طب وصحة

الضوضاء.. "قاتل صامت وسم بطيء" يهدد الصحة العامة في المدن الصاخبة

يمتد ضرر الضوضاء إلى رفع مخاطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم- الأناضول
حذر تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" من التأثيرات الصحية الخطيرة للضوضاء، مشيرا إلى أنها أصبحت "أزمة صحة عامة" غير مرئية، تؤثر على حياة الملايين حول العالم.

ويؤكد الخبراء أن الضجيج لا يقتصر تأثيره على الإضرار بالسمع، بل إنه يمتد إلى رفع مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري من النوع الثاني، بل وربما الخرف أيضا.

ونقل التقرير عن البروفيسورة شارلوت كلارك، من جامعة سانت جورج في لندن، قولها إن الضوضاء "أزمة صحية يتعرض لها عدد هائل من الناس يوميا"، موضحة أن تأثيرها يتجاوز مجرد الشعور بالإزعاج، إذ إنها تثير استجابة فسيولوجية داخل الجسم.

وأضافت أنه "عندما تسمع الأصوات، تنتقل إلى الدماغ، حيث تقوم اللوزة الدماغية بتقييمها عاطفياً، ما يؤدي إلى استجابة من الجهاز العصبي"، موضحة أن هذه الاستجابة تُعرف باسم "القتال أو الهروب"، وهي آلية تطورت لمساعدتنا على التعامل مع الأخطار، لكنها عند التعرض للضوضاء لفترات طويلة تتحول إلى عامل ضار.

وتابعت كلارك قائلة: "يرتفع معدل ضربات القلب، ويبدأ الجهاز العصبي بالنشاط، ويزداد إفراز هرمونات التوتر. هذا قد يكون مفيداً في حالات الطوارئ، لكنه يسبب أضراراً صحية مع مرور الوقت".

وأضافت أن التعرض المطول للضوضاء قد يؤدي إلى "زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري من النوع الثاني"، لافتة إلى أن هذا التأثير يحدث حتى أثناء النوم، حيث "تبقى الأذنان تعملان، ما يؤدي إلى استجابات جسدية حتى لو بدا أن الشخص معتاد على الضوضاء".

وأظهرت دراسات حديثة أن الضوضاء تعد أحد العوامل المؤثرة في الصحة العامة، وقد تكون خطورتها مماثلة لتلوث الهواء.

وأشارت الدكتورة ماريا فوراستر، الباحثة في منظمة الصحة العالمية، إلى أن الضوضاء تتسبب في "12 ألف حالة وفاة مبكرة سنويا في أوروبا، إلى جانب ملايين الحالات من اضطرابات النوم الشديدة"، وفقا للتقرير.

وأكدت فوراستر أن مستوى الضجيج الصحي للقلب يجب ألا يتجاوز الـ53 ديسيبل، موضحة أنه "كلما ارتفع مستوى الضوضاء، زادت المخاطر الصحية. هذا يعني أننا بحاجة إلى بيئة هادئة نوعاً ما خلال النهار، ومستويات أقل من الضوضاء أثناء الليل لضمان نوم صحي".

وترى فوراستر أن تأثير الضوضاء على الصحة "يعادل تلوث الهواء"، لكنها أوضحت أن التوعية بهذه المشكلة لا تزال غير كافية.. وقالت: "اعتدنا على فهم تأثير المواد الكيميائية على صحتنا، لكن من الصعب تقبل فكرة أن عاملاً فيزيائياً مثل الضوضاء يمكن أن يؤثر على الجسم بهذه الطريقة".

وفي برشلونة، تعد الضوضاء مشكلة متفاقمة، حيث تُسجّل المدينة حوالي 300 نوبة قلبية و30 حالة وفاة سنوياً بسبب ضوضاء المرور فقط.

والتقت "بي بي سي" مع بكوكو، وهي من سكان منطقة فيلا دي غراسيا التاريخية، والتي عبّرت عن معاناتها اليومية قائلة إنه "صاخب جدا طوال الوقت… لا يوجد هدوء أبدا".

وأوضحت أن منزلها، الذي كان يفترض أن يكون ملاذا من ضغوط العمل، أصبح مصدر توتر مستمر بسبب ضوضاء الجيران وحفلات الموسيقى وأصوات نباح الكلاب في ساعات متأخرة من الليل.

وأضافت: "لقد دخلت المستشفى مرتين بسبب آلام في الصدر، وأنا متأكدة أن الضوضاء لها علاقة بذلك".

وفي محاولة لمعالجة المشكلة، تم اقتراح إنشاء أكثر من 500 "حي فائق"، وهي مناطق صديقة للمشاة تهدف إلى تقليل الضوضاء وتحسين جودة الحياة.

وقالت الدكتورة ناتالي مولر، من معهد برشلونة للصحة العالمية، إن تطبيق هذه الفكرة "قد يمنع حوالي 150 حالة وفاة مبكرة سنويا بسبب الضوضاء"، لكنها أشارت إلى أن المشروع واجه عقبات، إذ تم تنفيذ ست مناطق فقط حتى الآن.

أما دكا، عاصمة بنغلاديش، فقد صُنفت كواحدة من أكثر المدن ضوضاء في العالم بسبب الازدحام المروري واستخدام أبواق السيارات بشكل مكثف. هذا الوضع دفع الفنان مومينا رامان رويال إلى إطلاق احتجاجات صامتة ضد التلوث الضوضائي.

وقال رويال: "كل يوم، أقف عند تقاطع طرق مزدحم وأرفع لافتة كبيرة تحمل رسالة للسائقين لوقف استخدام الأبواق. أريد أن أمنع جميع أنواع الأبواق، ليس فقط في دكا، بل في بنغلاديش كلها".

من جانبها، أكدت وزيرة البيئة البنغلاديشية، سيدة رضوانة حسن، أن الحكومة بدأت باتخاذ خطوات للحد من مستويات الضوضاء.. وقالت: "نحن قلقون للغاية بشأن التأثيرات الصحية للضوضاء، ونعمل على تطبيق قوانين أكثر صرامة وحملات توعية. الأمر لن يُحل في عام أو عامين، لكنه ممكن على المدى الطويل".

وفي ظل تزايد التحضر وازدحام المدن، تتفاقم مشكلة الضوضاء، ما يجعل البحث عن حلول أكثر إلحاحا. ويرى الخبراء أن إيجاد بيئات حضرية أكثر هدوءاً ليس رفاهية، بل ضرورة للصحة العامة.

وأكد الدكتور مسرور عبد القادر، من جامعة المهنيين في بنغلاديش، أن الضوضاء هي "قاتل صامت وسم بطيء"، داعيا إلى تعزيز الوعي بهذه المشكلة وتوفير مساحات أكثر هدوءا في المدن لمساعدة السكان على الهروب من الضجيج.