"سيتم إدخال المساعدات الإنسانية والوقود عبر
معبر رفح، منذ اليوم الأول من تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار" هذا ما أعربت عنه جُملة مصادر، متفرّقة، عقب يوم واحد من الإعلان الرسمي عن الاتّفاق؛ فيما بات عدد من الأهالي، بقلب قطاع
غزة المحاصر، يتأمّلون على أحرّ من الجمر، الوفاء ببنود الاتّفاق الذي سيدخل حيز النفاذ، يوم الأحد.
ويتضمن الاتّفاق، عبر نقطته الخامسة، موافقة دولة الاحتلال الإسرائيلي على فتح معبر رفح، بعد 7 أيام من بدء تطبيق المرحلة الأولى، إضافة إلى بروتوكول إغاثي وإنساني خلال المرحلة ذاتها بإشراف الوسطاء، مع السّماح بسفر جرحى قطاع غزة للعلاج في الخارج.
جرّاء ذلك، ستتضمّن المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة: توفير مأوى فوري للنازحين عبر إدخال البيوت المتنقلة والخيام، وأيضا إدخال معدات وآليات هندسية لإزالة الركام الناتج عن القصف المستمر. مع السّماح لعدد يتفق عليه من العسكريين الجرحى بالسفر لتلقي العلاج الطبي.
وخلال مطلع الأسبوع المقبل، من المرتقب أن يصل وفد من بعثة المراقبة الأوروبية إلى القاهرة، بغية الإعداد لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. حيث سيعمل على وضع آلية لإعادة تشغيل الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
محطات تاريخية للمعبر
عقب احتلال دولة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، خلال حرب 1967، فإنها قامت بإغلاق الحدود وقطع الاتصال بين غزة ومصر، ناهيك على تضييق الخناق على كافة الغزّيين الذين عانوا المرار من الحصار عليهم من قبل الاحتلال.
وبموجب "معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر" عام 1979، تم إنشاء "معبر رفح" الذي يقع في أقصى جنوب محافظة رفح، وفي قلب جنوب قطاع غزة، وعلى الجهة الغربية من فلسطين، بين الحدود الفلسطينية
المصرية المُعترف بها، ويبعد بحوالي 45 كيلومترا عن مطار العريش المصري.
وبعد انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من سيناء، خلال عام 1982، تم إنشاء "معبر رفح"، بموجب "اتفاقية أوسلو" عام 1993 تم الاتفاق على إعادة فتح المعبر للأفراد والبضائع؛ وظل منذ ذلك الحين تحت إدارة "هيئة المطارات الإسرائيلية" إلى تاريخ 11 أيلول/ سبتمبر من عام 2005، حيث انسحبت دولة الاحتلال الإسرائيلي من غزة، ليقوم إثر ذلك المراقبون الدوليون بالإشراف على الحركة في المعبر حتى الانقسام الفلسطيني في حزيران/ يونيو 2007.
مجدّدا، انطلق الخلاف بخصوص من سوف يتحكم في المعبر، وذلك عقب إشراف حركة حماس على القطاع في حزيران/ يونيو 2007؛ حيث رفضت "حماس" مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في تشغيله، كما أن الرقابة الأوروبية قد توقفت بسبب غياب قوات السلطة الفلسطينية.
وخلال عام 2010، وخاصة عقب أحداث أسطول الحرية لفك حصار غزة، تمت إعادة فتح المعبر جزئيا، من طرف رئيس النظام المصري الأسبق، محمد حسني مبارك. وخلال أحداث ثورة كانون الثاني/ يناير عام 2011، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر أمرا باقتصار فتح المعبر على الحالات الإنسانية الطارئة فقط.
ومن جديد، أعادت القاهرة فتح المعبر، بشكل دائم، لمدة 6 ساعات بشكل يومي، في عهد الرئيس السابق، محمد مرسي؛ ليعاد إغلاقه مجدّدا في شهر تموز/ يوليو من عام 2013، بالإضافة إلى بناء جدار عازل على طول الحدود بين مصر وغزة وأعيد فتح المعبر بشكل جزئي لمدة ثلاثة أيام بالمتوسط شهريا.
وكان رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي يشترط انتظام فتح المعبر، بعودة السلطة الفلسطينية، وبالفعل أعادت السلطة إشرافها على المعبر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، لكنها عادت وانسحبت من إدارته بداية العام 2019، لتعود الهيئة التابعة للسلطات في غزة للإشراف عليه مجددا، لينتظم العمل فيه بعد ذلك في ظل تحسن العلاقات بين النظام المصري وحركة حماس.
ماذا يقول اتفاق 2005؟
بالعودة إلى "اتفاقية المعابر" التي تم توقيعها خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2005 بين كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، والتي اطلعت "عربي21" على بنودها، فإنه: تم تخصيص حركة البضائع إلى "معبر كرم أبو سالم الحدودي"، في حين تم تخصيص "معبر رفح" للأفراد الحاملين لبطاقة الهوية الفلسطينية، مع اشتراط عدد من القيود، أبرزها: إشعار مُسبق لحكومة الاحتلال، وكذا موافقة السلطة الفلسطينية.
وفي منتصف كانون الأول/ ديسمبر عام 2005 ارتفع عدد ساعات العمل إلى 8 ساعات يوميا، فيما استمر وفق هذه الوتيرة إلى حلول عام 2006، حيث وافق الاحتلال الإسرائيلي على تشغيل المعبر لفترة 10 ساعات كل يوم.
أيضا، تقوم السلطة الفلسطينية بإعلام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بخصوص عبور كل من الدبلوماسيين والمستثمرين الأجانب والممثلين الأجانب للهيئات الدولية، وأيضا الحالات الإنسانية، وذلك قبل 48 ساعة من عبورهم؛ فيما ترد حكومة الاحتلال في غضون 24 ساعة، في حالة وجود أي اعتراضات، مع ذكر أسبابها.
وحين قام الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق كافة "المنافذ الستة" بين قطاع غزة وجنوب دولة الاحتلال الإسرائيلي، فقد بات المعبر هو المُتنفس الوحيد لكافة أهالي غزة، فتم فتحه في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2005، لكنه سرعان ما أغلق بعدها بسنتين.
غير أنه بتاريخ 25 حزيران/ يونيو من عام 2006 قام الاحتلال الإسرائيلي بتشديد الحصار على قطاع غزة بشكل وصف بـ"المُخالف لاتفاق المعابر"، وذلك على خلفية وقوع جندي إسرائيلي في أسر المقاومة الفلسطينية في "معبر كرم أبو سالم". فقام الاحتلال بإغلاق تام للمعبر، باستثناء عدد متباعد من ساعات قليلة، لا تلبّي احتياجات سكان القطاع، بهدف الضغط على الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لاتفاقية المعابر.
7 أكتوبر.. النقطة الفارقة
منذ الأسابيع الأولى من بدء العدوان على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، سيطر الاحتلال بشكل مباشر وغير مباشر على عملية فتح المعبر، فيما قصف بوابة المعبر ومنع الحركة بين الجانبين؛ على الرغم من عدم وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود بين مصر وغزة.
وتمكّنت أول دفعة من حملة جوازات السفر الأجنبية والمصابين من غزة من العبور نحو المستشفيات في مصر، بعد جُملة من المفاوضات المكثفة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وذلك عقب "الفتح الجزئي" الذي خلص إليه اتفاق توسطت فيه قطر بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس ومصر بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
آنذاك، أوضح مدير إعلام الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وائل أبو محسن، في بيان له، أن: "عدد المغادرين إلى معبر رفح، بالجانب المصري، ارتفع إلى 335 مسافرا من حملة الجوازات الأجنبية، و22 سيارة إسعاف تقل مصابي العدوان الإسرائيلي على غزة". فيما بثت عدد من القنوات المصرية، بعدها بساعات، مشاهد استقبال المصابين والعالقين من حاملي الجوازات الأجنبية، ممّن تمكنوا من العبور.
انتظار حارق
"15 ألف مسجّل في كشوفات المسافرين بوزارة الداخلية، ينتظرون على أحرّ من الجمر فتح معبر رفح البري بين غزة ومصر"، بهذا الرّقم، أوضح مدير هيئة المعابر والحدود بغزة، ماهر أبو صبحة، ضرورة فتح المعبر بشكل كامل ودائم؛ خاصّة في خضمّ الأوضاع الإنسانية الصّعبة في قطاع غزة المحاصر.
وأكد أبو صبحة، في حديثه لصحيفة "الرأي" أن: "15 ألفا هم من الحالات الإنسانية، كالمرضى والطلاب وأصحاب الإقامات؛ و90 ألفا من أهالي غزة يحتاجون للسفر للخارج" مشيرا إلى أن آخر الإحصائيات لوزارة الداخلية أفادت أنه: منذ مطلع العام الحالي، أُغلقَ معبر رفح الحدودي لمدة 127 يوما، فيما فُتحَ لمدة 5 أيام فقط، وهو ما فاقم الأوضاع الإنسانية بقلب القطاع.
وبحسب عدد من الصحف المصرية، فإن: "السّلطات قد رفعت درجة الاستعداد بمعبر رفح البري، حيث تلقّت إدارة الحجر الصحي، توجيهات، من وزارة الصحة المصرية، لمراجعة كل التجهيزات اللازمة للتعامل مع أي مستجدات".
من جهتها، تعمل جمعية الهلال الأحمر في شمال سيناء، في الفترة الحالية، على فرز آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية المخزنة في العريش، استعدادا لنقلها إلى غزة عبر المعبر الذي يوصف بكونه "شريان الحياة"؛ وذلك فور صدور التوجيهات. وتشمل هذه المساعدات مواد غذائية وأدوية ومستلزمات طبية.
إلى ذلك، رصدت "عربي21" عددا من الصور ومقاطع فيديو، جابت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات القليلة الماضية، توثّق لطوابير الشاحنات التي تمتدّ لعدة كيلومترات في منطقة العريش، شمال شرقي مصر، في انتظار بفارغ الصبر، لحظة فتح المعبر، ليتمكنوا من إدخال المساعدات لغزة، والمساهمة في تخفيف معاناة استمرّت للشهر السادس عشر.
في الوقت الراهن، يتراوح عدد شاحنات المساعدات الإنسانية، التي تصل يوميا إلى قطاع غزة، من الجانب المصري بين 50 إلى 90 شاحنة فقط، ومن المرتقب أن يصل هذا العدد لـ600 شاحنة يوميا، بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، بحذافيره.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد أعلن الأربعاء، في مؤتمر صحفي، عن نجاح الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لافتا إلى أنه سيبدأ تنفيذه الأحد المقبل.
من جهته، أكّد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحافي، الثلاثاء، مع وزير خارجية لوكسمبورغ، زافيير بيتل، أنّ: سرعة التوصل بجدية لاتفاق ستساعد في إدخال مساعدات بكميات كبيرة دون مشروطية، في ظل وجود مجاعة كبيرة بالقطاع؛ وذلك في إشارة غير مباشرة لفتح معبر رفح.
ويأتي الإعلان عن التوصّل للاتفاق في اليوم الـ467 من حرب الإبادة الجماعية التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي، على القطاع، وخلّفت بدعم أمريكي، ما قدّر بـ157 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.