ملفات وتقارير

إلى أي مدى يمكن أن يصل التوتر العسكري بين الهند وباكستان بعد القصف المتبادل؟

صراع طويل ومستمر بين الهند وباكستان يتجدد هذه الأيام- جيتي
نفذ الجيش الهندي في الساعات الأولى من صباح الأربعاء عدة غارات على مناطق مختلفة داخل باكستان، وذلك وفقًا لتصريحات رسمية هندية، ردًا على العملية التي وصفتها بالإرهابية، والتي وقعت في كشمير وأسفرت عن مقتل 25 شخصًا.

وأكدت الحكومة الهندية أن العملية التي أطلقها الجيش، وسمّاها "سيندور"، استهدفت تسعة مواقع في باكستان وجامو وكشمير.

كما أشار بيان الحكومة الهندية إلى أن الهجمات لم تستهدف أي منشآت عسكرية باكستانية.

فيما ذكر متحدث باسم الجيش الباكستاني أن 8 قتلى سقطوا على الأقل، بينهم طفل، جراء غارات هندية داخل مدينة بهاولبور في إقليم البنجاب.

ونقل التلفزيون الباكستاني عن مصدر عسكري أنه تم تدمير كتيبة مشاة تابعة للجيش الهندي، وأن رد باكستان على الاعتداءات الهندية مستمر.

وسبقت هذه الهجمات اشتباكات مسلحة حدثت الجمعة، عقب العملية التي وقعت في كشمير. ووفقًا لمسؤول إداري كبير في الشطر الباكستاني من كشمير، تبادلت قوات البلدين إطلاق النار خلال الليل على طول خط السيطرة الفعلي، الذي يشكّل الحدود بين البلدين في كشمير.

اتصالات هندية أمريكية

صحيفة ذا تايمز أوف إنديا الهندية قالت إن "مستشار الأمن القومي أجيت دوفال تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بعد وقت قصير من تنفيذ الهند ضربات صاروخية على تسعة أهداف إرهابية في باكستان، وأطلعه على الإجراءات المتخذة".

وقالت سفارة الهند في واشنطن في بيان لها: "كانت إجراءات الهند مركزة ودقيقة ومدروسة ومسؤولة ومصممة لتكون غير تصعيدية، ولم تُضرب أي أهداف مدنية أو اقتصادية أو عسكرية باكستانية، بل استُهدفت فقط معسكرات إرهابية معروفة".

وأضاف البيان أنه "بعد وقت قصير من الضربات، تحدث مستشار الأمن القومي دوفال مع مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية ماركو روبيو، وأطلعه على الإجراءات المتخذة".

من جهته، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العملية العسكرية الهندية ضد باكستان بأنها "عار"، وأنه علم بها للتو قبيل فعالية في المكتب البيضاوي مساء الثلاثاء.

وقال ترامب: "إنه لأمر مؤسف، لقد سمعنا عنها للتو، بمجرد دخولنا من أبواب المكتب البيضاوي. أعتقد أن الناس كانوا يعلمون أن شيئًا ما سيحدث بناءً على بعض أحداث الماضي، فهم يقاتلون منذ زمن طويل، كما تعلمون، يقاتلون منذ عقود وقرون عديدة".

وأضاف: "آمل فقط أن ينتهي هذا الأمر بسرعة كبيرة".

كما صرح متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يوم الثلاثاء بأن الوزارة "تراقب التطورات عن كثب".
وقال المتحدث: "نحن على علم بالتقارير، ولكن ليس لدينا تقييم في الوقت الحالي"، مضيفًا: "لا يزال الوضع متطورًا، ونحن نراقب التطورات عن كثب".

هل تشتعل الحرب بين البلدين؟
تُثار تساؤلات حول احتمالية توسع الحرب بين الهند وباكستان على إثر الهجمات الهندية، خاصة أن باكستان أعلنت أن ردها قادم لا محالة. كما نقلت شبكة سي إن إن الأمريكية عن مسؤولين باكستانيين أنه تم إسقاط ثلاث طائرات هندية. فهل يلوّح البلدان باستخدام السلاح النووي؟

قال سامر خير أحمد، الباحث في شؤون الصين وشرق آسيا: "ربما يكون من مصلحة جميع الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة والصين، عدم توسيع الصراع بين البلدين إلى حرب كبرى، ولا إلى حرب تُستخدم فيها أسلحة غير تقليدية، لكن مع وجود مصلحة لإقرار أمر واقع يحمي فيه كل من البلدين مصالحه".

وتابع خير في حديث خاص لـ"عربي21": "وبالنظر إلى أن هذا التوتر ليس الأول من نوعه بين البلدين، ربما يكون متوقعًا أن يجري احتواؤه هذه المرة أيضًا من خلال التفاهمات الدبلوماسية بين الطرفين بمساعدة عدة أطراف دولية".

ولفت إلى أن "العلاقات العميقة بين الهند وروسيا ربما تساعد في ذلك، حيث من المرجح أن يكون هناك تنسيق صيني روسي لمنع تفاقم الحرب حتى لا تكون مدخلًا لمزيد من التدخل الأمريكي في المنطقة".

حنان حسين خبير أول في "InitiateFutures"، وهي مؤسسة فكرية للسياسات العالمية، قال "قد تتصاعد التوترات بين البلدين بسرعة كبيرة، وقد تواصل حكومة السيد مودي اليمينية المتشددة مغامراتها ضد باكستان، مما قد يزيد التوترات قرب المناطق الحدودية، وبالتالي دفع باكستان إلى استخدام المزيد من قدراتها ردًا على ذلك".

وأوضح حسين خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هجمات دلهي الصاروخية غير المبررة على المدن الباكستانية،وما نتج عنها من خسائر بشرية، ترفع أي قيود على نطاق أو عمق ردود باكستان الانتقامية
على العدوان الهندي".

"استمرار لسلسلة طويلة من التوترات"
رئيس مركز آسيا والشرق الأوسط محمد مكرم بلعاوي، قال إن "التوتر الحالي هو استمرار لسلسلة طويلة من التوترات المرتبطة بكشمير، وهي ليست أرضاً متنازع عليها فقط، وإنما لها أهمية استراتيجية".

وأوضح، "كشمير تعتبر صلة ومدخل باكستان للصين، وفي ذات الوقت ممكن أن تكون صلة وصل للهند مع وسط آسيا، ولها أهمية نظراً لموقعها الاستراتيجي المرتفع وهي مصدر رئيسي للمياه في شبه القارة الهندية".

وتابع بلعاوي في حديث لـ"عربي21": "الأمر الآخر، أننا اليوم أمام حزب هندوسي يميني يسعى لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، وكشمير كانت هي الولاية الوحيدة في الهند ذات الأغلبية المسلمة، وواضح أنه كان يسعى إلى تمييع هويتها حتى لا يبقى أي ولاية ذات أغلبية مسلمة".

وحول مآلات هذا التوتر قال بلعاوي: "سبق أن شاهدنا مواجهات من هذا النوع، على سبيل المثال في 2019 على الرغم من إسقاط طائرتين للهند وفق ما أعلنته باكستان إلا أنه في النهاية تم احتواء الموقف".

وأوضح: "يجب أن نعلم بأن حكومتا البلدين مع وجود مشاكل وتحديات داخلية لديهما تسعيان للظهور بمظهر قوي أمام شعبيهما، وهذا يُفسر الخطاب المرتفع خصوصا من جانب الهند مثل التهديد بقطع المياه عن باكستان".

وأكد أن "هذا إجراء متطرف، فهو يعني تهديد وجودي لباكستان وبالتالي سيدفعها لرد فعل قاس جدا، وإن كان لا يوجد حتى اليوم القدرة الفنية للتأثير على مياه نهر السند بشكل جوهري، لكن يبقى رفع الخطاب بهذا الاتجاه يعبر عن حجم الاحتقان الهندي والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه".

