ملفات وتقارير

رفع العقوبات عن سوريا.. هل تُشكل اللحظة الفارقة لانطلاق الاقتصاد من جديد؟

القرار وُصف بكونه بداية الانفراجة على الاقتصاد السوري المحطّم- جيتي
"العقوبات وحشية ومعيقة، وحان الوقت لتنهض سوريا؛ سآمر برفع العقوبات عن سوريا لمنحهم فرصة للنمو والتطور" بهذه الكلمات وضع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حجر الأساس، لمرحلة جديدة في الاقتصاد السوري، المُنهك من سنوات الحرب، والمحفوف بالتحديات التي تتطلب أكثر من مجرد رفع للعقوبات.

وغُداة الإعلان عن رفع العقوبات الأمريكية، على سوريا، خلال كلمة ترامب بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي. كان ترامب قد عقد اجتماعا مع الرئيس السوري، أحمد الشرع، اليوم الأربعاء، في الرياض على هامش القمة الخليجية الأميركية.

اللقاء الذي جمع ترامب مع الشرع، حضره كل من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، ونظيره السوري، أسعد الشيباني، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر تقنية الفيديو. 

في هذا التقرير عملت "عربي21" على بسط واقع الاقتصاد السوري الحالي، بما فيه من سلبيات، وملامح للنهوض من جديد، مع سرد تاريخي لقصة العقوبات المتتالية التي فرضت على البلاد لسنوات طوال، فأحنت ظهرها وعرقلت تقدّمها.


بداية جديدة
بدعم من السعودية وقطر وتركيا، نجحت الإدارة السورية الجديدة، في دفع الولايات المتحدة لتلبية مطلبها برفع العقوبات عن سوريا، وذلك بعد زوال سبب فرضها، أي عقب سقوط نظام رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، قد رفعت بشكل مؤقّت بعض العقوبات، في صيغة استثناءات، غير أنّ دمشق كانت قد أكدت أنّ هذه الاستثناءات لن تؤدّي لتغيّر إيجابي على حياة السوريين، جرّاء حجم وكمية العقوبات، والقوانين والأوامر التنفيذية الصادرة عن الكونغرس ووزارة الخزانة الأميركية.

وفي وقت سابق، وصف الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، واقع البلاد، بالقول إنّ: "نصف الشعب السوري خارج البلاد وبنية الاقتصاد التحتية مدمّرة" وذلك خلال مؤتمر صحفي في دمشق، مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان. 

القصة من البداية..
الولايات المتحدة فرضت أولى عقوباتها، على سوريا، في كانون الأول/ ديسمبر 1979، حين أدرجتها على قائمة "الدول الراعية للإرهاب"، إثر تدخّل سوريا العسكري في لبنان، ودعمها للمقاومة الفلسطينية. ما نتج عنه: فرض حظر شامل على صادرات الأسلحة والمبيعات الدفاعية لسوريا، وقيود على تصدير الولايات المتحدة، المواد ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري.

وخلال عام 2004، واجهت سوريا أول حزمة قانونية أميركية، فرضت عليها عقوبات متعدّدة، إذ أقرّت إدارة الرئيس جورج بوش الابن عام 2003 قانون "محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"؛ لتطبّقه في أيار/ مايو 2004، بهدف إنهاء الوجود السوري بلبنان، ومعاقبة نظام الأسد.

وفيما تمّ تقييد حركة البعثة الدبلوماسية السورية في واشنطن ونيويورك، مع تقليل الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين؛ شمل الحظر أيضا منع شركات الطيران السورية من الإقلاع أو الهبوط أو التحليق فوق الأراضي الأميركية، وحظر تصدير جميع المواد المنتجة في أميركا، باستثناء المواد الغذائية والطبية.

وفي عام 2005، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، سحبت الولايات المتحدة الأميركية سفيرتها في دمشق مارغريت سكوبي. لتتوسّع العقوبات أكثر في 2006، بموجب قانون مكافحة الإرهاب الأميركي باتريوت، لتشمل القطاع المصرفي السوري، لتستهدف البنك التجاري السوري. وتم تجديد الأمر نفسه في أيار/ مايو 2010.

وبعد عام 2011 تم فرض عقوبات متسارعة، بلغت ذروتها في عام 2020 مع إقرار ما عرف باسم "قانون قيصر"، إذ توسّعت لتشمل القطاعات الاقتصادية الأساسية بهدف الضغط على النظام لتغيير سلوكه؛ مع حظر على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلا عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. ما أدّى أكثر لانهيار الاقتصاد السوري.

تجدر الإشارة إلى أنه خلال سريان العقوبات، كانت واشنطن قد أقرّت بعض الإعفاءات، يتعلّق الأول بترخيص صدر لتركيا في عام 2019، للعمل في المناطق غير الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، عبر السماح لها بتنفيذ مشاريع تنموية أو المساهمة فيها، بمجالات الطاقة والدفاع والزراعة والتعليم، شريطة عدم التعامل مع حكومة الأسد أو الأشخاص المُعاقبين.

