في تطور فاجأ الرأي العام
السنغالي والإقليمي كشف رئيس الوزراء السنغالي عثمان
سونغو عن خلاف قوي بينه ورفيق دربه، رئيس البلاد
باسيرو ديوماي فاي، وذلك بعد سنة من وصولهما السلطة، في انتخابات تمكنا عبرها من هزيمة مرشح نظام الرئيس السابق ماكي صال.
وتم تعيين سونغو في منصب رئيس وزراء السنغال مطلع نيسان/ أبريل 2024، بعيد ساعات فقط من تنصيب باسيرو ديوماي فاي رئيسا للبلاد.
تجدر الإشارة إلى أنه وطيلة السنوات الماضية، ظلّ سونغو وفاي رفيقي درب في النضال ضد نظام الرئيس السابق ماكي صال، وحوكما وسجنا في سبيل ذلك.
وتم ترشيح ديوماي فاي من داخل السجن في خطة بديلة للتعويض عن سونغو الذي رفض النظام السابق ملف ترشح، بحجة إدانته من قبل القضاء.
وينظر إلى تجربة التحالف بين ديوماي وسونغو، على أنها تركيبة سياسية غير مألوفة في الأنظمة شبه الرئاسية، حيث رئيس يتمتع بشرعية انتخابية صلبة، ورئيس وزراء قائد لحزب جماهيري وناشط سياسي عينه على كرسي الرئاسة.
وتفجرت
الأزمة بين الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي، ورئيس حكومته عثمان سونغو، أثناء زيارة ديوماي فاي للولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في اجتماع بجانب قادة أربع دول أفريقية أخرى مع الرئيس الأمريكي ترامب.
فقد أكد سنغو، خلال افتتاح المجلس الوطني لحزبه "الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة" المعروف اختصارا بـ"باستيف" أن هناك توتر في العلاقة بينهم والرئيس ديوماي فاي، مضيفا أنه لن يستقيل من منصبه، ولكن إذا رأى الرئيس أنه لم يعد بالإمكان أن يكون وزيره الأول "فيمكنه إقالته، وسيعود إلى الجمعية الوطنية (البرلمان).
وشدد سونغو على أنه "لن يقبل أبدا الأوضاع الراهنة"، موضحا أنه طلب من الرئيس "وضع حد لها، وفي غياب رد ملموس عليه أن يصلح هذا الأمر أو أن يتركني أقوم بذلك".
أزمة في السلطة
وقال سنغو، إن السنغال تعيش حاليا أزمة في السلطة وأن على الرئيس باسيرو ديوماي فاي تحمل المسؤولية مضيفا: "يجب أن يسود النظام في هذا البلد وإلا فمع ما يحدث لن نستمر في السلطة. النظام معقد، وكل ما يريدونه هو فشلنا".
وألمح إلى أن رفيق دربه ديوماي فاي، بدأ التحضير مبكرا للانتخابات الرئاسية المقررة 2029 من خلال اكتتاب نشطاء للتعبئة له.
وأبدى سونغو، تذمره من غياب مساحة التحرك الضرورية لتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها الحزب الذي يرأسه (باستيف) ناخبيه، مطالبا بتوضيح الصلاحيات والمسؤوليات، وداعيا الرئيس فاي إلى اتخاذ قرارات حاسمة أو منحه الحرية الكاملة لإدارة الملفات.
كما شدد على ضرورة تحرك المؤسسات القضائية لإتمام الإصلاحات وتعزيز المحاسبة والشفافية.
هذه التصريحات قفزت بخلاف الرجلين إلى الواجهة وهو خلاف قد ينسف التحالف الرئاسي السياسي بينهما ويدخل البلاد أزمة سياسية جديدة، وفق متابعين.
المعارضة تغذي الأزمة
وفيما يبدو أنها محاولة لتغذية الأزمة طالب حزب التحالف من أجل الجمهورية (APR) المعارض، بإقالة رئيس الوزراء عثمان سونغو، معتبرا أن قرار المحكمة العليا بتثبيت الحكم الصادر بحقه في قضية القذف "يجرده من أي شرعية أخلاقية أو قانونية للاستمرار على رأس الحكومة".
وندد الحزب بما وصفه بـ"الاضطهاد السياسي" لعدد من قياداته، من بينهم فاربا نغوم ومنصور فاي، واعتقال شخصيات معارضة للنظام، مثل مصطفى جاخاتي وطهرو صار، مطالبا بالإفراج الفوري عنهم، وداعيا إلى تعبئة وطنية "لحماية الحريات والديمقراطية ودولة القانون".
وأعلن الحزب دعمه للحركات الاحتجاجية في قطاعات العدل والتعليم والصحة، محذرا من تدهور المناخ الاجتماعي، داعيا الحكومة إلى فتح مفاوضات عاجلة مع الشركاء الاجتماعيين.
ويرى المحلل السياسي السنغالي، محمد جوب، أن الأزمة الحالية بين الرئيس السنغالي ورئيس حكومته، تغذيها بشكل خاص المعارضة التي يمثلها حاليا حزب الرئيس السابق مالكي صال.
