نشرت مجلة "
فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، ديفيد ماكوفسكي، وسيمون سيمير، قالا فيه إنّ دولة
الاحتلال الإسرائيلي في الخطوات التي اتخذتها بعد انهيار نظام بشار الأسد، تسير لاتجاه صدامي مع
تركيا التي خرجت منتصرة من تغيّر النظام في
سوريا، ونهاية حقبة استمرت لنصف قرن من حكم آل الأسد.
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الجماعات التي دعمتها أنقرة قد سيطرت على دمشق وبشكل سريع. ومنذ ذلك الوقت، انشغلت إسرائيل بمحاولات خلق مجال تأثير لها في سوريا وتوسيع منطقة أمنية في جنوب سوريا واحتلال المنطقة المنزوعة من السلاح التي تفاوضت الولايات المتحدة عليها بعد حرب تشرين عام 1973، وبإشراف دولي".
وتابع: "تركيا وإسرائيل باتتا بعد صعود أحمد الشرع للرئاسة في حالة مواجهة، وتحاول كل منهما الاستفادة من الفراغ الذي نشأ برحيل الأسد ورعاته الإيرانيين والروس".
"برزت تركيا كقوة عسكرية مهيمنة في سوريا، فمنذ عام 2019 سيطرت هيئة تحرير الشام على محافظة إدلب في شمال- غرب سوريا. وعملت أنقرة ولسنوات على مساعدتها من خلال منطقة عازلة حمت الجماعة من قوات الأسد" أضاف المقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
ومضى بالقول: "تريد تركيا الآن تأثيرا أكبر في سوريا، حتى تنهي طموحات أكراد سوريا بدولة مستقلة والعمل في الوقت نفسه على إعادة 3 ملايين لاجئ سوري إلى بلادهم"، مردفا: "بالمقابل تريد إسرائيل تأثيرا كبيرا في سوريا. ورأت في سقوط الأسد الذي تحالف مع إيران وسمح لها بنقل الإمدادات العسكرية إلى حزب الله، مكسبا استراتيجيا".
وأكد: "لهذا سارعت لتعزيز موقعها في سوريا وإنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية في جنوب سوريا. وتشعر إسرائيل بقلق خاص إزاء الوجود التركي في سوريا لأنها تخشى أن تشجع أنقرة سوريا على إيواء مسلحين معادين لإسرائيل على حد قولهما".
وأورد: "يشعر قادة إسرائيل بقلق متزايد من أن طموحات تركيا في سوريا تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود التركية -السورية إلى داخل البلاد. ففي 2 نيسان/ أبريل قصفت إسرائيل عدة مواقع عسكرية سورية، بما في ذلك قاعدة التياس الجوية المعروفة باسم تي فور، لمنع أنقرة من إقامة دفاعات جوية هناك".
ويقول الكاتبان إنّ: على دولة الاحتلال الإسرائيلي تجنّب المواجهة مع تركيا في سوريا، فهي لا تحتاج إلى عدو جديد، نظرا لأن جيشها يحارب فوق طاقته وتشوهت سمعتها حول العالم.
إلى ذلك، أبرز
المقال أنّ علاقات تركيا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قد ظلّت قوية وبخاصة في فترة التسعينات من القرن الماضي، وسط الآمال بتسوية سلمية إسرائيلية- فلسطينية، لكن العلاقات تدهورت بعد أن بات كلاهما أقل علمانية.
وأوضح: "في عام 2010 قتلت وحدات كوماندو تسعة ناشطين وجرحت 30 آخرين، مات أحدهم متأثرا بجراحه. وذلك بعد اعتراض سفينة مساعدات إنسانية لغزة، وهو ما أدّى لتخفيض تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. واتهمت تركيا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة. وفي أيار/ مايو الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حظر التجارة مع إسرائيل احتجاجا على العمليات الإسرائيلية في القطاع".
وتابع: "رغم كل الاختلافات بينهما، لا تريد تركيا ولا إسرائيل عودة النفوذ الإيراني لسوريا. ومن الواضح أن تركيا هي القوة وراء
النظام السوري الجديد، ويرجع ذلك لحد كبير إلى علاقاتها الطويلة الأمد مع هيئة تحرير الشام، وساعدت قادة سوريا الجدد في التخطيط لإعادة الإعمار. ويبدو أيضا أن أنقرة تسعى لإبرام اتفاقية دفاعية مع سوريا لتوسيع نفوذ تركيا، الذي يتركز حاليا في الشمال، إلى بقية أنحاء البلاد".
"تشعر إسرائيل بقلق عميق إزاء هذا المسار، وعليه برزت مدرستان متنافستان بشأن الطريقة التي يجب فيها إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد. ويعتقد أحد المسؤولين الإسرائيليين أن إسرائيل يجب أن تحاول العمل مع الشرع قبل أن تقرر أنه عدو" وفقا للمقال ذاته.
ورجّح أنّ: "مجموعة أخرى، تضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ترى أنه من غير المرجح أن تنشأ حكومة سورية معتدلة مركزية، تحت قيادة إسلامية سنية، وأن إسرائيل يجب أن تستعد للعداء من خلال إنشاء مناطق نفوذ غير رسمية".
وتابع: "بعد فرار الأسد من دمشق في كانون الأول/ ديسمبر، استولت إسرائيل على منطقة عازلة في جنوب -غرب سوريا، المتاخمة لمرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ومنذ ذلك الشهر؛ قصفت مئات المواقع العسكرية السورية التي تخشى أن تستخدمها الحكومة السورية الجديدة. وفي 11 آذار/ مارس قال وزير الحرب الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن القوات الإسرائيلية ستبقى في سوريا "لفترة غير محددة" لحماية الأقليات في جنوب سوريا".
وبيّن: "يبدو أن التوغل الإسرائيلي بسوريا نابع من مخاوف عدم تكرار حدث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ويرى قادة إسرائيل أن المناطق العازلة في دول الجوار هي الوسيلة الوحيدة لتشكيل البيئات الأمنية بدلا من الرد عليها. كما أن عملية تشرين الأول/ أكتوبر جعلت إسرائيل مترددة في التسامح مع أي طرف إسلامي، كما فعلت في غزة".
واسترسل
المقال: "مع أن الشرع تخلى عن ماضيه وأكد أنه لا يريد مواجهة مع إسرائيل، إلا أن قادتها الذين يتوقعون ترسخ نظام معاد مكانته في دمشق، يعتقدون أن الشرع سيقول أي شيء حتى يخفف العقوبات المفروضة عن سوريا؛ فيما أعلنت إسرائيل أنها تريد حماية الدروز وتحاول فرض منطقة منزوعة السلاح جنوبي دمشق. كما أن النهج الإسرائيلي من سوريا مرتبط بديمومة الوجود الأمريكي هناك".
وفي 18 نيسان/ أبريل أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستخفض عدد قواتها المتمركزة في شمال- شرق سوريا من نحو 2,000 إلى أقل من 1,000 جندي. بينما تخشى دولة الاحتلال الإسرائيلي أن يؤدي الانسحاب الأمريكي لأن تصبح تركيا أكثر هيمنة في شمال سوريا، وربما أبعد من ذلك.
وأضاف المقال: "على إسرائيل أن تكون حذرة في تحويل تركيا أو سوريا لعدو، وأن تترك مجالا للحوار. وربما كانت تحاول التعلم من دروس 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولكن يتعين على قادتها الموازنة بين الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية طويلة الأجل".
وبحسب المصدر نفسه: "يتعين على إسرائيل أن تُعلن صراحة أنه ليس لديها أي طموحات إقليمية في سوريا وأنّ منطقتها العازلة ستكون مؤقتة، طالما أن الحكومة الجديدة تفي بمعايير معينة. ذلك أن الوجود الإسرائيلي المستمر في سوريا من شأنه أن يعزز فكرة أنها دولة محتلة".
وتابع: "تشكل علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة أهمية خاصة، لكن الأهم من ذلك هو علاقتها مع تركيا. فكلاهما حليف للولايات المتحدة وتتمتعان بقدرات عسكرية قوية. وكان القصف الإسرائيلي لقاعدة تي 4 بمثابة تذكير صارخ بمدى السرعة التي يمكن أن تتصاعد بها الأمور"، مردفا: "ينبغي للبلدين التفكير برسم خطوط حمراء. وعلى أقل تقدير ويتعين عليهم الاتفاق على العمل داخل مناطق نفوذ مختلفة في سوريا لتجنب الأعمال العدائية".
وفي السياق نفسه، أشار الكاتبان لما يمكن أن يفعله ترامب لخفض التوتر وتجنب الصدام، فقد أخبر نتنياهو أنه يقيم علاقات جيدة مع تركيا وزعيمها. وعلى ترامب إقناع أردوغان بعدم نشر الدفاعات الجوية في سوريا. ويمكن لترامب أيضا أن يساعد دولة الاحتلال الإسرائيلي وتركيا في إيجاد طرق لخفض الصراع.
واختتم بالقول: "حتى الآن، تم تأكيد عقد اجتماع واحد على الأقل بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، والذي عقد في نيسان/ أبريل في أذربيجان. وينبغي لتركيا وإسرائيل أن تبنيا على هذا الحوار وبخاصة تأكيدهما أنهما لا يريدان المواجهة".
واستطرد: "على إسرائيل تأكيد مخاوفها الأمنية بدون إثارة غضب أنقرة أو دمشق. ويكتسب هذا التوازن أهمية خاصة خلال هذه الفترة الاستثنائية من التغيرات التي تشهدها سوريا، فالنظام الجديد لم ينجح بعد في ترسيخ سيطرته على البلاد وتبدو مواقفه السياسية قابلة للتغير".