ووفقا لبلعاوي، "فإن المواجهات إلى الآن لا زالت محدودة وحينما نتحدث عن هذا النوع المواجهات نعني أنها ليست حربا مفتوحة يشارك فيها مئات الآلاف من الجنود ويسقط فيها آلاف من الضحايا، وبالتالي  ستبقى ما بين فعل ورد فعل بشكل محدود".

الرد الباكستاني المتوقع
وفي ظل التصريحات الرسمية الباكستانية حول أن الرد قادم، حتى بعد إسقاط طائرات هندية، وتدمير كتيبة مشاه، يبقى السؤال: كيف سيكون شكل هذا الرد؟ وهل يمكن أن تلوّح إسلام آباد باستخدام السلاح النووي؟.

توقع الخبير حنان حسين أن "ترد باكستان ردًا استراتيجيًا"، مضيفًا: "من المرجح أن تقود القوات الجوية الهجوم، مع إمكانية اختراق خط الدفاع الأول للهند في المناطق الحدودية واستهداف الأصول العسكرية الهندية".

ويرى أن "الهدف هو توجيه رسالة واضحة إلى حكومة السيد مودي اليمينية المتشددة: كفى! لن تُتخذ مزاعم "الإرهاب" التي لا أساس لها ذريعةً لمهاجمة الأراضي الباكستانية. تظن الهند أنها قادرة على ممارسة الاستفزازات دون مواجهة عواقب. قد يُثبت رد باكستان عكس ذلك".

وحول إمكانية التلويح باستخدام السلاح النووي من قبل البلدين، قال حسين: "باكستان بصفتها دولة نووية مسؤولة، من غير المرجح أن تُهدد باستخدام الأسلحة النووية. ومع ذلك، قد تُدرج نيودلهي - التي لديها تاريخ من الاستفزازات العابرة للحدود ضد باكستان - التهديدات النووية في خطابها الناري، مع أن الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية لا يزال مستبعدًا".

بلعاوي يرى أن "الأسلحة النووية أسلحة ردع وليست للاستخدام، بمعنى أنه ما لم يكن هناك تهديد وجودي حقيقي لأي من الدولتين ستبقى مسألة استخدام السلاح النووي أمر اغير وارد، رغم التلويح فيه في بعض الأحيان، وبالتالي سيبقى فقط للردع ومن المستبعد استخدامه".

الموقف الصيني
يُعد الموقف الصيني في هذه القضية مهمًا جدًا، حيث تتقاسم الصين وباكستان والهند كشمير بالنسب المتتالية التالية: 15%، 30%، و55%، وبالتالي فهي أيضًا شريكة في التوترات.

كذلك هناك صراع حدودي بين الهند والصين يشمل أروناتشال براديش - تحت سيطرة الهند وتطالب بها الصين كجزء من التبت -، وأكساي تشين - تحت سيطرة الصين وتطالب بها الهند.

وكانت الحرب الصينية الهندية عام 1962 قد أدت إلى سيطرة الصين على أكساي تشين، مما زرع بذور التوتر المستمر بين البلدين.

بالمقابل، هناك ما يمكن تسميته تحالفًا صينيًا باكستانيًا، وظهر ذلك جليًا في بيان لوزارة الخارجية الصينية صدر بعد بدء التوتر الأخير بين الهند وباكستان.

وجاء في البيان: "إن الصين بصفتها الصديق الموثوق لباكستان وشريكها الإستراتيجي في جميع الظروف، فإنها تدرك تمامًا المخاوف الأمنية المشروعة لإسلام آباد وتدعمها في حماية سيادتها ومصالحها الأمنية".

لكن لم يصدر أي تصريح رسمي صيني عقب الهجمات الهندية على باكستان حتى ساعة كتابة هذا التقرير.

ومع توتر العلاقة الهندية الصينية، وبالمقابل تنامي العلاقة الصينية الباكستانية، لا بد من معرفة كيف سيكون موقف بكين من التوتر العسكري الأخير بين الهند وباكستان.

