السيسي، وأجهزته الأمنية من نتائج الغضب الشعبي المتفاقم مع اقتصاد البلاد المتردي، ومعاناة أكثر من 107 ملايين مصري في الداخل من الفقر والتضخم مع أزمات دين خارجي تفوق الـ155 مليار دولار، وتراجع دراماتيكي لقيمة العملة المحلية، بجانب حملات القمع الأمني، واستمرار اعتقال أكثر من 60 ألف معارض.
والسؤال: "هل ينحني السيسي لعاصفة التغيرات الإقليمية وخاصة الحادثة في سوريا منذ فرار بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي وتولى رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع الإدارة الجديدة، ويحقق السيسي بعض مطالب المعارضة المصرية؟".
"ليست انحناء بل مسؤولية"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري والبرلماني السابق المحامي عاطف عواد، إن "الاستجابة لمطالب الجماهير، وتخفيف القبضة الأمنية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وفتح المجال السياسي، وكذلك التعاطي مع التحديات الإقليمية؛ ليست انحناء بل هي مسؤولية سياسية لأي حاكم يريد استقرار الدولة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "تلك مطالب مشروعة للمؤيد والمعارض للحفاظ على تماسك الدولة".
وعن التجربة السورية، فيرى عواد، أنه "من المبكر الحكم عليها"، مشيرا إلى أن "الثورات لا تُستنسخ؛ ولكن على مصر أن تقوم بالدور المنوط بها في التحول السياسي الذي يحدث في سوريا بحجم وقدر مصر بالمنطقة وعدم ترك الساحة لتركيا لتكون اللاعب الرئيسي بسوريا".
وأضاف: "أيا ما كان شكل الحكم هناك فالسياسة تحتم علينا ألا نترك دول الجوار يعاد رسم خريطتها السياسية في غيبة مصر، وإذا كانت الوحدة مع سوريا بالسابق قرارا سياسيا وتنسيق حكومات، فبعد استضافة السوريين في مصر فإن استضافة الإخوة وليست استضافة اللاجئين باتت مطلبا شعبيا للسوريين، التقارب مع مصر".
وشدد على ضرورة أن "يستثمر الساسة في مصر هذا الزخم لتكون الأيادي المصرية فاعلة في إعادة الإعمار، وأيضا في بناء المؤسسات ومدهم بالخبرات المصرية في كل مجال".
وختم مؤكدا أن "لمصر خصوصيتها؛ والإصلاح السياسي الحقيقي في تصوري أفضل من التغيرات الدراماتيكية".
"لن ينحني السيسي للعاصفة"
كانت تلك إجابة السياسي والحقوقي المصري الدكتور أشرف عبدالغفار، على سؤال "عربي21"، وأضاف: "بل كما يرى الجميع فهو يزيد من قبضته الأمنية وكأنه يسعى لتفجير الموقف دون أن يدري".
وأكد أنه "لكي نفهم نفسية السيسي، وأمثاله، فلا بد أن نعود لما فكر فيه فرعون حينما قال (أنا ربكم الأعلى)، فهي هنا حتى ولو لم تقل باللسان فهي بالأفعال، مثل (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، والإحساس بالعظمة في (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي)، فقد كتبت على جدران قصر لو أنفقت الأموال التي ضاعت فيه ما ضاعت مصر ولا ضاع شعبها في جوع وفقر ومرض وعوز".
وقال: "من هنا نفهم أن هؤلاء الحكام إذا وصل بهم الأمر لهذه المرحلة لن يقتنعوا أبدا بأنهم قد يموتون مثلا أو يُخلعون من مناصبهم، بل يظن أن كل شيء سينتهي لصالحه، ولا يمكن لكائن من كان أن ينزع منه سلطانه، ولا ننسى يوم أن قال مبارك (خليهم يتسلوا)".
ويعتقد القيادي في جماعة الإخوان المسلمين أن "التغيير لن يأتي بطلب من الشعب أو المعارضة الوهمية للسيسي"، مؤكدا أنها "معارضة لا قيمة لها، فكلهم يقومون بدور الديكور المسموح به من السيسي نفسه".
ويرى أن "التغيير يأتي بتهديد يفزع السيسي، ويضطره للخروج من المشهد، إما بضغط خارجي ممن أتوا به بأن دورك قد انتهى، ولا مكان لك بعد الآن؛ وأظن أن هذا سبب انزعاجه الشديد مما يحدث في سوريا".. "أو أن ينقلب عليه الجيش لأسباب؛ إما بتوجيه من الخارج أو خوفا من فقدان كل شيء، فيتم التضحية به بدلا من التضحية بمكانة الجيش نفسه".
وواصل: "أو عبر حراك شعبي قوي يجبر الجميع على التنازل عن ما وصلوا إليه من مناصب وما ارتكبوا من جرائم فساد وتدمير للوطن".
ويرى أن "دعوة الشعب للخروج على السيسي، هي الأفضل والأصدق والأكثر فائدة لمصر"، مؤكدا أننا "لا نحتاج حاكما يأتي به الغرب لمصلحته ومصلحة إسرائيل، وكفى ما نحن فيه ورؤيتنا لغزة وهي تذبح ولا نستطيع فعل شيء لأهلنا".
وأضاف: "وكذلك الغرب بعدما توحش أصبح حينما يبحث عن مصلحته لا يراعي حتى ولو هامشا يفيد أصحاب البلد"، مبينا أنه "لا نريد أيضا، الجيش لنكرر ما حدث لمصر منذ 1952 وما تلاها حتى الآن، لا نريد للجيش سوى القيام بواجبه وزيادة قدراته العسكرية والتفرغ تماما لمواجهة أعداء الوطن والأمة".
وخلص في قراءته إلى القول: "نريد ثورة شعبية تأتي برجل مصري من أبناء مصر المدنيين المحبين لبلدهم، وعليه من الرقابة ما لا يسمح بتكرار مآسي هذا الوطن الكريم، والذي يكاد أن يضيع بسبب السيسي والعسكر والسيطرة الخارجية".
"في غنى عن هذا"
وأعرب الكاتب محمد عبدالشكور، عن أسفه، قائلا: "للأسف لا بد أن نعرف أن النظام لن يتغير بسهولة"، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "وأنا ضد أي ثورة مسلحة أو استخدام العنف"، مؤكدا أن "مصر ليست سوريا، والجيش المصري ليس الجيش السوري، فمصر جيشها من كل أطياف الشعب لا علاقة له بتيار أو حزب أو قبيلة".
وأعرب عن أمنيته في أن "يفتح النظام باب الحريات الاجتماعية والسياسية حيث يستطيع الشعب التعبير عن نفسه واختيار حاكمه دون تعرض الوطن لأي مشكلات نحن في غنى عنها".
"ظهور أفاد النظام"
من جانبه، قال الكاتب الصحفي سيد أمين، لـ"عربي21": "دعنا أولا نقدر تأثيرات ظهور أحمد المنصور، والفيديو الأخير الذي بثه، ويحمل إيحاءات بنقل المعارضة السلمية إلى معارضة مسلحة".
وأضاف: "في اعتقادي أن هذا الفيديو أفاد النظام في مصر بشكل كبير جدا لدرجة أنني اعتقدت أن المنصور هو أحد رجاله، وذلك لأن النظام كان يسعى منذ 2013 إلى البرهنة على أن معارضته هي معارضة مسلحة، وسط نفي متكرر منها".
وبين أن "فيديو المنصور، جاء ليحيي هذا الادعاء، ويضمن الدعم الداخلي الذي عادة ما يرفض فكرة الاقتتال وينحاز للسلطة حتى لو كانت سلطة احتلال، وأيضا الدعم الغربي القوي لكونه يسعى للحيلولة دون تكرار المشهد السوري في مصر".
ويعتقد أنه "إذا كان الأمر كله مصطنعا فلا حاجة للنظام للرضوخ للمطالب الغربية أو الداخلية؛ خاصة أنه يعلم أن الغرب يتحدث بلسان مغاير تماما لما يفعله، حيث الانتقاد علنا والدعم المالي والسياسي والعسكري سرا".
ويرى أمين، أنه "إذا ما كان الأمر غير مصطنع؛ والغرب يعلم ذلك، فالغرب هنا سيكون أشد تمسكا بنظامه ككل مهما كانت الكلفة، لكنه قد يسعى لتغيير الأشخاص".
وخلص إلى القول: "وسط ذلك كله فالأمر ملتبس؛ والنظام لا يعير بالا بالضغط الداخلي، لأنه يعرف حدوده ووسائله، فقط يهمنا فهم موقف الغرب منه".
"برفضه السلمي يغذي المسلح"
ويرى رئيس المرصد العربي لحرية الإعلام الإعلامي المصري قطب العربي، أن "النظام المصري يسير حتى الآن عكس اتجاه رياح التغيير في المنطقة، ففي الوقت الذي توقع فيه الكثيرون خلال الشهور الماضية سواء قبل انتصار الثورة السورية وبالأخص بعدها أن يقدم النظام على إجراءات إصلاح وانفتاح سياسي".
العربي، أوضح لـ"عربي21"، أن "تلك الإجراءات مثل الإفراج عن أعداد كبيرة من المعتقلين خاصة النساء وكبار السن والمرضى، ومثل فتح المجال الإعلامي والسماح بتعدد الآراء، والسماح بحرية التعبير، إلا أنه ذهب في الاتجاه المعاكس بفرض تشريعات جديدة تتضمن المزيد من القيود على الحريات مثل قانون الاجراءات الجنائية وقانون المسؤولية الطبية".
وأشار إلى تناقض النظام المصري بقوله: "لقد وجه وزير خارجية السيسي النظام السوري الجديد إلى عملية سياسية شاملة لا تُقصي أحدا من مكونات المجتمع السوري، في الوقت الذي لا يزال فيه النظام المصري نفسه يمارس الإقصاء والتهميش لقوى سياسية عديدة، وحين يدعو إلى حوار فإنه يقصره على جزء من فريق (30 يونيو)، وليس كل المنتمين لها، ناهيك عن رافضي 30 يونيو وما أنتجته من انقلاب عسكري".
ومضى يؤكد أن "النظام المصري يخالف السنن الكونية في ضرورة التغيير، والشعب المصري وقواه السياسية تريده تغييرا سياسيا سلميا، لكن النظام يرفض هذا التغيير السلمي، وهو بذلك يغذي لدى البعض فكرة التغيير المسلح، لأنه يدرك أنها طريقة مرفوضة من الشعب المصري، وبالتالي فهو يغري بها البعض حتى يقعوا في الفخ، ويصبحوا في مواجهة مع الشعب، وساعتها يجد النظام فرصته لتجديد سنوات حكمه".
وخلص إلى القول: "إذا كان هناك من لا يزال يؤمن بحق الشعب في العيش والحرية والعدالة والكرامة، ومن لا يزال يؤمن بضرورة تجنيب الوطن فوضى لا يعرف أحد مداها فعليه أن يتحرك لتحقيق مطالب الشعب بشكل آمن".