أما بخصوص الإعفاء الثاني، فإنه جاء خلال عام 2019، بسبب حالات طارئة (جائحة كورونا) إذ شمل الاستثناء من العقوبات، قطاع الوقاية والعلاج الطبي، من خلال السماح باستيراد المواد الطبية؛ ومع زلزال شباط/ فبراير 2023، شمل الاستثناء أيضا السماح بتحويل الأموال لسوريا، على ألا يتم التحويل لأشخاص معاقبين وفق القوائم الأميركية.

وبحسب عدد من المحلّلين، طالما وُصف الاقتصاد السوري بكونه "مشوّها"؛ جرّاء تحوّل معامل القطاع العام إلى "خُردة"، فيما تم بالمُقابل تفكيك القطاع الخاص ونقل مُجمله نحو تركيا ومصر والأردن. إذ أن العقوبات المفروضة والحرب التي كانت قائمة، وأيضا طريقة النظام السابق في تدبير البلاد؛ قد جعل البلاد تغرق في "اقتصاد الظل".

ووفقا لجمعية العلوم الاقتصادية السورية، فإنّ "اقتصاد الظل" ينقسم لنوعين؛ الأول: نشاط قانوني لكنه غير مرخص، وهو "الاقتصاد غير الرسمي"، إذ لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته بحسابات الدولة. والنوع الثاني، فهو "اقتصاد الجريمة أو الأسود" وتندرج فيه كافة الأعمال المتعلقة بالأسلحة والمخدرات وسرقة الآثار وأيضا المتاجرة بالبشر.

 أي مستقبل للاقتصاد السوري؟ 
مُباشرة عقب إعلان الرئيس الأمريكي عن اعتزامه رفع العقوبات على سوريا، شهد سعر صرف الليرة السورية، مقابل الدولار، اليوم الأربعاء، في دمشق وحلب وإدلب، ارتفاعا، إلى 8500 ليرة عند الشراء من 9100 ليرة، فيما زاد إلى 8800 ليرة من 9300 ليرة عند البيع.

أيضا، في الحسكة، قد ارتفع سعر صرف الليرة إلى 8400 ليرة من 9600 ليرة عند الشراء، وإلى 8600 ليرة من 9700 ليرة عند البيع.

في السياق نفسه، ثبّت مصرف سوريا المركزي، سعر صرف الليرة السورية، مقابل الدولار، عند 11 ألفا للشراء و11 ألفا و110 ليرات، وهو السعر الجديد الذي أقرّه يوم أمس.

 أي فرص استثمارية؟ 
عقب جُملة اتصالات جمعت بين الإدارة السورية الجديدة، وواشنطن، تم الإعلان في وقت سابق عمّا عُرف باسم: "الرخصة 24" وهي تخفيف للعقوبات المفروضة على سوريا ببعض القطاعات، لمدة 6 أشهر، انطلاقا من 6 كانون الثاني/ يناير.

ورمت الرخصة إلى: العمل والتعاقد مع الحكومة السورية الجديدة، وتقديم المساعدة لها، على الرغم من أنّ الحكومة ما زالت حسب القانون الأميركي مدرجة على: "لوائح الإرهاب الأميركيّة".

"للمساعدة في ضمان عدم عرقلة العقوبات للخدمات الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي" هذا ما تضمّنه بيان، صدر في وقت سابق، عن  الخزانة الأميركية.

القرار الذي وُصف بكونه بداية الانفراجة على الاقتصاد السوري المحطّم، كان قد شمل: السماح‏ للشركات والأطراف الدولية بالتعاقد مع الوزارات والهيئات والمديريات الحكومية السورية؛ وذلك باستثناء وزارة الدفاع والاستخبارات، مع تقديم الخدمات والمساعدات، بما في ذلك الهبات المخصصة لدفع رواتب الموظفين الحكوميين.

أيضا، الإعفاءات ذاته، كانت قد سنحت للشركات بالدخول لإصلاح شبكات الكهرباء ومحطات الطاقة، مع خوض المعاملات المرتبطة ببيع أو توريد أو تخزين النفط، والغاز الطبيعي، والكهرباء داخل سوريا أو إليها. مع تسهيل تحويل الأموال الشخصية غير التجارية لسوريا، مع إمكانية التعامل عبر البنك المركزي السوري (غير مشمول برفع العقوبات).

وكان رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، قد أوضح في تقرير أنّه: "بالإضافة إلى مساعدات إنسانية فورية، يتطلّب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل للتنمية، من أجل بناء استقرار اقتصادي واجتماعي لشعبها".

وفي السياق نفسه، شدّد المسؤول الأممي على: "أهمية استعادة الانتاجية من أجل خلق وظائف والحدّ من الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنى الأساسية للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطاقة".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع