مقالات مختارة

لنستمر في نصرة غزة…

إكس
انتهت الجولة الأولى من معركة طوفان الأقصى بنصرٍ مُؤزَّر وتضحيات جسام لإخواننا في فلسطين، فهل سَيتقبل الغرب هذه النتيحة؟ هل سيترك الفلسطينيين يتدبَّرون أمرهم بهدوء وحرية؟ أم أنه سيواصل حربه ضدهم بوسائل أخرى؟ وما العمل في هذه الحالة؟؟

بكل تأكيد لن يوقف الصهاينة ولا الغرب حربهم كما يزعمون، بل سيواصلونها بوسائل أخرى أكثر شرا وقدرة على التخريب، بدلالة أنهم استمروا إلى آخر لحظة في القتل والإبادة حتى بعد الإعلان الأولي عن وقف إطلاق النار، مُعبِّرين عن حقدهم الدفين على شعوبنا وعن مدى رفضهم لأي تطلع لنا نحو الحرية والاستقلال!!

لذلك تنبغي اليقظة من اليوم الأول لِما بعد الحرب الأخيرة على غزة، بل ينبغي استباق المخططات القادمة بما يُفشلها قبل وقوعها…

والمدخل الأول سيكون بأن نمنع الاستثمار في معاناة إخواننا في فلسطين من خلال إفشال جميع محاولات استغلال حالة الضعف الاقتصادي والمادي التي تركتهم عليها حرب الإبادة، وبخاصة إفشال محاولة استغلال ذوي الحاجة من أرامل وأيتام ومعطوبين ومرضى ومشردين من غير مأوى وبطالين لتحقيق أهداف لم تستطع الحرب تحقيقها…

علينا الوقوف إلى جانب كل هؤلاء في هذا الوقت بالذات، لأننا إذا لم نقف معهم وقفة رجل واحد، سيكون خذلاننا لهم أكبر من عدم مد يد العون لهم في زمن الحرب. لا حُجّة لأي كان اليوم بأنه لا يستطيع الدعم المادي والمعنوي، الأبواب ستكون مفتوحة والمطلوب هذه المرة ليس المشاركة في الحرب إنما المشاركة في البناء وترميم الجراح والأخذ بأيدي الضعفاء ممن زادتهم حرب الإبادة ضعفا.. ينبغي أن يتسع التضامن بعد اليوم ولا يخفت، تضامن الشعوب والحكومات والمنظمات بلا استثناء، ذلك أن معركة طوفان الأقصى لم تنته، بل بدأت في شقها الأطول، وعلى كل من لم يستطع المساهمة في الجهاد الأصغر أن يساهم في الجهاد الأكبر، وهو أكبر بحق!

أما المدخل الثاني لأعداء هذا النصر، فسيكون من خلال المساومة بالمساعدات، أو الابتزاز من خلالها، أو الاختراق بواسطتها، سيسارع من كان يُرسل القنابل والطائرات ويحرض على التدمير والقتل ليعلن تقديم هذه المساعدة أو تلك، بل قد يكون من الأوائل للقيام بذلك، إنجليز، امريكان، فرنسيين…

وغيرهم سيُلوِّحون بمساعدة غزة في محنتها، ولن تستطيع غزة الجريحة أن ترفض، وستضطر إلى ذلك اضطرارا إذا ما تخلف أهلها عنها…

لذلك علينا أن نبادر وأن نستبق الفعل… أليس من الأجدر أن يتكفل أغنياء العرب والمسلمين بميزانية “الأنروا” على سبيل المثال؟ لماذا تُترَك هذه الهيئة الأممية لِلغربيين في معظمها وقد فعلوا ما فعلوا بغزة؟ أليس من الأجدر أن تُبادر الدول الإسلامية لإنشاء صندوق بملايير الدولارات لصالح غزة فتكفيهم عناء السؤال والانتظار من الآخرين؟ أليس من واجب الشعوب الإسلامية أن تجمع خارج نطاق الحكومات ملايير الدولارات الأخرى لنفس الغاية. أليست هذه هي مرحلتها؟

بعد اليوم لن يكون هناك حصار، سيضطر الكيان إلى فتح المعابر، وستعود البنوك إلى سابق عهدها، وسيتم الإعلان عن الحاجات الطارئة لسكان غزة بدون شك في الأيام القادمة، لذا ينبغي الإسراع بالمساهمة في هذا الباب، حتى لا تحتكر جهات معينة هذا الجانب، وحتى لا تَمُن جهات أخرى على إخواننا الفلسطينيين بالمساعدات أو تساومهم أو تبتزهم..

إن المرحلة التالية من معركة طوفان الأقصى لن تكون أقل شراسة من المرحلة السابقة، وإذا لم نستبق ساحتها بالتدخل الفعَّال على كافة المستويات، فسنكون كمن تنكَّر لدماء الشهداء وتضحيات النساء والأطفال والرجال من كل الأعمار…

إن الأشهر الأولى بعد نهاية كل ثورة تكون حاسمة في تحديد مسارها المستقبلي، فلا نترك غزة تقاوم وحدها.. ومَن شعر بالتقصير في الجولة الأولى من المعركة فها هي الجولة الثانية قد بدأت ولِيُصحِّح الأخطاء…

إن الأعداء، المنهزمين اليوم سياسيا ونفسيا رغم استخدامهم لكافة أشكال القوة المفرطة في المرحلة السابقة، لن يستسلموا، وسيستخدمون أكثر من وسيلة ومكيدة لإفراغ نصر اليوم من محتواه، لكنهم لن يُفلحوا، ذلك أن عبقرية الشعب الفلسطيني أثبتت أكثر من مرة أنها الأقدر والأقوى، فقط هي في حاجة إلى دعم جاد وصادق بلا خلفيات ابتزاز ومساومة يُمكِّنهم من مواجهة الدعم المليء بالفخاخ الذي هدفه الأول اليوم، هو إفراغ كل النّصر المحقق من محتواه.. فلا نتردد في منع ذلك.. ولنستمر في دعم غزة ونصرتها بكل ما نستطيع…

الشروق الجزائرية