كتب

"الأحواز" بين القومية العربية والمطامع الفارسية.. تاري هيمنة إيران على الإقليم

شكل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م بارقة أمل للأحوازيين باعتبار الثورة البديل الديمقراطي عن حكم الشاه، ولكن خاب ظنهم عندما لم تلتفت قوى الحكم إلى مصالحهم القومية.. الأناضول
الكتاب: الهيمنة الإيرانية على إقليم الأحواز العربي 1925-1979م
الكاتبة: ابتهال عبد الحميد شامخ.
الناشر: شركة مدبولي، الطبعة الأولى، 2024م.
عدد الصفحات: 370 صفحة.

ليس من المفاجأة أن العديد من المطلعين على تاريخ المنطقة العربية لا يستطيع التفريق بين عروبة إقليم الأحواز أو فارسيته، فتاريخ هذا الإقليم لم يأخذ حقه بالتدوين والمتابعة خاصة فترة الهجمة الاستعمارية الشرسة على المنطقة العربية التي قسمتها إلى دويلات متنافرة، حكمها بالانتداب تارة والوصاية تارة أخرى، واقتطع منها لنفسه مناطق كانت محور التنافس الاستعماري كفلسطين ولواء الإسكندرونة والأحواز.

هذه الدراسة التي وضعتها الدكتورة ابتهال الشامخ، غطت فيها إقليم الأحواز بجغرافيته وتاريخه
العربي، قبل الهيمنة الإيرانية عليه، وضمه لما له من أهمية خاصة من ناحية إستراتيجية، إذ يساهم الإقليم بحوالي نصف الناتج القومي الصافي لإيران، وأكثر من 80 من صادراتها، ومما يؤكد على أهمية الإقليم ما صرح به الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي "إيران با خوزستان زنده است"، ومعناه إيران تحيا بالأحواز.

الموقع:

يقع إقليم الأحواز جنوب غرب إيران، يحده من الشمال سلسلة جبال كردستان، ومن الشرق جبال البختيارية، وهما جزء من جبال زاجروس، التي تعد الحدود الطبيعية الفاصلة بين الأحواز وايران، ومن الجنوب الخليج العربي، ومن الغرب جمهورية العراق، أي أنه لا يوجد بينه وبين الوطن العربي أي فواصل طبيعية، لذلك اللغة العربية هي اللغة السائدة في الأحواز(ص23).

أصل التسمية:

عرف الأحواز خلال عصر ما قبل الميلاد ب" أيلامنو" أي بلاد عيلام، نسبة إلى العيلاميين الذي قطنوه، وأسماه الفرس بخوزستان، ومع انتشار الإسلام فيه سمي بالأحواز، وهو الاسم العربي الأصيل مفرده حوز، ومصدر معناه في اللغة حاز الرجل الشيء، أي بحوزته حوزاً إذا حصله وملكه، وعرف عن عند الفرس بالأهواز، إذ لا يوجد في اللغة الفارسية حرف الحاء، كما أطلقوا عليها عربستان، ومن أهم مدنه، الأحواز، المحمرة، الفيلية، عبدان، الفلاحية، السوس، تستر، درزفول.

يقع إقليم الأحواز جنوب غرب إيران، يحده من الشمال سلسلة جبال كردستان، ومن الشرق جبال البختيارية، وهما جزء من جبال زاجروس، التي تعد الحدود الطبيعية الفاصلة بين الأحواز وايران، ومن الجنوب الخليج العربي، ومن الغرب جمهورية العراق، أي أنه لا يوجد بينه وبين الوطن العربي أي فواصل طبيعية، لذلك اللغة العربية هي اللغة السائدة في الأحواز(ص23).
أقيمت في الأحواز عدة دول عربية منها: الدولة المشعشعية العربية أسست عام 1436، مؤسسها محمد بن فلاح بن هبة الله، وعاصمتها الحويزة حافظت على استقلالها حتى سقطت عام 1724م، وخلفتها الدولة الكعبية بين عامي 1724-1925م، التي يرجع أصولها لقبيلة بني كعب، بمدينة "القبان" وكان أول أمراءها الشيخ علي بن ناصر بن محمد، الذي تمكن من توسيع إمارتها بالسيطرة على الدولة المشعشعية، لكن الدولة الكعبية دخلت في مواجهة مع الدولة العثمانية وشركة الهند الشرقية البريطانية، بعد انتهاء عهد العلاقات الوطيدة بين الدولة الكعبية وبريطانية، فتقول الكاتبة:" تعتبر علاقة بريطانيا بالشيخ خزعل صفحة من صفحات النفوذ البريطاني في المنطقة، فقد وجدت فيه حاكماً قوياً اتفقت مصالحه الاستقلالية مع مصالحها، حين كانت تسعى لمنع امتداد النفوذ الروسي إلى الخليج العربي"، لذلك وطدت بريطانيا مع الشيخ خزعل، لجذبه في أي نزاع انجليزي روسي مرتقب يمتد إلى جنوب إيران. (ص40)

