سياسة دولية

ما هي أسباب سحب الجنسيات في الكويت وهل لها علاقة بالركود؟

تم تجريد نحو 42 ألف شخص في الكويت من جنسيتهم خلال ستة أشهر- الأناضول
تشهد الكويت حملة غير مسبوقة لسحب الجنسية من آلاف المواطنين، وهي خطوة أثارت جدلاً واسعًا حول دوافعها وتداعياتها على المجتمع الكويتي، إذ تم تجريد نحو 42 ألف شخص من جنسيتهم خلال ستة أشهر؛ بحجة حصولهم عليها بطرق غير قانونية.

وجاء في تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، أنه عندما سجل فيصل دخوله في مطار الكويت الدولي أواخر العام الماضي، كان رجل أعمال شابا يسافر كثيرا، ويحمل أحد أقوى جوازات السفر في العالم العربي.

وأضاف التقرير "أن فيصل لم يصعد على متن الطائرة قط، وعندما غادر المطار لم يعد كويتيا، ويقول إنه احتجز مؤقتا قبل الصعود إلى الطائرة، وتم أخذ جواز سفره، ليصبح واحدا من حوالي عشرات الآلاف الذين جردوا من جنسيتهم في غضون ستة أشهر فقط".

وتعلق الصحيفة بأن "التحرك هو آخر خطوة في التراجع الذي تشهده الكويت، التي كانت تزعم أنها الدولة الوحيدة التي تتمتع بمظهر من مظاهر الديمقراطية في منطقة الخليج التي تحكمها أنظمة ملكية مطلقة".

وأكدت السلطات أن هذه الخطوة تستهدف الأشخاص الذين حصلوا على جوازات سفرهم بطرق احتيالية، لكن المعارضين وصفوها بأنها حملة للتضحية بالمواطنين المجنسين. 

وقال فيصل، وهذا ليس اسمه الحقيقي: "في ليلة وضحاها، أصبحت بلا جنسية، وكل ما أفكر به الآن هو المغادرة والإقامة في دبي، وأريد الفرار من هناك؛ لأن الوضع بات يعطي الشعور بالديكتاتورية". 

وقال الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح العام الماضي، إنه لن يسمح للديمقراطية "لأن تستغل وتدمر الدولة"، حيث علق الأمير الكويتي البرلمان المنتخب الصاخب وبعض مواد دستور البلاد لمدة أربع سنوات، كما تم إيقاف الانتخابات الطلابية والتصويت على المجالس التعاونية منذ ذلك الحين، بحسب ما ذكر تقرير الصحيفة.

وقوبل تعليق الديمقراطية بمقاومة ضئيلة في الداخل أو الخارج، ما يمثل تحولا في الكويت، التي ليس لديها أحزاب سياسية، لكنها تتمتع بممارسات ديمقراطية راسخة. 

ونقلت الصحيفة عن كريستين سميث ديوان، الباحثة المقيمة البارزة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: "في السابق، كان الكويتيون يحشدون للدفاع عن مؤسساتهم الديمقراطية، وكانت القوى الخارجية تتدخل لدعمهم"، أما "اليوم، فيشعر الكويتيون بالخوف من إلغاء الجنسية، والولايات المتحدة صامتة". 

وأضاف ديوان أن الجنسية هي حق إنساني أساسي، إلا أن المجتمع الدولي "لا شهية" له لمواجهة وتحدي الكويت، بينما تقول السلطات الكويتية إن حملة تجريد الجنسية يستهدف المجرمين الدوليين والذين حصلوا وبطريق الغش على منافع الضمان الاجتماعي الذي تقدمه الدولة لمواطنيها. 

وقد حصلت الحملة على نفس الدعم العام كذلك الذي يحصل عليه قادة أحزاب اليمين في الغرب والمعارضين للهجرة، إلا أن المشاعر سرعان ما تحولت على منصات التواصل الاجتماعي الصاخبة في البلاد، حيث تبين أن حوالي ثلثي هؤلاء الذين جردوا من الجنسية، هن من النساء اللاتي تخلين عن جنسياتهن السابقة للحصول على الجنسية، بعد الزواج وبشكل قانوني من مواطنين كويتيين، على الرغم من أن عددا غير معروف منهن ربما احتفظن بشكل غير قانوني بجوازات سفرهن الأصلية. 

