ملفات وتقارير

بفعل تمدد بؤر الصراع.. الجوع يهدد حياة 36 مليون شخص بأفريقيا

صراع نفوذ بأفريقيا إلى جانب الصراعات المحلية - جيتي
دقّ برنامج الأغذية العالمي ناقوس الخطر، مؤكدا أن حياة 36 مليون شخص في أفريقيا باتت مهددة بفعل تمدد واتساع بؤر الصراع والحروب بالقارة، وسط مشهد إقليمي ودولي معقد.

وتعتبر أفريقيا ساحة للصراع بين القوى الكبرى، وتتنافس الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا، على مواردها وموقعها الاستراتيجي، فيما يغذي هذا التنافس الصراعات المحلية بالقارة، وفق متابعين.

وعلى الرغم من أن الثروات والموارد المتنوعة التي تتمتع بها القارة الأفريقية، والتي تجعلها مؤهلة لأن تكون ضمن الاقتصادات العالمية الأسرع نمواً، والأهمية الجيوسياسية للقارة، إلا أن سكانها لا يزالون يعانون من الفقر والجوع، بفعل الصراعات والحروب الأهلية.

وأعلن برنامج الأغذية العالمي مساء الجمعة، أن الجوع بات يهدد حياة 36 مليون شخص من مجموع سكان القارة البالغ عددهم نحو 1,5 مليار نسمة.

وأشار البرنامج إلى أن "استمرار الصراع والنزوح والتدهور الاقتصادي والأنماط المناخية الشديدة وارتفاع أسعار المواد الغذائية في غرب ووسط أفريقيا يُفاقم مشكلة الجوع، ويدفع احتياجات ملايين الأشخاص إلى مستويات قياسية، في ظل نقص حاد في التمويل الإنساني".

الاحتياجات الإنسانية بلغت ذروتها

وتوقع برنامج الغذاء العالمي أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من 52 مليونا خلال السنة الحالية بما في ذلك ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص في ظروف طارئة (الدرجة الرابعة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي)، و2600 شخص في مالي مُعرّضون لخطر الجوع الكارثي (الدرجة الخامسة).



وأوضح البرنامج أن الاحتياجات الإنسانية في القارة الأفريقية بلغت ذروتها التاريخية، مؤكدا أنه يسعى إلى الوصول إلى 12 مليون شخص في المنطقة بالمساعدات الأساسية والدعم الغذائي هذا العام.

وحذر البرنامج من أن خمسة ملايين شخص معرضون لخطر فقدان المساعدة كليا ما لم يتلقَّ تمويلا عاجلا. وأكد أنه بحاجة إلى 710 ملايين دولار بشكل عاجل لمواصلة تقديم المساعدات لأكثر الفئات ضعفا في المنطقة خلال الأشهر الستة المقبلة.

"نقطة تحول"

وقالت المديرة الإقليمية للبرنامج في غرب ووسط أفريقيا مارجو فان دير فيلدن، في تصريحات صحفية: "نحن عند نقطة تحول، وملايين الأشخاص يهددهم الجوع".

وأوضحت أنه بدون تمويل فوري سيضطر البرنامج إلى تقليص مساعداته بشكل أكبر، سواء من حيث عدد الأشخاص الذين تصل إليهم المساعدات أو حجم الحصص الغذائية الموزعة، مشيرة إلى أن "العواقب وخيمة، ففي المجتمعات التي تعاني بالفعل من الأزمة، اضطر الكثيرون إلى بيع آخر ممتلكاتهم وتفويت وجبات الطعام، مما يعرض صحتهم وحياتهم لآثار طويلة المدى".

وأضافت: "من خلال قيادة الطريق والاستثمار في الإجراءات المبكرة، واستعادة النظم البيئية، يمكننا حماية المجتمعات الضعيفة، وإنقاذ الأرواح، وتقليل الاحتياجات الإنسانية المستقبلية، والحفاظ على مكاسب الصمود في جميع أنحاء المنطقة".

بؤر الصراع تتمدد

وتتوزّع بؤر الصراع في العديد من بلدان القارة، خصوصا في إثيوبيا، والسودان، وأفريقيا الوسطى، والصومال، والكونغو الديمقراطية، والكاميرون، ومالي، وبوركينافاسو، وتشاد، ونيجيريا، والنيجر.

هذه البؤر بدأت في التمدد نحو بلدان أخرى، مثل ساحل العاج المهددة بالعودة للحرب الأهلية جراء أزمة سياسية بدأت تلوح في الأفق.

الساحل الأفريقي تحت دائرة الضوء

في منطقة الساحل الأفريقي (مالي، بوركينافاسو، النيجر) ينمو الصراع بشكل كبير وينتشر السلاح على نطاق واسع، وباتت هذه المنطقة تحت دائرة الضوء بسبب التهديدات الأمنية والاضطرابات الخطيرة التي يؤججها نفوذ لاعبين دوليين.

فقد انهار الاتفاق الموقع سنة 2015 بين الحكومة المركزية في باماكو والحركات الأزوادية، وعاد الصراع بقوة بين الطوارق المطالبين بانفصال إقليم أزواد، وحكومة باماكو، ثم اندلعت أزمة دبلوماسية كبيرة بين الجزائر وبلدان كونفدرالية الساحل.

وفاقمت هذه الأزمة، أوضاع سكان الشمال المالي، حيث تسببت في تدهور غير مسبوق للأوضاع المعيشية للسكان وغالبيتهم من مدن إقليم أزواد المطالب بالانفصال عن الحكومة المركزية في بماكو.

