حقوق وحريات

هيومن رايتس ووتش: قطاع غزة يدخل مرحلة جديدة من "الإبادة الجماعية"

هيومن رايتس ووتش: الخطة الإسرائيلية الأخيرة تقترب أكثر من الإبادة - جيتي
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الخميس٬ إنّ خطة حكومة الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة وحشر السكان الفلسطينيين في رقعة جغرافية ضيقة، تمثل تصعيداً خطيراً في سياق الجرائم المستمرة، وتشمل جرائم ضد الإنسانية، وتطهيراً عرقياً، وأفعال إبادة جماعية.

وأشارت المنظمة إلى أنّ السلطات الإسرائيلية، التي تمنع منذ 75 يوماً دخول الغذاء والوقود والمساعدات الطبية إلى غزة، وافقت على خطة تشمل تسوية المباني بالأرض وتهجير سكان القطاع بالكامل إلى "منطقة إنسانية" واحدة، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع حركة "حماس" بحلول منتصف أيار/مايو الجاري.


وأوضحت "هيومن رايتس ووتش" أنّ مواجهة هذا التصعيد في الحصار والتدمير والتهجير القسري تتطلب تحركاً دولياً حازماً، داعيةً الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي إلى وقف مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وفرض عقوبات محددة على المسؤولين الإسرائيليين، ومراجعة الاتفاقيات الثنائية، بما في ذلك إمكانية تعليقها.


وقال المدير التنفيذي المؤقت للمنظمة٬ فيديريكو بوريلو: "يتفاخر المسؤولون الإسرائيليون بخطط تدفع بمليوني فلسطيني إلى منطقة محدودة، فيما يُحوّل باقي القطاع إلى أرض غير صالحة للسكن. هذه التصريحات بمثابة ناقوس خطر يجب أن يُسمع في واشنطن، ولندن، وباريس، وبروكسل. لقد تجاوز الحصار الإسرائيلي نطاق التكتيك العسكري، ليُصبح أداة إبادة جماعية".

من جهتها، حذرت الأمم المتحدة من أنّ غزة تمر بأسوأ أزمة إنسانية منذ بدء الحرب، في حين أكد خبراء الأمن الغذائي العالميون أن مجاعة وشيكة تهدد واحداً من كل خمسة أشخاص في القطاع. 

وقالت منظمة الصحة العالمية إنّ غزة تشهد واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، مشيرة إلى وفاة ما لا يقل عن 57 طفلاً بسبب سوء التغذية منذ بدء الحصار.

ورغم هذه التحذيرات، أكد وزير الحرب الإسرائيلي٬ يسرائيل كاتس في نيسان/أبريل الماضي، أنّ "لا مساعدات إنسانية ستدخل غزة"، بينما صرّح وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير قائلاً: "طالما أن الرهائن محتجزون، فلا مبرر لإدخال غرام واحد من الطعام". 

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنّ 58 أسير لا يزالون محتجزين في غزة، يُعتقد أن 23 منهم أحياء.
وبينما تطالب المنظمة الفصائل الفلسطينية بالإفراج الفوري عن الأسرى المحتجزين، دعت "هيومن رايتس ووتش" الاحتلال الإسرائيلي بدورها إلى الإفراج الفوري عن الفلسطينيين المحتجزين بصورة غير قانونية.

وفي خطوة تصعيدية، وافق المجلس الوزاري الأمني المصغّر، بقيادة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، على خطة حملت اسم "عربات جدعون"، تنص على تهجير جزء كبير من سكان غزة واحتلال القطاع بالكامل، على أن يبدأ تنفيذها بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط.


وقد صرّح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأنّ إسرائيل "ستُخلي غزة من سكانها وتحتلها بالكامل"، داعياً إلى تدمير القطاع وتهجير سكانه إلى دول ثالثة.

وحذّرت "هيومن رايتس ووتش" من أن تزامن هذه الخطط مع التدمير الشامل للمنازل والبنى التحتية واستخدام التجويع كسلاح، يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بل إلى أفعال إبادة جماعية، ما يستدعي تفعيل "واجب المنع" بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948. 

وأشارت إلى أن مسؤولية المنع لا تتطلب إثبات وقوع إبادة جماعية، بل يكفي وجود خطر جدي.

كما ندّدت المنظمة بخطط الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة لتوكيل متعاقدين عسكريين خاصين بتوزيع المساعدات في غزة، مؤكدةً أنّ هذه الخطط "ترسخ التهجير القسري وتستخدم المساعدات كأداة ضغط سياسي".

وبيّنت أن 90% من العائلات في غزة تعاني من شح المياه، في وقت يتواصل فيه منع إدخال الوقود الضروري لمحطات التحلية والآبار منذ بداية آذار/مارس الماضي، ما دفع السكان إلى الاعتماد على مياه ملوثة وساعات من الانتظار للحصول على القليل من الماء أو الطحين الفاسد.

وأكدت أن السلطات الإسرائيلية جعلت من إيصال المساعدات مهمة شبه مستحيلة، خصوصاً مع تكثيف أوامر الإخلاء والقصف، مما أجبر 95% من منظمات الإغاثة على وقف عملياتها أو تقليصها بشكل كبير منذ منتصف آذار/مارس الماضي.


ولفتت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تجاهل ثلاث مجموعات من التدابير المؤقتة أصدرتها محكمة العدل الدولية ضمن القضية المرفوعة ضدها من جنوب أفريقيا بتهمة ارتكاب إبادة جماعية.

وحذّرت المنظمة من أن استمرار دعم الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح والدبلوماسية رغم ارتكابها لجرائم جسيمة، يعرّض الحكومات المتورطة، لا سيما في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لخطر التواطؤ القانوني.

كما دعت إلى مراجعة الاتفاقيات الثنائية مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي مقدمتها "اتفاقية الشراكة" بين تل أبيب والاتحاد الأوروبي، واتفاقية الشراكة التجارية بين المملكة المتحدة والاحتلال ومخطط "خارطة الطريق 2030" بين لندن وتل أبيب، وشطب البنود التي تحمي إسرائيل من المساءلة.

واختتم بوريلو قائلاً: "اتفاقية الإبادة الجماعية تلزم الدول بمنع الإبادة قبل معاقبة مرتكبيها. التراخي في مواجهة سياسات التجويع والتدمير التي تنفذها إسرائيل في غزة يُعد خيانة للالتزامات القانونية والأخلاقية للدول الموقعة على الاتفاقية".