نظراً لمساعي الشيخ خزعل نحو تثبيت استقلاله الموروث ضد الهيمنة الإيرانية، رحب بالتقارب البريطاني لتأمين موقفه في مواجهة أطماع حكومة إيران" تعتبر علاقة بريطانيا بالشيخ خزعل صفحة من صفحات النفوذ البريطاني في المنطقة، فقد وجدت بريطانيا فيه حاكماً قوياً اتفقت مصالحه الاستقلالية مع مصالحها حين كانت تسعى لمنع امتداد النفوذ الروسي إلى الخليج العربي، لذلك وطدت بريطانيا علاقاتها مع الشيخ خزعل، لجذبه في أي نزاع انجليزي روسي مرتقب يمتد إلى جنوب إيران"، بدأت العلاقات تتوطد بين الطرفين عام 1895م، من خلال الوكالة القنصلية البريطانية في المحمرة، ومن ثم حاز وليم نوكس دارسي على امتياز النفط الذي منحه حق اكتشاف النفط والغاز في مناطق عدة من إيران من أهمها الأحواز، وتم اكتشاف أول حقل غاز عام 1908م في منطقة مسجد سليمان، وكان ذلك بداية ظهور أول صناعة نفطية في الشرق الأدنى ( ص43).

حصل الشيخ خزعل على تعهد بريطاني بحماية استقلال امارته ضد أي اعتداء خارجي، وحقه في توريث الحكم لأبنائه وأحفاده؛ لذلك قامت بتأجير الأراضي لشركة النفط البريطانية، على اعتبار أنها أرض الشيخ خزعل الذي قدمت له الأموال كواردات، بلغت قيمتها 650جنيها بريطانياً تقول الشامخ: " أكدت الاتفاقية بصورة لا تقبل الشك اعتراف الحكومة البريطانية بالسيادة العربية في إمارة الأحواز، وأنها ستساعده ضد أي عدوان إيراني يؤثر على الإقليم؛ والمحافظة على حقوق الشيخ الموروثة وعلى ممتلكاته، وأن يمتد ذلك إلى ورثته وخلفائه".

عدت العشائر العربية موقف الشيخ خزعل المناصر لبريطانيا عدواً للدولة العثمانية، بفعل التضامن الديني، ومن ثم قامت تلك العشائر في فبراير 1915م، بنسف خط أنابيب نفط الموصل لمصفاة عبدان، ونهبت عشيرة مخازن شركة النفط الأنجلو الفارسية، وتمرد بنو كعب، وبنو طرف على الشيخ خزعل، وهنا تدخلت بريطانيا لاحتلال أراضيها وحماية مصالحها النفطية من العشائر العربية في الأحواز، وبذلك انقسمت الأحواز خلال الحرب العالمية الأولى، بين حاكم أيد البريطانيين فخذلوه، وبين محكومين قاتلوا البريطانيين فعوقبوا.

اهتمت روسيا تلك الفترة بإقامة علاقات صداقة مع الشيخ خزعل، فتم تأسيس قنصلية روسية في المحمرة لحماية التجارة الروسية، والنشاط الروسي في إقليم الأحواز، لذا توافد الرحالة الروس إلى هذه المنطقة، وقام المسيو باسيك القنصل العام في بوشهر، بزيارة المحمرة، كما اهتمت هولندا بمشاريع الري في إقليم الأحواز، أما بالنسبة لعلاقة الشيخ خزعل بالدولة العثمانية، فكانت تتسم بالاحترام المتبادل، وعندما قامت الثورة التركية عام 1908م،  أظهر الشيخ خزعل ارتياحه للتطورات السياسية في الدولة العثمانية، وأعلن انتماءه لجميعة الاتحاد والترقي التي قامت بالثورة على السلطان عبد الحميد الثاني ( ص48).

علاقة الشيخ خزعل بالكويت وفلسطين:

وثق الشيخ خزعل علاقاته بالدول العربية القريبة، ومنها الكويت التي وصل أوج قوتها في عهد الشيخ مبارك الصباح، الذي كانت تربطه بهم علاقات صداقة قديمة فازدهرت العلاقات السياسية والتجارية بين الطرفين، حتى بنى الشيخ مبارك قصراً لصديقه إلى جانب قصره في الكويت، وخصص خزعل للشيخ مبارك قصراً في مدينة الفيليه، وفي حربه الأخيرة ساعد الشيخ خزعل الشيخ مبارك مع عبد العزيز الرشيد أمير حائل 1901م، وزوده بالأسلحة والعتاد، وأمن طرق التجارة بين البلدين من القراصنة.

كما ناصر الشيخ خزعل قضية فلسطين، فاستقبل الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين عام 1924م، الذي طلب من الشيخ العون والمساعدة للشعب الفلسطيني في مواجهة خطر الصهيونية التي كانت في مراحلها المبكرة من مشروعها الاستيطاني في فلسطين، ووفر له الشيخ خزعل المساعدات المالية لشراء السلاح، ودعم الثوار الفلسطينيين كما أوضحت الصحف الفلسطينية في حينه( ص57).

الاحتلال الفارسي، وتفريس إمارة الأحواز:

شعرت بريطانيا أن الشيخ خزعل لديه توجهاته القومية العربية، التي باتت تشكل خطرا على مصالحها في مياه الخليج العربي، فكان لا بد من استبداله بحاكم أخر، يكن لها الولاء، في الوقت الذي ظهر على المسرح رضا خان بطموحه الفارسي، والدعم البريطاني غير المحدود وتأييدها غير المحدد لاحتلال الأحواز، لذلك تضمنت حملة رضا خان العسكرية إلى إمارة الاحواز عام 1925، اسقاط حكم الشيخ خزعل، تقول الكاتبة" كانت العقبة الأولى التي وقفت أمام سياسة الدولة الفارسية هي إمارة الأحواز التي حصلت عليها بموجب اتفاقية أرضروم الثانية عام 1847م، بين العثمانيين والفرس، حين تنازلت الدولة العثمانية عن إقليم الأحواز مقابل حصولها على بعض مناطق محافظات العراق الشمالية المسماة بالسليمانية، حيث تنازلت الأستانه عن المحمرة وجزيرة خضر، ومينائها، وجميع الأراضي الواقعة على الضفة الشرقية من شط العرب؛ لذا شكلت أملاك الشيخ خزعل خطراً يهدد أطماع رضا خان التوسعية، فكان لا بد من القضاء على حكمه، واحتلال إمارة الأحواز العربية؛ مما يعني تحقيق السياسة الفارسية لأهدافها في القضاء نهائياً على التيار القومي العربي المتمثل في الدولة الكعبية برئاسة الشيخ خزعل المنافس للقومية الفارسية(ص66).

قبل أن يتوجه الشاه رضا خان بجيشه إلى الأحواز عمل على انتهاج استراتيجية قائمة على تكتيك متدرج للتخلص من خصومه، فبدأ بتحطيم أواصر التعاون بين القبائل الإيرانية والشيخ خزعل ليسهل له في النهاية الانقضاض عليه وحده، ولهذا بادر بطلب تعويضات مالية ضخمة من قبائل اللور البختيارية تعويضاً عن جنوده المقتولين في منطقة شليل، وهي منطقة إيرانية محاذية للأحواز التابعة لهم، فأظهر البختياريون قدراً من التعاون معه، وتعهدوا بمساعدته عسكرياً مقابل تخفيض الضرائب التي فرضها عليهم، مما يعني نجاح مناورة الشاه في التخلص من عداء البختيارية، ومما شجعه على ارسال قوة عسكرية كبيرة إلى الأحواز.

مما شجع رضا خان على التوجه بجيوشه إلى الأحواز، أن بريطانيا نكثت بوعودها للشيخ خزعل بعد أن حصلت على امتياز للنفط من إيران، لتقف إلى جانب رضا خان لأنه يمثل الاتجاه القومي الفارسي، وأمالها ببعث أمجاد الأكاسرة؛ لذلك خاضت القوات العربية معارك ضد القوات الإيرانية واستطاعت أن تلحق بها خسائر، غير أن عدم تكافؤ القوتين أدى إلى أن يحسم الموقف لصالح رضان خان، وانسحاب الشيخ خزعل في 20نوفمبر 1924 م، على أن توقف قوات رضا خان عملياتها العسكرية، ومن ثم تمكنت الحكومة الإيرانية من احتلال المحمرة، وعينت حاكماً عسكرياً عليها (ص74).

سياسة التفريس وتمزيق الهوية العربية:

بدأ رضا خان في تغيير جميع المعالم العربية لإقليم الأحواز، ومحاربة اللغة العربية، والترويج للغة الفارسية، وإذابة الهوية العربية من خلال التزوج بفارسيات، ولم يكتف بذلك بل نشر المذهب الشيعي بين السكان السنة، وضيق عليهم الخناق إلى عدم السماح لهم ببناء مساجد في قراهم.

وتضيف الكاتبة: "قامت السلطات الإيرانية بتغيير اسم إقليم الأحواز فور احتلاله عام 1925م، إلى خوزستان، في محاولة منها لطمس الهوية العربية في حين أبقت في نفس الوقت على أسماء القوميات الأخرى التي تدل على هوية الشعب القومية لتلك المناطق"، ولذلك وضعت الحكومات الإيرانية المتعاقبة خططها لشطب كل ما هو عربي في إقليم الأحواز بمدنه وقراه فأصبحت العاصمة الأحواز "الأهواز"، ومدينة المحمرة "خرمشهر"، ومدينة الفلاحية"شادكان"، وميناء جرون "بندر عباس"، وغيرها الكثير.

الاستيطان الفارسي:

قامت السلطات الإيرانية بإحداث تغيير في التركيبة الديمغرافية لسكان الأحواز، فعمدت إلى إجبار مجموعات عربية كبيرة على الهجرة إلى المناطق الإيرانية، وشجعت الاستيطان الفارسي بتوزيع الأراضي الأميرية في الأحواز بأمر من الشاه على المزارعين، " ترتب على ذلك أن قامت سلطات الحكومة الإيرانية بتهجير العوائل والعشائر العربية بالإكراه إلى مناطق عمق إيران، وشمال فارس وتشجيع الهجرة الفارسية، وجلب الجاليات الفارسية إلى الأحواز، وتقديم التسهيلات الممكنة لضمان اسكانهم واستيطانهم، ولا سيما في المدن الصناعية بالإقليم"، ومن ثم تعرض سكان مدينة خفاجية ومدن أخرى للإبادة خاصة الأطفال والنساء والشيوخ خلال التهجير القسري على يد رضا شاه بهلوي عام 1925م، إذ تم اقتياد ما يزيد عن 1500 شخص من سكان مدينة البستيين، والسيدية، والخفاجية، والخرابة مشياً على الأقدام لمسافة 1300 كيلو متر إلى طهران (ص78).

طمس الهوية العربية:

إمعانا في سياسة التفريس ومحاربة الهوية العربية لهذا الإقليم والشعب العربي فقد تم منع المواطنين الأحوازيين من إطلاق أسماء بعض الصحابة والصحابيات على أبنائهم وبناتهم، مثل أبو بكر وعمر وعثمان، وتشجيعهم على إطلاق أسماء فارسية على أبنائهم وبناتهم، وخصصت لهم قائمة أسماء فارسية، وقام موظفو الدولة بتسمية المواليد بما يحلو لهم من الأسماء والألقاب الفارسية، وتم اغلاق المدراس العربية وبناء المدراس الفارسية " إزاء كل كلمة عربية ينطقها الطالب يدفع غرامة مقدراها 50 شاهياً، لإجبارهم على اللغة الفارسية المعتمدة"، وتضمنت كتب التاريخ هجومها على العرب المسلمين، وتحقيرهم، ووصفت حضارة إيران المشرقة بأنها غلبت حضارة العرب(83).

