تستعد
إيران والدول الأوروبية الثلاث
(ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) لخوض جولة جديدة من المفاوضات النووية الجمعة المقبلة
في مدينة إسطنبول التركية، وسط مؤشرات محدودة على احتمال تحقيق اختراق حقيقي في
النزاع المستمر بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وبحسب ما نقلته صحيفة "اعتماد"
الإيرانية عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، فإن اللقاء سيُعقد
على مستوى نواب وزراء الخارجية، في أول اجتماع رسمي من هذا النوع منذ وقف إطلاق
النار بين إيران وإسرائيل، والذي جاء عقب ضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية
وعسكرية حساسة داخل الأراضي الإيرانية.
محاولة إحياء قنوات التفاوض بعد "حرب
الظل"
الاجتماع المرتقب يحمل أهمية خاصة كونه يأتي
في أعقاب صدام عسكري مباشر وغير مسبوق بين إيران وإسرائيل، كشف ـ وفق تقارير
استخبارية ـ عن ثغرات أمنية إيرانية، وأعاد إلى الواجهة تساؤلات حول المدى الحقيقي
لتقدم طهران في ملفها النووي. وبالرغم من حالة الإنهاك الاقتصادي الذي تعاني منه
إيران جراء العقوبات الغربية، إلا أن المواقف المعلنة من الطرفين لا توحي بتنازلات
فورية.
وتسعى الدول الأوروبية إلى دفع طهران لقبول
قيود نووية جديدة تضمن بقاء البرنامج ضمن حدود الاستخدام المدني فقط، والحيلولة
دون بلوغ إيران "عتبة الدولة النووية"، بينما تُصر طهران على أن
برنامجها سلمي بالكامل، وتطالب برفع العقوبات الخانقة المفروضة على اقتصادها، التي
تفاقمت بفعل الجمود في الاتفاق النووي منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2018.
مواقف متصلبة وتوقعات محدودة
مصادر دبلوماسية غربية استبعدت أن تُفضي
الجولة المقبلة إلى اختراقات جوهرية، مشيرة إلى أن الشق السياسي في
أوروبا يواجه
انقسامات داخلية بشأن كيفية التعاطي مع إيران، في ظل ضغوط إسرائيلية وأمريكية
متزايدة، خاصة بعد المواجهة الأخيرة، التي وُصفت بأنها كادت تتحول إلى حرب إقليمية
شاملة.
من جهتها، تأمل طهران أن يُشكل اللقاء بوابة
لإحياء مسار تفاوضي متعدد الأطراف قد يُعيد صياغة اتفاق شامل، أو يُمهّد على الأقل
لخفض التصعيد واستعادة بعض قنوات التواصل التي جُمّدت بفعل التصعيد العسكري الأخير.
التحول من فيينا إلى إسطنبول.. رمزية ومغازٍ
اختيار إسطنبول كمقر للمفاوضات يحمل دلالة
جيوسياسية أيضًا، فبينما كانت العاصمة النمساوية فيينا تمثل الموقع التقليدي
لمفاوضات الاتفاق النووي، فإن اللجوء إلى إسطنبول قد يُفسَّر على أنه محاولة
لإيجاد مسار أكثر مرونة وبعيدًا عن الانقسامات الغربية الواضحة. كما يُنظر إلى
تركيا ـ رغم علاقتها المعقدة مع الطرفين ـ بوصفها طرفًا قادرًا على لعب دور
"مُيسّر حذر" في الملفات الإقليمية المعقدة.
لطالما أثار البرنامج النووي الإيراني قلق
القوى الغربية، التي ترى أن طهران باتت أقرب من أي وقت مضى إلى "نقطة
اللاعودة" في قدرتها التقنية على تطوير سلاح نووي، بينما تؤكد إيران أن
التخصيب الذي تجريه ـ بنسبة تصل إلى 60% ـ لا يعني نيتها إنتاج القنبلة، وتستند في
ذلك إلى فتوى المرشد الأعلى بتحريم امتلاك السلاح النووي.
لكن الدول الأوروبية تقول إن الضمانات
الدينية أو السياسية لا تكفي، وتطالب بإعادة تفعيل آليات الرقابة الكاملة عبر
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما تُراوغ فيه إيران، متذرعةً بانعدام الثقة
نتيجة الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي السابق.