وتشترك مالي والجزائر في حدود برية تزيد على 1300 كيلومتر تنتشر فيها الجماعات المسلحة وتعد معقلا لشبكات التهريب في منطقة الساحل الأفريقي.

ووفق نشطاء من شمال مالي تسببت الأزمة في توقف تام لعبور الشاحنات بين الجزائر والدول الثلاث، حيث كان سكان الشمال المالي، يعتمدون بشكل أساسي على السلع والمنتجات التي تدخل إلى المنطقة من الجزائر سواء بالطرق القانونية أو عبر شبكات التهريب التي تنشط في المنطقة.




وتعتمد كافة الأسواق الشعبية في الشمال المالي على المواد التي تتدفق من الجزائر، خصوصا في ظل العقوبات التي تفرضها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، على مالي والنيجر وبوركينافاسو، بسبب الانقلابات التي عرفتها هذه البلدان.

القرن الأفريقي.. مركب أمني خاص

وتعتبر منطقة القرن الأفريقي إحدى أبرز بؤر الصراع في القارة السمراء، حيث تعرف اضطرابات وأزمات متعددة تغذيها عوامل داخلية وخارجية وتقاطع المصالح بين القوى الدولية وتداخل الأجندات الإقليمية، وذلك نظرا لأهمية هذه المنطقة الأمنية والاستراتيجية.

وعانت منطقة القرن الأفريقي لعقود من حروب أهلية وصراعات داخلية وإقليمية، ما جعلها من بين المناطق الأقل استقرارا في العالم.

وتدفع الأزمات والصراعات بالقرن الأفريقي ملايين الأشخاص إلى النزوح بشكل مستمر، وسط نقص شديد في الغذاء والدواء.

ووفق المنظمة الدولية للهجرة بلغ عدد النازحين في منطقة القرن الأفريقي 20.75 مليون شخص في نهاية عام 2024، حيث يضم الصومال 3.5 مليون نازح، وإثيوبيا 3.2 مليون نازح، وجنوب السودان مليوني نازح، ويتوزع باقي النازحين في البلدان الأخرى بدرجات متفاوتة.

وترجع المنظمة الدولية للهجرة التزايد في أعداد النازحين في القرن الأفريقي إلى استمرار الاقتتال الدائر في السودان، إضافة إلى تداعيات التغير المناخي.

وتقول منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إن حوالي 67.4 مليون شخص معرضون لانعدام الأمن الغذائي في المنطقة بينهم 38 مليون شخص ينحدرون من الدول الأعضاء في "إيغاد" وهي: جيبوتي، وكينيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، وأوغندا.

وتؤكد المنظمة أن النزاعات والأوبئة ونقص الغذاء والماء الصالح للشرب ما زالت تؤثر بشكل خطير على الأمن الغذائي في منطقة القرن الأفريقي.

وتشمل منطقة القرن الأفريقي 8 دول في شرق القارة هي: الصومال وجيبوتي وأريتريا وإثيوبيا، وكينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

صراعات عرقية متجددة

وفي الكونغو الديمقراطية، يستمر الاقتتال بين الحكومة وحركة "إم 23" المدعومة من رواندا، حيث يعرف هذا البلد حروبا أهلية وصراعات عرقية متجددة، معظمها في المنطقة الشرقية المحاذية لحدود رواندا، حيث تعيش فيها قوميات عديدة، وعلى رأسها التوتسي والهوتو.

ويعرف شرق الكونغو الديمقراطية الغني بالموارد أعمال عنف منذ شهور، فيما أطلقت حركة "إم23" المتمردة هجوماً مباغتاً مؤخرا، دفع الجيش الكونغولي للخروج من معظم أجزاء ولايتي شمال وجنوب كيفو وفاقم المخاوف من إمكانية اندلاع حرب إقليمية أوسع.

وحركة "إم23" حركة مسلحة متمردة تنشط في المناطق الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبالأخص في مقاطعة كيفو التي تحد كلا من أوغندا ورواندا.

وتفيد أرقام رسمية بأن النزاع الذي اتسع بشكل كبير منذ يناير الماضي بين الجيش والمتمردين بشرق الكونغو، خلف أكثر من 7 آلاف قتيل، كما أنه تسبب في عمليات لجوء ونزوح واسعة، فضلا عن تداعياته الاقتصادية والصحية.




وفي خضم هذا التصعيد واستمرار القتال العنيف، تقول الأمم المتحدة، إن الحرب دفعت خلال الفترة الأخيرة نحو 100 ألف شخص إلى الفرار من مناطقهم.

ويؤكد متابعون أن حجم اتساع دائرة الصراع في القارة، ساهم بشكل كبير في موجات نزوح غير مسبوقة، وهو ما يعني حاجة الملايين للدعم.

ووفق مختصين في الشأن الأفريقي فإن الصراع في غرب القارة يمكن أن يتحول إلى اشتباكات عسكرية خطيرة بين دول المنطقة، خاصة أن هيكل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" آخذ في التصدع.

وفي وقت تحاول فيه فرنسا الحفاظ على هيمنتها في القارة، تسعى قوى دولية أخرى، خصوصا روسيا والصين وتركيا، إلى تكريس نفوذها.

هذا الصراع بين القوى الدولية، ساهم بشكل كبير في انتشار السلاح بأفريقيا وأجج النزاعات المحلية والإقليمية.