سياسة دولية

روسيا وحلم المياه الدافئة.. ماذا تعرف عن قواعدها العسكرية بالشرق الأوسط؟

يسعى بوتين لتحقيق حلم القياصرة في الوصول إلى مياه الشرق الأوسط - إكس
بعد إعلان وزير الخارجية السوداني علي يوسف، أمس الأربعاء، عن التوصل إلى اتفاق مع موسكو بشأن إنشاء قاعدة بحرية روسية على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر٬ يطرح تساؤل عن القواعد العسكرية الروسية في الشرق الأوسط وأفريقيا٬ وأهدافها وتاريخ تواجدها.

وتُعدّ القاعدة العسكرية المزمع تدشينها في السودان٬ خطوة استراتيجية لتعزيز نفوذ موسكو في منطقة البحر الأحمر والقارة الأفريقية.

تقع هذه القاعدة في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، وتتيح لروسيا نقطة انطلاق بحرية مهمة، مما يعزز قدرتها على مراقبة وتأمين المصالح الروسية في المنطقة.

وخلال زيارته أكد وزير الخارجية السوداني، أن هذه الخطوة لا تشكل تهديدًا لسيادة الخرطوم، ومقارنًا ذلك باستضافة جيبوتي لعدة قواعد عسكرية أجنبية.

يُذكر أن الاتفاقية الخاصة بإنشاء هذه القاعدة وُقّعت في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وتمت مراجعتها بعد الإطاحة به في عام 2019.

 الدب القطبي يبحث عن المياه الدافئة
بالنسبة لروسيا، تأتي أهمية هذه القاعدة في ظل التحديات التي تواجه وجودها العسكري في سوريا، حيث تُعتبر بديلاً محتملاً لقاعدة طرطوس البحرية، خاصة مع التغيرات السياسية في دمشق. كما يُتوقع أن تُخفف هذه القاعدة من الضغوط اللوجستية على القوات الروسية العاملة في أفريقيا، وتعزز قدرتها على دعم العمليات العسكرية والتجارية في القارة.

مع ذلك، يثير هذا التواجد العسكري الروسي المحتمل في السودان تساؤلات حول تأثيره على توازن القوى الإقليمي، خاصة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. قد يؤدي ذلك إلى زيادة التنافس بين القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، مما قد يؤثر على أمن واستقرار المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى هذه الخطوة كجزء من استراتيجية روسية أوسع لتعزيز وجودها في أفريقيا، خاصة بعد سقوط النظام السوري والحاجة إلى تأمين مواقع استراتيجية بديلة. يُذكر أن روسيا كانت قد دعمت كلا الجانبين في الحرب الأهلية السودانية قبل أن تتحول نحو دعم الحكومة بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان.

روسيا تحقق حلم القياصرة
 لطالما كان حلم الوصول إلى المياه الدافئة يراود قياصرة روسيا، وكان التواجد الروسي في الشرق الأوسط هدفاً رئيسياً لسياستهم الخارجية. ويواصل اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السعي لتأسيس قواعد عسكرية روسية في الدول العربية، متبعاً خطى أسلافه في تحقيق هذا الحلم.

واجه حلم القياصرة الروس في الوصول إلى المياه الدافئة عقبات كبيرة، أبرزها وجود الدولة العثمانية، التي كانت تحظى بدعم فرنسي وبريطاني لمنع ترسخ النفوذ الروسي في البحر المتوسط.

كان الاتحاد السوفيتي هو من نجح في تحقيق حلم القياصرة بالتواجد في الشرق الأوسط، وذلك بفضل سياسات الغرب الاستعمارية التي أدت إلى صعود حركات القومية العربية في عدة دول.

وهذه الحركات التي سعت إلى التحرر من النفوذ الغربي، تقاربت مع الاتحاد السوفيتي طلباً للدعم العسكري والاقتصادي. ومن هنا، بدأ الروس في تأسيس قواعد عسكرية في الدول العربية الحليفة، أبرزها مصر في عهد جمال عبد الناصر، حيث امتلك الاتحاد السوفيتي قاعدة بحرية في مدينة سيدي براني حتى عام 1972. كما كانت هناك قواعد سوفيتية في سوريا واليمن الجنوبي في عدن وجزيرة سقطرى٬ وإريتريا عندما كانت جزءاً من إثيوبيا.

بوتين يعيد الأمجاد
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تراجع التواجد الروسي في الشرق الأوسط بشكل كبير بسبب الأزمات الاقتصادية والعسكرية التي واجهتها روسيا. ومع ذلك، أعاد الرئيس بوتين إحياء هذا الحلم من خلال التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، والذي مثّل لحظة محورية في سياسة موسكو بالمنطقة.

وجاء هذا التدخل في ظل انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وتراجع دورها، مما سمح لروسيا بإعادة بناء علاقاتها مع دول مثل إيران وتركيا، وأصبحت هذه الدول الثلاث تتحكم في مصير سوريا بدور محدود للغرب.

سوريا.. مستقبل مجهول
يتمثل الوجود الروسي الأبرز في سوريا في قاعدتين عسكريتين رئيسيتين: قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية. وقد تحولت قاعدة حميميم من مطار صغير إلى مدينة عسكرية متكاملة، مجهزة بأحدث أنظمة الدفاع الجوي مثل "إس-400" و"بانتسير-إس1"، وتضم مرافق معيشية مريحة للجنود الروس.


أما قاعدة طرطوس، فهي القاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في البحر المتوسط، وتلعب دوراً استراتيجياً في تعزيز الوجود البحري الروسي.

وقد منح نظام المخلوع بشار الأسد روسيا هذه القواعد مقابل التدخل العسكري الروسي بعد الثورة ووأد الشعب السوري.

وبحسب موقع "أناليزي ديفيزا" الإيطالي فإن مفاوضات تجري بين روسيا والسلطات السورية الجديدة، تركز على مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وذلك في ظل التحولات السياسية الكبرى التي أعقبت سقوط نظام الأسد.

وأشار الموقع إلى أن موسكو تسعى جاهدة للحفاظ على وجودها العسكري في قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، إلا أن الإدارة السورية الجديدة تطالب بإجراء تعديلات على الاتفاقيات السابقة. كما تطرح فكرة تسليم بشار الأسد مقابل ضمان استمرار الوجود الروسي في البلاد.

مصر.. البحث عن موطئ قدم
أما في مصر، بدأت روسيا في استعادة نفوذها خلال عهد رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، حيث أُجريت محادثات حول إنشاء قاعدة عسكرية روسية في سيدي براني. وتشير تقارير إلى أن هذه القاعدة ستضم عدة آلاف من جنود المشاة الروس. ومع ذلك، فإن الإعلان الرسمي عن هذه القاعدة قد يسبب توتراً في العلاقات المصرية الأمريكية٬ بسبب أن القاهرة هي ثاني دولة في العالم حصولا على المعونة الأمريكية بعد الاحتلال الإسرائيلي.

من المتوقع أن يصبح التواجد الروسي في البحر المتوسط أكثر قوة خلال السنوات القليلة المقبلة، مع
إنشاء قواعد عسكرية إضافية في المنطقة.

ومع ذلك، فإن تكلفة بناء وصيانة هذه القواعد ستكون باهظة، حيث قد تصل إلى نصف مليار دولار سنوياً. وفي الوقت نفسه، ستواصل روسيا تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، مستغلة الفرص التي تتيحها التغيرات الجيوسياسية في المنطقة.