كتاب عربي 21

الهند في مواجهة باكستان.. رسائل الصين للغرب

التصعيد الهندي ـ الباكستاني يجب ألا يُنظر إليه كنزاع محلي، بل كاختبار حقيقي لمستقبل الردع العسكري وسياسة التحالفات في عالم يتجه نحو تعددية قطبية متزايدة. الأناضول
متسلّحة بتضخّم ذاتي بوصفها قوّة صاعدة وبدعم مادي وسياسي ومعنوي غربي، قامت الهند يوم الثلاثاء الماضي بشن عدوان غير مبرر على باكستان متذرّعة بهجوم إرهابي وقع داخل الجزء المحتل من قبل الهند في إقليم جامو كشمير. وكانت باكستان قد طالبت باجراء تحقيق مستقل بالحادث، وكذلك فعلت عدّة دول من بينها دول صديقة للهند، لكن نيودلهي رفضت ذلك وفضّلت القيام باعتداء عسكري على باكستان لاستعراض قدراتها وتحجيم إسلام أباد.

وقال الجيش الهندي إنه نفذ "ضربة دقيقة على معسكرات إرهابية في باكستان"، في حين قال المتحدث باسم الجيش الباكستاني إن الهند هاجمت بلاده بصواريخ في 3 مواقع مدنية أدّت الى مقتل مدنيين. عقب الهجوم، طرأت حالة من النشوة والهيجان والشعور بالانتصار لدى الجمهور الموالي للحكومة الهندية، لكن سرعان ما تحوّل كل ذلك الى شعور باليأس والإحباط.

التصعيد العسكري الهندي ضد باكستان، والرد الباكستاني الصادم على الهند، يحمل في طيّاته مؤشرات تنافس أبعد من الطرفين المباشرين المنخرطين في المعركة، ويصل إلى داعميهما والتكنولوجيا العسكرية التي يتسلّح بها كل طرف لمواجهة الطرف الآخر.
في 6 مايو أعلن الجانب الباكستاني انّه استهدف المقاتلات التي شنّت الهجوم وأسقط خمس طائرات تابعة لسلاح الجو الهندي وطائرة مسيرة واحدة. وذكرت مصادر عسكرية باكستانية أن الطائرات التي أُسقطت شملت ثلاث طائرات رافال (فرنسية الصنع)، وطائرة ميج-29 (سوفيتية الصنع)، وطائرة سوخوي سو-30 إم كي آي (روسية الصنع)، بالإضافة إلى طائرة استطلاع مسيرة من طراز هيرون إسرائيلية الصنع.

أنكر الجنب الهندي حصول ذلك بقوّة، وإدّعى انّ أقوال باكستان مجرّد ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وكذلك فعل المؤثرون الهنود في وسائل التواصل الاجتماعي. وبالرغم من حالة الانكار التي سادت لدى الجانب الهندي، كانت وسائل اعلام هندية من بينها صحيفة (الهندو) التي يتابع منصّتها على توتير أكثر من 8.3 مليون متابع قد أكّدت قيام باكستان باسقاط 4 مقاتلات هندية استنادا الى اقوال مسؤولين هنود، قبل ان يتم الضغط على الصحيفة لمسح الخبر وإبتلاع اقوالها وانكار أنّها كانت قد اجرت أي مقابلات مع مسؤولين هنود حول الموضوع.

تسلّل التشكيك الهندي إلى الرأي العام قبل أن تقوم وسائل إعلام غربية بتأكيد التصريحات الباكستانية حيث تمّ تأكيد إسقاط باكستان لمقاتلتين هنديّتين على الأقل، وشملت التأكيدات وسائل اعلام كرويترز، ونيويورك تايمز، وسي ان ان، ومسؤولين أمريكيين وفرنسيين. وفي أوّل كشف عن تفاصيل العملية، قال إسحاق دار، وزير الخارجية الباكستاني أثناء نواجده في البرلمان، أن جيش بلاده استخدم طائرات صينية الصنع لإسقاط خمس طائرات مقاتلة هندية: "كانت طائراتنا المقاتلة من طراز J-10C  هي التي أسقطت طائرات رافال الفرنسية الثلاث وطائرات أخرى".

التصعيد العسكري الهندي ضد باكستان، والرد الباكستاني الصادم على الهند، يحمل في طيّاته مؤشرات تنافس أبعد من الطرفين المباشرين المنخرطين في المعركة، ويصل إلى داعميهما والتكنولوجيا العسكرية التي يتسلّح بها كل طرف لمواجهة الطرف الآخر. فهذه هي المرّة الأولى التي يتم فيها اسقاط مقاتلة رافال الفرنسية الصنع فخر الصناعة الأوروبية التي لم يسبق إسقاطها في معركة من قبل. الرافال مقاتلة من الجيل 4.5 و تتمتع بتكنولوجيا متقدمة وقدرة على تنفيذ مهمات قتالية معقدة، حيث تم تصميمها لتحقيق التفوق الجوي، وعمليات الاعتراض، والاستطلاع، والدعم الأرضي، والضربات في عمق العدو، والهجمات المضادة للسفن، ومهام الردع النووي. يبلغ سعر المقاتلة الواحدة ما بين 115 مليون و 125 مليون دولار، وهي من بين الأغلى في العالم.