النضال العربي الأحوازي:

بعد اختطاف الشيخ خزعل واقتياده إلى طهران، وفرض الإقامة الجبرية عليه، حاول رضا خان تفادياً لأي ردة فعل غير محمودة عين عبد الله ابن الشيخ خزعل حاكماً على مدينة المحمرة، وتم منحه رتبة ملازم ثان في الجيش الإيراني، لكن كل تلك الإجراءات لم تحل دون الغضب الشعبي الأحوازي الذي أخذ يقاوم الاحتلال بكل ما يمتلك من وسائل وقدرات سعياً منه لاستعادة عروبة الإقليم، وتحرير الأرض، وطرد الاحتلال الفارسي.

قامت السلطات الإيرانية بتغيير اسم إقليم الأحواز فور احتلاله عام 1925م، إلى خوزستان، في محاولة منها لطمس الهوية العربية في حين أبقت في نفس الوقت على أسماء القوميات الأخرى التي تدل على هوية الشعب القومية لتلك المناطق
لعل أهم الثورات قامت ضد رضا شاه ثورة الضرائب، على الرغم من محاولات الشاه تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد، وإنجاز سلسلة من المشاريع الإصلاحية، إلا أن ذلك لم يسفر عن تحسين وضع الفلاح المعيشي، ونمو الإنتاج الزراعي، بل على العكس من ذلك فإن الإجراءات التي قامت بها الحكومة في مجال الإصلاح الزراعي أسهمت في زيادة استفحال النظام الاقطاعي القديم، وزادت القوانين الإصلاحية من سيطرة مصالح كبار الملاك على الأراضي، وزيادة الضغوط على الفلاحين وافقارهم، تضيف الكاتبة أن من الأسباب التي دفعت العرب إلى التحرك في وجه الاحتلال الإيراني هو تمسك العرب بالقومية والهوية العربية، وأن مسألة الضرائب لم تكن إلا دافعاً شكلياً لتفجير نقمة العرب ضد ممارسات الفرس التي ترتكب في حقهم ( ص103).

كما ثارت قبيلة بني طرف ضد الاحتلال الإيراني عام 1945م، وامتدت شرارة الثورة لينضم تحت لوائها عشائر بني سالة وبني لام والشرفة والمحييسن، وتمكنت العشائر الثائرة من السيطرة على المدن والمخافر، ولم تتمكن القوات الإيرانية من إخماد الثورة إلا بعد مرور أشهر بسبب صعوبة التنقل بين الأنهار والبساتين والمستنقعات المنتشرة في نواحي المنطقة، إذ قامت الحكومة الإيرانية بإرسال الطائرات المقاتلة لقصف القرى والتجمعات السكانية لتقوم بعدها بتهجير 1400 من أفراد القبيلة إلى طهران مشياً على الأقدام (ص121).

دور الأحزاب والمنظمات السياسة في مواجهة الاحتلال الإيراني:

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر الأحزاب السياسية الأحوازية من الشباب العربي، كحزب السعادة الذي شكل من نخبة من مثقفين الشباب العربي، ومن فئات اجتماعية متباينة من الملاك ورؤساء العشائر العرب الذين استاءوا من سياسة الاضطهاد القومي البلهوي ضد العرب، وعمل الحزب على بث الشعور العربي، ورفض خطة التفريس وطمس المعالم العربية، والمطالبة بمنحهم الحرية أسوة بالأقليات التي لها كامل حقوقها في إصدار الصحف، وتأسيس النوادي والجمعيات والمشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية، التي حرم منها أهالي الإقليم، لكن الحكومة الإيرانية لم ترحب بتشكيل الحزب؛ لأنها تريد إنهاء عروبة هذه المنطقة؛ لذلك أوعزت إلى الحزب الشيوعي "توده" القضاء على الحزب العربي، وأطلقت يد الفرس لقتل أعضاء الحزب والتمثيل بهم، فوقعت المجازر بحق أعضاء الحزب في الطرقات، وأحرقت عائلات بكاملها، وأعدم محي الدين حميدان الناصر في إيران عام 1964م(ص131).