وأشار جوب في تصريح لـ"عربي21" إلى أن أطرافا في المعارضة تدفع لتعميق الأزمة بين سونغو وفاي "نظرا لأن تفاقم الأزمة بينهما يعني دخول البلاد أزمة سياسية قد تستمر حتى موعد الانتخابات الرئاسية القائمة".
ولفت إلى أن تفاقم الأزمة السياسية ودخول المنظومة الحاكمة حاليا في صدام، يصب في صالح المعارضة، مضيفا أن وسائل إعلام قوية وواسعة الانتشار في السنغال تتحكم فيها المعارضة قد تلعب دورا بهذا الخصوص.
وتابع: "بالنسبة لي وكثير من السنغاليين، هذه الأزمة بين ديوماي فاي، وسونغو، كانت مفاجئة، نظرا إلى أنه وطيلة مسارهما كان يتفقان إلى حد كبير في رؤيتهما لإدارة البلد".
ونبه جوب في حديثه لـ"عربي21" إلى أن رئيس الوزراء السنغالي سونغو، بات يشعر على ما يبدو أن هناك أطرافا تدفعه لترك منصبه، مضيفا أن سونغو أشار إلى ذلك أكثر من مرة في خطابه الذي كشف عن الازمة التي يبدو أنها ظلت صامتة لبعض الوقت.
هل تنظم انتخابات سابقة لأوانها؟
ومع تصاعد أزمة النظام السنغالي، بدأت وسائل الإعلام والمعقلين السنغاليين يتساءلون عما إن كانت الأزمة السياسية الحالية ستدفع لتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي السنغالي، محمد جوب، إن تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها سيكون مستبعدا لجملة من الأسباب، من بينها أن أطراف الأزمة الحالية لا يخدمها تنظيم انتخابات في الوقت الحالي، حيث ستتشتت الأصوات بين طرفين متصارعين.
وأشار إلى أن المعارضة من جهتها لم ترتب أوراقها بعد، ولا ترغب في تنظيم الانتخابات في الوقت الحالي، بل من مصلحتها أن تتعمق الأزمة أولا بين المنظومة الحاكمة وتتوقف الإصلاحات المقام بها، ليتسنى للمعارضة الحصول على نقاط ضعف تستغلها في الحملة الانتخابية.
هل يتكرر السيناريو الموريتاني بالسنغال؟
وتذكّر الأزمة بين سونغو وديوماي فاي، بما جرى بين الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني وسلفه الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، حينما أصر ولد عبد العزيز على لعب دور في إدارة البلد بعد مغادرته السلطة، من خلال الحزب الحاكم، ما فجر أزمة بينه والغزواني انتهت به إلى السجن.
فقد تفجرت الأزمة بين الغزواني وولد عبد العزيز سنة 2019 حين ترأس ولد عبد العزيز اجتماعا للحزب الحاكم في
موريتانيا وأكد أنه الرئيس الفعلي للحزب الذي أسسه سنة 2014 وأنه ماض في ممارسة العمل السياسي.
وبعد أيام من هذا الاجتماع، وقع عشرات من نواب البرلمان الموريتاني عريضة عبروا فيها عن رفضهم لمحاولة ولد عبد العزيز الهيمنة على الحزب، ليتم تشكيل لجنة من البرلمان عهد إليها سنة 2020 بإجراء تحقيق في فترة حكم الرئيس السابق وهو ما تم بالفعل.
وفي عام 2021 أحيلت نتائج التحقيق للقضاء، ليبدأ مسار محاكمة الرئيس الموريتاني السابق الذي انتهى بصدور حكم قبل نحو شهر، بسجنه 15 سنة نافذة.
تفاعل واسع
وتفاعل الموريتانيون بشكل واسع مع الأزمة بين الرئيس السنغالي ورئيس حكومته، مؤكدين أنها شبيهة إلى حد كبير بأزمة الرئيس الموريتاني ولد الغزواني، وسلفه محمد ولد عبد العزيز.
وفي هذا الإطار تحدث الصحفي الموريتاني حبيب الله أحمد، عن تشابه الأزمة في البلدين، مشيرا إلى أن سونغو يتصرف بشكل مشابه لتصرفات الرئيس الموريتاني السابق بعد مغادرته السلطة.
وأشار في تدوينة عبر حسابه على فيسوك، إلى أنه "عمليا لا يمكن للرجلين أن يشغلا معا منصب الرئيس" موضحا سونغو من هوايته سجن الخصوم والتصعيد السياسي، أما دوماي فاي، فيفضل العمل دون صدام أو عنف".
ونبه إلى خيارات أمام ديوماي فاي "القوي دستوريا، أمام رئيس حكومته القوي برلمانيا، ومنها حل البرلمان والزج بسونغو في السجن".
وأكد عدد من المعلقين أن الخلاف الحاصل في السنغال "عكس فشل صيغة "القيادة الثنائية" التي قامت عليها السلطة في السنغال بعد انتخابات 2024، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول مستقبل الحكومة السنغالية، وما إن كانت هذه الأزمة ستنتهي إلى المحاكمة والسجن كما حصل بموريتانيا؟.
كما تفتح هذه الأزمة تساؤلات حول مستقبل استقرار هذا البلد الغرب أفريقي، الذي ينظر إليه على أنه أحد أهم الديمقراطيات بالقارة السمراء المثقلة بالانقلابات والتوترات السياسية.