وخاطب نائب في البرلمان الكويتي المعلق الحكومة قائلا: "لقد تجاوزت الخط عندما دخلت بيوت الكويتيين".

 وتنشر الحكومة كل أسبوع ومنذ عدة أشهر، قائمة بأسماء الأشخاص الذين سحبت منهم الجنسية، حيث يقوم الكويتيون وبخوف مسحها بحثا عن أسمائهم، أصدقائهم أو أفراد عائلتهم. وأنشأت الحكومة خطا ساخنا للإبلاغ عن الأشخاص الذين حصلوا على جوازاتهم بطرق الاحتيال. وقد خسر أخرون جنسيتهم بعدما حصلوا عليها نظرا للخدمات التي قدموها للبلد، ومنهم الممثل المعروف داوود حسين ونوال الكويتية، مع أن اسمها يحمل اسم الكويت. 

وقد تأثرت نسبة 3% من سكان الكويت البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة مما يعني أن معظم الكويتيين يعرفون اسما من الذين سحبت الجنسية منهم، وقد ترك هذا أسئلة حول هوية البلد كبلد تجاري ومنفتح. ونقلت الصحيفة عن بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت قوله إن الانسجام الاجتماعي "تعرض للضغط في الأشهر الأخيرة" و"تراثنا كبلد هو عن الترحيب بالناس". 

وقد دافعت الحكومة عن هذه السياسة، ففي برنامج حواري الأسبوع الماضي، دافع وزير الداخلية فهد اليوسف، مهندس حملة سحب الجنسية عن الحملة مجادلا أن المحاولات السابقة لمعالجة هذه القضية قد عرقلتها الجمعية العمومية التي تم تعليق أعمالها الآن. وقال: "لقد وصلنا إلى مرحلة لم يكن لدينا فيها خيار سوى اتخاذ إجراء سريع وحاسم في ملف الجنسية. والله وحده يعلم أين ستكون الكويت إذا انتظرنا لفترة أطول".

وتشير الصحيفة أن بعض التراجعات الديمقراطية الأخرى وجدت مؤيدين. وبسبب الإحباط من ركود الدولة الغنية بالنفط، في حين مضت الدول المجاورة لها بخطط التنمية الطموحة، يلقي العديد من الكويتيين باللوم على البرلمان المتشرذم لعرقلته الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها. 

وقال ممول كويتي إن "أكبر شيء هو الديمقراطية وحرية التعبير"، و"هل نخسر هذا لتنظيف البلد؟".

ويعتبر المواطنون المجنسون هدفا سهلا في الكويت. فمنذ استقلالها في عام 1961، ناضلت الملكية من أجل التوفيق بين من ينبغي أن يكونوا جزءا من الدولة ومن لا ينبغي أن يكونوا جزءا منها، ما يعني أن عشرات الآلاف من أبناء القبائل البدوية الذين يعيشون داخل حدودها هم عديمو الجنسية أو كما يعرفون بـ"البدون". 

وتدعو نكتة محلية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تعهد بطرد ملايين المهاجرين غير المسجلين للقدوم إلى الكويت والتعلم من نجاحها في التخلص من غير المواطنين. 

وقال مسؤول حكومي سابق إن إلقاء اللوم على الكويتيين المجنسين هو "نفس النوع من الحجج التي تسمعها في أوروبا. باستثناء أنهم مواطنون حقيقيون، وليسوا لاجئين". 

وتشير إحصائية نشرتها صحيفة "الجريدة" الكويتية هذا العام إلى أن إجمالي عدد الذين سحبت جنسياتهم بلغ 32,715 شخصا، وهو الرقم الذي أكدته صحيفة "فايننشال تايمز" من خلال تقارير إخبارية حكومية. 

وذكرت "الجريدة" أن 9,464 شخصا آخرين أضيفوا إلى هذا العدد لاحقا. ويقول منتقدو الحكومة إنها تعمل على تأجيج المشاعر القومية لصرف الانتباه عن الركود الاقتصادي في الكويت، الذي يزعم كثيرون أنه من الصعب إصلاحه، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن 80 بالمئة من ميزانية الدولة تذهب إلى الرعاية الاجتماعية والقطاع العام، ما لا يترك سوى القليل للاستثمار في البنية التحتية أو المشاريع الكبرى.