وصف المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي اي ايه)، الجنرال المتقاعد ديفيد
بتريوس، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"٬ الهجمات المشتركة التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة ضد المنشآت
النووية الإيرانية بأنها "عمليات استثنائية"، لكنه أشار إلى أن تقدير حجم الضرر الذي خلفته لا يزال في مراحله الأولى ويحتاج إلى وقت وتحليل دقيق.
وخلال حديثه مع المذيعة كريستيان أمانبور، شدد بتريوس على أن "عملية تحليل أضرار القصف ليست فورية، وتتطلب جمع معلومات استخباراتية من مصادر متعددة لتكوين صورة دقيقة"، مؤكداً أن "النتائج المبكرة تبدو مثيرة للإعجاب للغاية، لكن لا أحد يمكنه الجزم حتى الآن بما تم تدميره فعلياً داخل منشأة فوردو النووية".
ورداً على الجدل المتصاعد بشأن مدى نجاح الضربات، قال بتريوس إن "العمليات التي نفذتها إسرائيل اتسمت بكفاءة مذهلة. لم تُفقد أي طائرة مأهولة، ولم يسقط أي طيار، فيما كانت الخسائر تقتصر على طائرتين مسيرتين فقط، على حد علمي"، مضيفاً أن "العملية الأمريكية كانت على المستوى ذاته من الدقة والاحتراف، وقد شاركت فيها 125 طائرة من مختلف الأنواع".
وعلّق بتريوس على الرد الإيراني على الضربات، معتبراً أنه كان "رداً مسرحياً" أكثر منه تصعيداً عسكرياً فعلياً. وقال: "كان من الواضح أن إيران أرادت حفظ ماء الوجه، لكنها لم تكن ترغب في تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تستدعي رداً عسكرياً كبيراً من الجانب الأمريكي".
وأضاف: "أغلقت قطر مجالها الجوي مسبقاً، وجرى توجيه كل أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي والراداري نحو التهديد المحتمل. الصواريخ الإيرانية التي أُطلقت كانت رمزية، وسُقطت جميعها دون أن تُحدث أي إصابات بين القوات الأمريكية".
وأوضح بتريوس أن هذه التطورات أعطت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة لإعلان وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اضطر إلى القبول بذلك، خاصة بعد أن أعلن سابقاً أن إسرائيل أوشكت على تحقيق أهدافها من العملية".
الغموض يلف مصير "اليورانيوم"
وعن مزاعم ترامب بأن منشأة فوردو قد تم تدميرها بالكامل، أبدى بتريوس تحفظاً، قائلاً: "يمكن التكهن بأن إسقاط 12 صاروخاً خارقاً على المنشأة قد ألحق أضراراً كبيرة، ربما دمر أجهزة الطرد المركزي بسبب الاهتزازات وحدها، لكننا لا نعلم حتى الآن ما إذا كانت كميات اليورانيوم العالي التخصيب قد تضررت بالكامل أو أصبحت غير صالحة للاستخدام".
وأضاف: "هناك أيضاً أسئلة عالقة حول ما إذا كانت إيران قد نقلت بعض أجهزة الطرد المركزي مسبقاً، أو إن كانت تحتفظ بمواقع سرية لم تُستهدف. هذه أمور تحتاج إلى وقت للكشف عنها".
ومع إشارته إلى أن الضربات شكلت "نكسة كبيرة" للبرنامج النووي الإيراني، رجح بتريوس أنها قد تؤدي إلى "تأخير قدرات إيران النووية لسنوات"، لكنه ختم بتحذير قائلاً: "السؤال الحقيقي الذي لم يُحسم بعد هو: هل يوجد يورانيوم مخصب بدرجة عالية في أماكن أخرى؟ وهل تمتلك إيران القدرة على استئناف البرنامج بسرعة من خلال أجهزة طرد مركزي بديلة؟ سنكتشف ذلك مع مرور الوقت".
وتأتي تصريحات بتريوس في وقت تتباين فيه التقديرات بشأن ما إذا كانت هذه الضربات تمثل نهاية لموجة التصعيد بين طهران وتل أبيب، أم أنها مجرد مرحلة أولى في معركة طويلة الأمد.
في 13 حزيران/يونيو الجاري، أطلق الاحتلال الإسرائيلي بدعم مباشر من الولايات المتحدة هجوماً عسكرياً واسع النطاق على إيران، استمر اثني عشر يوماً، واستهدف طيفاً واسعاً من المواقع العسكرية والمنشآت النووية والبنية التحتية المدنية، إلى جانب تنفيذ عمليات اغتيال طالت قادة بارزين في الحرس الثوري وعلماء في مجال الطاقة النووية.
ودفع طهران إلى الرد بقصف منشآت عسكرية واستخبارية إسرائيلية باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، في تصعيد غير مسبوق بين الطرفين طال عمق الأراضي الإسرائيلية.
وفي 22 حزيران/يونيو الجاري، وسّعت الولايات المتحدة من مشاركتها المباشرة، عبر شن ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، قالت إنها تهدف إلى شل البرنامج النووي الإيراني وتدميره.
ورداً على ذلك، أقدمت طهران على قصف قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، وهي إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، في رسالة وُصفت بأنها تحمل بعداً إقليمياً يتجاوز الحسابات الثنائية مع إسرائيل.
وبعد هذا التصعيد المتسارع، أعلنت واشنطن، في 24 حزيران/يونيو الجاري، التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، في خطوة قال مراقبون إنها جاءت لاحتواء الانزلاق نحو مواجهة شاملة يصعب التحكم في مآلاتها.