قال سامر خير أحمد، الباحث في شؤون الصين وشرق آسيا، إن "الصين ستسعى للموازنة بين انحيازها لباكستان، ورغبتها بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي خدمةً لاستكمال مشروعات الحزام والطريق".

وأوضح أن "الصين لا تريد التوتر والحروب في محيطها، لكنها أيضًا تسعى لإضعاف الهند لسببين: الأول يتعلق بصراعها الدولي مع أمريكا، لأن الهند حليفة الأخيرة وشريكتها في السعي لإزعاج الصين في طموحاتها حيال مبادرة الحزام والطريق، خصوصًا من خلال المشروع البديل الذي تدعمه واشنطن لطرق النقل الدولي من الهند إلى أوروبا".

وتابع خير: "السبب الثاني يتعلق بالصراع الإقليمي المتواصل بين الصين والهند على النفوذ والتنمية الاقتصادية، رغم وجود مصالح تنموية واقتصادية مشتركة بين الجانبين في الوقت ذاته مثل شراكتهما في منظمة بريكس".

ويرى أن "هذا يعني أن الصين ترحب بوقف التصعيد، لكن إن تواصل، فهي ستدعم باكستان دبلوماسيًا وكذلك بالسلاح، من أجل ثلاثة اعتبارات: مصالحها الاقتصادية معها، ومن أجل إضعاف نفوذ الهند، وكذلك من أجل التأثير سلبًا على نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، بما يصب في صراع بكين وواشنطن على الصعيد الاستراتيجي".

رئيس مركز آسيا والشرق الأوسط محمد مكرم بلعاوي، يرى "أنه ليس من مصلحة أي من الدول إثارة حرب بين الهند وباكستان، فالصين تريد أن تُركز قواها في مزيد من القدرة على مواجهة الأزمة التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية".

وتابع بلعاوي، "كذلك أمريكا تريد أن تُركز جهودها في مواجهة الصين، ولذلك لا أعتقد أن هناك مصلحة للقوى الدولية والإقليمية بأن تنشب حرب بين الطرفين، رغم أنه لو - لا قدر الله - نشبت حرب من هذا النوع فإننا سنجد الصين بكل تأكيد إلى جانب باكستان لأن العلاقة بينهما توصف بأنها علاقة جميع الفصول".

من جانبه، قال الكاتب والصحفي البنغلاديشي صلاح الدين شودري، إنه "من الصعب التنبؤ بمستقبل هذا الصراع في الوقت الراهن، إذ يواصل كلا الجانبين شنّ الهجمات والهجمات المضادة".

وتابع شودري في حديث خاص لـ"عربي21"، "كما هو معلوم باكستان هي من أوجدت هذا الوضع من خلال مذبحة باهالجام التي أودت بحياة 26 مواطنًا هنديًا بريئًا، وبطبيعة الحال، كان رد الفعل الهندي متوقعًا".

وأوضح أنه "الآن، مع (عملية سيندور) الهندية، التي ألحقت أضرارًا جسيمة بأهداف مختلفة في باكستان، يُقلل كبار صناع القرار في إسلام آباد، وكذلك الجيش الباكستاني وجهاز استخباراته، من شأن القضية برمتها من خلال سلسلة من الادعاءات غير المؤكدة".

وحول احتمالية استخدام الهند للسلاح النووي، رجح شودري عدم استخدام الهند لهذا السلاح.

وعن موقف حلفاء البلدين من ما يجري من توتر عسكري بينهما، "أكد شودري أن الهند تعتمد على دعم روسيا، حليفتها المُجرّبة، لكن بالطبع، لا يُمكن لنيودلهي، ولا ينبغي لها، أن تعتمد على الرئيس دونالد ترامب، إذ قد لا يلعب أي دور مُتوقع في هذا التطور الأخير، ترامب في ولايته الثانية أشبه بشخص مُرتبك لا يعرف بالضبط ما يجب فعله".