إن الحركة الوطنية في الأحواز لم يتيسر لها الظروف الموضوعية لتؤلف لها قاعدة للتحالف مع القوى المعارضة المحلية الأخرى، على الرغم من أن تلك القوى كانت تستند في تحركها على قاعدة تضم ثقلاً عربياً ملموساً، وكان لها الدور الفاعل في النضال ضد السلطات الإيرانية وشركة النفط الأنجلو- إيرانية؛ لذلك كان يسهل على السلطات الإيرانية المسئولة التدخل بقوة لوأد تلك التحركات خصوصاً، وأنها كانت مطلقة اليد في التصرف في الأحواز ومدعومة في كثير من الأحيان من البريطانيين على عكس الظروف التي سادت في أذربيجان وكردستان حينذاك، حيث حظي الإقليمان بدعم السوفييت الواضح ( ص137).

تمزيق الكيان الاجتماعي للشعب الأحوازي:

حافظ الشعب الأحوازي على هويته القومية العربية سواء في اللغة العربية، أو العادات، أو التقاليد وظل متمسكاً بها، إلا أن السلطات الإيرانية بعد احتلال الأحواز، عملت كل ما بوسعها لطمس الهوية العربية للشعب الأحوازي، والقضاء عليها وفرض القومية الفارسية بالقوة، إذ أن رضا شاه بهلوي الذي حكم إيران 1925-1941م، ورفع شعار (شعب واحد لغة واحدة)، وهي سياسة عنصرية تجاه عرب الأحواز  فتقول الكاتبة:" اتجهت السلطات الإيرانية إلى نزع الأسلحة من العشائر العربية بهدف اضعافها وتيسير أمر السيطرة عليها...أمست العشائر الأحوازية على وجه خاص هدفاً لحملات القوات الحكومية من أجل تجريدها من أسلحتها، فبعد أن أبيدت ثورة حرس  الإمارة التي انطلقت ضد الحكومة في المحمرة في يوليو1925م، أسرعت قوات رضا خان إلى شن حملات مداهمة وتفتيش في قرى وأرياف الإقليم؛ لغرض العثور على الأسلحة ومصادرتها، إذ أخذ الجنود يفتشون الأكواخ والمنازل بطريقة لم تخل من البطش والإذلال" .

لجأت السلطات الإيرانية إلى التجنيد الإجباري للعرب الأحوازيين، وإجبار شيوخ العشائر على تسجيل أفرادها في سجلات الدولة، وهو أمر غير مألوف لم يعتادوا عليه، وحينما رفضوا أرسلت الحكومة قوة نظامية صوب مدينة الفلاحية في أبريل 1931م، وجرت بينها وبين أبناء العشائر مناوشات لم تستطع معها قوة الحكومة منازلة العشائر فانسحبت من المكان، وحذت عشائر بني طرف والمحييسن حذو عشيرة الفلاحية بالتمرد ورفض الانصياع لإدارة الحكومة.

اتجهت أعداد كبيرة من العشائر العربية نحو العراق لتنجو بأبنائها من وطأة الجندية وقسوتها، وتوالت موجات النزوح الجماعية للعشائر، فاستقرت أعداد كبيرة من بني سكين والهويشم في ضواحي البصرة، ودعت الحكومة الإيرانية العشائر للعودة إلى إيران، مما دفع الكثير من الشباب إلى الهروب الجماعي إلى العراق فراراً من وحداتهم العسكرية، ليعيشوا في الأهواز أو الغابات حاملين السلاح، أو نازحين خارج إيران ليعيشوا بعيداً عن قسوة الحياة العسكرية (ص183).