لم تكتف باكستان بإسقاط واحدة، بل أسقطت ثلاث منها دفعة واحدة. الخبر الاسوء من هذا بالنسبة للهند أن باكستان استخدمت مقاتلات صينية الصنع من طراز J-10C  في اسقاطها. ويقال أنّ مقاتلات باكستان الصينية الصنع إستعملت أيضاً نسخة محلّية من الصاروخي الصيني "بي أل-15" في اسقاط المقاتلات الهندية الخمس الفرنسية والروسية الصنع، مدعومة بأنظمة تشويش باكستانية عالية. كما اتبعت باكستان تلك العملية باسقاط حوالي 29 مسيّرة هيرون إسرائيلية الصنع تم استخدامها من قبل الهند في اليومين الماضيين.

لقد كشفت العدوانية غير المحسوبة للهند والرد القوي لباكستان عن مخاطر الاعتماد المفرط على المواقف العسكرية المدعومة من الغرب، بينما تؤكد في الوقت نفسه على دور الصين المتزايد في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا العسكرية.
عقب العملية، أفادت تقارير اقتصادية الى انخفاض اسهم الدفاع الأوروبية ولاسيما تلك التي تعود الى شركة داسو افياشنن الشركة المصنّعة لرافال، فميا ارتفعت اسهم الشركات الدفاعية الصينية. ترافق ذلك مع ترويج لقدرات التكنولوجيا الصينية وقدرات الصين العسكرية فيما يبدو انّها معركة أبعد من المعركة المباشرة بين الهند وباكستان. إسقاط المقاتلة الباكستانية صينية الصنع لمقاتلات فرنسية وروسية متقدمة هو مؤشر على الشوط الكبير الذي قطعته الصين في مجال التكنولوجيا العسكرية والصناعات الدفاعية

يترافق هذا الصعود العسكري مع الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتّحدة ضد بكين والتنافس القائم بين البلدين على المستوى الدولي لاسيما في شرق آسيا ومنطقة الاندو-باسيفيك بين المحيط الهادئ والهندي حيث تبرز التحالفات بشكل أوضح. وتسعى الولايات المتّحدة والدول الغربية الى دعم الهند سياسيا واقتصاديا وعسكرياً لمواجهة الصعود الصيني. اذ غضّت واشنطن الطرف عن قيام الهند بشراء معدات عسكرية من روسيا. وقام الكونغرس الأمريكي بإصدار اعفاء للهند من العقوبات للسماح لها باستقدام نظام الدفاع الصاروخي اس-400 ، وهو نفس النظام الذي فرضت الولايات المتّحدة بحجّته عقوبات على تركيا، الحليف في حلف شمال الأطلسي.

كما غضت واشنطن الطرف عن تحّول الهند إلى أكبر مستورد للنفط الروسي خلال الحرب الروسية على أوكرانيا بالرغم من العقوبات المفروضة على موسكو. وبخلاف موقفها من تعامل الصين مع المسلمين، تتجاهل الولايات المتّحدة والغرب العنصرية الهنديّة والتطرف الهندي ضد المسلمين الهنود. كل ذلك يحصل في ظل دعم الصعود الهندي لمواجهة الصعود الصيني. في المقابل، يزداد اعتماد باكستان على الصين لسد احتياجاتها الدفاعية في ظل الضغوط الغربية عليها لاسيما بعد تدهور علاقاتها مع الولايات المتّحدة خلال العقدين ونيّف الماضيين.

التصعيد الهندي ـ الباكستاني يجب ألا يُنظر إليه كنزاع محلي، بل كاختبار حقيقي لمستقبل الردع العسكري وسياسة التحالفات في عالم يتجه نحو تعددية قطبية متزايدة. لقد كشفت العدوانية غير المحسوبة للهند والرد القوي لباكستان عن مخاطر الاعتماد المفرط على المواقف العسكرية المدعومة من الغرب، بينما تؤكد في الوقت نفسه على دور الصين المتزايد في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا العسكرية. بالنسبة للغرب، تثير الحادثة أسئلة غير مريحة، هل تفتح هذه الواقعة الباب امام الصين للمنافسة في المجال الدفاعي بعد أن كانت قد حسمت الى حد كبير التنافس الاقتصادي؟ هل ستكون الصين البديل القادم عسكريا وتكنولوجيا؟ وما مدى تأثير ذلك على التحالفات السياسية القائمة واعتماد الدول الأخرى على الغرب؟