"مواقف الدول العربية في كثير من الأحيان تجاه عرب الأحواز كانت سلبية ومتخاذلة، فالمقاومة الأحوازية لم تستطع الصمود لمواجهة الإجراءات الإيرانية؛ لضعف التخطيط، وقلة التجربة، وغياب الدعم المادي، والعسكري، وكان الحل الأسهل هو التوجه ونزوح العشائر الأحوازية إلى العراق"، بل فرضت ايران أيضا تبديل الزي العربي الذي يرمز للتمسك بالأحواز وهويته القومية العربية المتمثلة في اللباس العربي، وأهمها العقال تحت ادعاء توحيد الزي الإيراني لجميع سكان ايران وتخليهم عن أزيائهم القومية والمحلية، لصهرهم في بوتقة دولة واحدة لا تعير  للخصائص القومية شأناً"( ص186).

السياسة الإيرانية تجاه شعب الأحواز:

اتبعت الحكومات الإيرانية بعد سيطرة الاحتلال الإيراني على الأحواز جملة من السياسات العنيفة لطمس الهوية العربية فيها، مستخدمين في ذلك وسائل استبدادية قمعية ضد الشعب العربي، وقام بتنفيذ هذه السياسة العنيفة جهاز السافاك الذي أسس بمساعدة جهاز المخابرات الأمريكية ( السي. آي. إيه) مع جهاز الشباك الإسرائيلي عام 1957م، وهو جهاز قمعي استخدم ضد معارضي الشاه لحماية النظام الشاهنشاهي، والأسرة البلهوية، للوقوف بوجه المد الشيوعي في إيران، واتبع الجهاز أبشع الأساليب القمعية والإرهابية داخل إيران وخارجها.

مواقف الدول العربية في كثير من الأحيان تجاه عرب الأحواز كانت سلبية ومتخاذلة، فالمقاومة الأحوازية لم تستطع الصمود لمواجهة الإجراءات الإيرانية؛ لضعف التخطيط، وقلة التجربة، وغياب الدعم المادي، والعسكري، وكان الحل الأسهل هو التوجه ونزوح العشائر الأحوازية إلى العراق"، بل فرضت ايران أيضا تبديل الزي العربي الذي يرمز للتمسك بالأحواز وهويته القومية العربية المتمثلة في اللباس العربي، وأهمها العقال تحت ادعاء توحيد الزي الإيراني لجميع سكان ايران وتخليهم عن أزيائهم القومية والمحلية، لصهرهم في بوتقة دولة واحدة لا تعير للخصائص القومية شأناً
سارت سياسة التحديث التي اتخذها رضا شاه في إيران لتشمل النساء، فتمادى في سياسة التغريب والأخذ بالمظاهر الأوروبية، وعمد رضا شاه إلى نزع الحجاب عن النساء، بإصدار مجلس النواب الإيراني في فبراير 1935م، قانون نزع الحجاب عن المرأة وجعلها سافرة، وأخذ المسئولون والأجهزة الحكومية في التهيئة للتطبيق القانون على أرض الواقع، ومن ثم أصدرت أوامرها المشدد عام 1936 بإلزام النساء بالسفور، وألزمت عدداً ممن اختارتهم الدولة باصطحاب نسائهم وهن غير محجبات عند مراجعة دوائر الدولة، وأخذ حكام المدن يقيمون الولائم للموظفين والتجار والوجهاء مع إلزامهم بضرورة إحضار زوجاتهم معهم، وتم إبلاغ سائقي الحافلات بعدم جواز أن يحملوا في سيارتهم أو حافلتهم امرأة محجبة، ومن يخالف الأمر يعاقب بجلده مائة وغرامة قدرها ستين قران " إيراني.”

ارتكب جهاز السافاك جرائم بحق الأحوازيين العرب من اعتقال وتعذيب بدني داخل السجون ومنها سجن أوين، ونظراً لكونه جهازاً للأمن الداخلي سمح له بمراقبة الأحوازيين العرب داخل وخارج إيران، فعلى حد تعبير السكرتير العام لمنظمة العفو الدولية عام 1975م" لا توجد دولة في العالم تتمتع بسجل مماثل لسجل إيران في خرق حقوق الإنسان"، فقد ألقى جهاز السافاك القبض على من يشاء من العرب السنة، وأجرى توقيفهم لمدد غير محدود بلا سبب، وتجرى لهم محاكمة عسكرية بالكتمان الشديد.

 الثورة الإيرانية وانعكاساتها على الأحواز:

شكل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979م بارقة أمل للأحوازيين باعتبار الثورة البديل الديمقراطي عن حكم الشاه، ولكن خاب ظنهم عندما لم تلتفت قوى الحكم إلى مصالحهم القومية، فقد قام النظام الإيراني الجديد بحملات اعتقال واسعة وهجر آلاف من المواطنين العرب في مناطقهم، بل قاموا بإغراق سفنهم.

"إن تنامى الشعور القومي العربي أفزع سلطات النظام الجديد، وجعلها تتكبر وتصر على موقفها العدائي من العرب، وتصب جام غضبها على أبناء الاقليم، وأصبح العنف الصفة السائدة في تعاملها معهم؛ مما أدى إلى تمسك العرب بحقهم، وزاد من اصرارهم على مواصلة المظاهرات والصدامات والنضال المسلح ضد سلطات النظام وضد الوجود الفارسي في الإقليم، ونسف وتفجير خط أنابيب النفط والغاز في جنوب الأحواز" (ًص225)

هكذا يتبين أن سلوك النظام الإيراني تجاه عرب الأحواز لم يكن منسجماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية الحنيفة، ولا مع الدور النضالي والكفاحي الذي قام به المواطنون ضد نظام الشاه، الذين شعروا بالارتياح لقيام نظام جديد يعتمد على الإسلام في حكمه على أساس أنه يعطيها حقوقها المشروعة والمنطقية جميعها، لكن الجماهير العربية وجدت أن النظام الجديد لا يختلف عن سابقيه إلا بالهيئة الخارجية التي تصبغه بصبغة دينية إسلامية، إلا أن نظرتها العنصرية لم تتغير لم تتبدل، بل أصبحت أكثر عنفاً وتطرفاً وقسوة وعدواناً وعنصرية؛ لذلك قرروا إعلان الثورة على هذا النظام" (ص228).

ختمت الكاتبة ابتهال دراستها بمجموع من النتائج التي بينته فيها أن الهيمنة الإيرانية على إقليم الأحواز العربي، ومعاناة هذا الشعب جراء السياسات القمعية من بداية الاحتلال الفارسي على الإقليم والموقف العربي الهزيل من القضية الأحوازية، التي تعرضت لحملة تفريس منظمة بتغيير الأسماء العربية للمدن الأحوازية إلى الأسماء الفارسية، وتغيير الملامح العربية للإقليم، واقتطاع بعض الأرضي الأحوازية، وضمها للمدن الإيرانية المجاورة، وتهجير الأسر العربية، والاستيلاء على أراضيها.

بذلت الكاتبة مجهود واضح في دراستها للوصول للمعلومة التي تتعلق بهذا الإقليم العربي، الذي مازالت تتعامل معه إيران على أنه إقليم فارسي، وتعامل المواطنين العرب من الدرجة الثانية، وتمكنت الشامخ من الوصول إلى مجموعة كبيرة من الوثائق الرسمية الأحوازية والإيرانية لوضع هذه الدراسة بما تضمنته من خفايا داخل فصولها، وبما ألحقته من ملاحق وثائقية أثبت فيها فرضيات دراساتها.

يُعد كتاب الهيمنة الإيرانية على إقليم الأحواز العربي 1925-1979م للدكتورة ابتهال عبد الحميد شامخ مرجعًا مهمًا في توثيق مرحلة حرجة من تاريخ أحد الأقاليم العربية المنسية، حيث يكشف عن السياسات الممنهجة التي انتهجتها السلطات الإيرانية لطمس الهوية العربية لإقليم الأحواز، من تفريس وتعريب قسري واستيطان وتهجير وتضييق على الحريات. ومن خلال تتبع تاريخ الإمارة قبل الاحتلال الفارسي، يبرز الكتاب النضال الأحوازي المتواصل للحفاظ على الهوية والكرامة، رغم التحديات الداخلية والتواطؤ الدولي. كتاب يجمع بين التوثيق والتحليل، ويعيد الاعتبار لقضية عربية مركزية غيّبتها السياسة، لكنها لا تزال حية في وجدان شعبها.