افتتحت إثيوبيا، الثلاثاء، "سد
النهضة" الذي تبنيه على
النيل الأزرق منذ نيسان/ أبريل 2011، ولمدة 14 عاما
ونصف، في مشهد احتفالي لنحو 120 مليون إثيوبي، في مقابل مخاوف 155 مليون نسمة
آخرين هم سكان دولتي مصب النهر
مصر والسودان.
ويتخوف المصريون والسودانيون من حجب السد لحصص
بلادهم التاريخية من مياه النيل (55.5) و(18.5) مليار متر مكعب سنويا، خاصة مع
البيانات الحكومية التي تشير لخطورة وضع القاهرة والخرطوم اللتين تعتمدان على مياه
النيل بنسبة (97) و(77) بالمئة على التوالي، وطالبوا بـ"التحرك العاجل والبحث
عن خيارات البلدين بعد افتتاح السد وتشغيله".
اتفاقية 1997 ومحكمة العدل
في رؤيته، قال الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم
الزراعية، عبدالتواب بركات، لـ"عربي21"، إن "فرض إثيوبيا الأمر
الواقع واستكمالها بناء السد يخالف مبادئ القانون الدولي ويتجاوز اتفاق إعلان
المبادئ الذي نص على ضرورة تقييم آثار السد على مصر، ومن ثم تحديد حجمه بما لا
يسبب أضرارا لا يمكن معالجتها".
وأكد أن "تصميم إثيوبيا على بناء سد بحجم
74 مليار متر مكعب، دون اتفاق وتنظيم ودولتي المصب، يمثل خطرا وجوديا لا تتحمله
مصر التي تعتمد على مياه النيل بنسبة 97 بالمئة، وبذلك يعتبر السد محبسا للمياه
بيد إثيوبيا إن شاءت أغرقت وإن شاءت أجدبت".
وحول خيارات مصر، يرى أنه "عليها ألا
تستسلم لسياسة الأمر الواقع، وتنضم لاتفاقية (استخدامات مياه الأنهار الدولية في
الأغراض غير الملاحية) لسنة 1997، وترفع ملف السد لمحكمة العدل الدولية، التي تفصل
بهذه القضايا وفق الاتفاقية التي تمثل طوق نجاة لحماية حقوق مصر المائية، لأنها
تعترف بالاتفاقيات السابقة، والاستخدامات الحالية ومنها حصة مصر التاريخية".
ولفت إلى أن تلك الاتفاقية "تراعي عدد
السكان المعتمدين على تلك الحصة، وعدم وجود بدائل لمياه النيل في مصر، وتأخذ في
الاعتبار حجم أمطار غزيرة تسقط على أثيوبيا، تصل 2000 مليار متر مكعب من المياه
سنويا".
وخلص بركات، للقول إن "اللجوء لمحكمة
العدل الدولية يثبت حق مصر بمياه النيل، وعدم مشروعية السد وتعارضه والأعراف
والقوانين الدولية، وبالتالي يمكن التفاوض مجددا على تخفيض حجم السد واسترداد
الحقوق المسلوبة في المستقبل بالوسائل المتعارف عليها".
عطش يقترب.. ومسؤولية لا تُغتفر
في رؤيته، قال المتحدث الرسمي لمجموعة
"تكنوقراط مصر" هشام الجعراني: "المشروع صار واقعا مفروضا، وتواجه
مصر والسودان خطرا غير مؤجل، فالنيل ليس مجرد نهر لهما بل حياة، وحين ينخفض نصيب
الفرد من المياه أقل من خط الفقر المائي العالمي، فقد دخلنا مرحلة العطش المر".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف:
"إثيوبيا تصرفت وفق مصالحها؛ ونظام القاهرة من فرط في النيل، بتوقيعه إعلان
المبادئ عام 2015، وأعطى لأديس أبابا شرعية بناء السد وملئه بلا ضمانات، وترك
السنوات تمر بمفاوضات عبثية، بينما إثيوبيا تبني وتملأ وتُشغِّل، وخدع الشعب
بشعارات (الخط الأحمر)، في جريمة بحق الوطن".
أكد الجعراني، أن "الخيارات ضاقت، لكنها
لم تنعدم"، مشيرا إلى "أدوار خارجية"، وذلك "عبر اتفاق مُلزم
لقواعد التشغيل، يحدد حدا أدنى للتصريف بسنوات الجفاف، ويضمن مشاركة البيانات
والإنذار المبكر للفيضان والجفاف بين الدول الثلاث".
ومن خلال "بروتوكول مؤقت مدة سنتين،
كتجربة لإثبات حسن النوايا، تتعاون فيه الدول لتقليل المخاطر ريثما يُنتزع اتفاق
دائم"، بجانب "مقايضة واقعية، بشراء الكهرباء من إثيوبيا وربط الشبكات،
بين الدول الثلاث، مقابل التزام مكتوب وصارم بقواعد تشغيل السد".
ودعا لضرورة "إنشاء محطات تحلية عاجلة على
السواحل، وإعادة استخدام ومعالجة المياه، ووقف زراعة المحاصيل الشرهة للمياه،
وتحديث نظم الري وتبطين الترع لتقليل الفواقد"، معتبرا أنها "إجراءات
ليست رفاهية، بل إجراءات حرب للبقاء"، مطالبا المصريين بـ"رفع صوتهم
والمطالبة بالحق في الحياة".
هل تتلاقى اختيارات السودان واختيارات مصر؟
الأكاديمي المصري والخبير في ملف المياه
والسدود الدكتور محمد حافظ، أكد لـ"عربي21"، أنه "باستكمال تشغيل السد
صار غير مناسبا وضع مصر والسودان بموقف واحد من حيث (الاختيارات)".
وأوضح أن "السد بالنسبة للسودان حال
استثناء عنصر الانهيار يمثل أهمية استراتيجية عظمى ويفيدها كما أفاد السد العالي
مصر”.
وأشار إلى أن "كل متر مكعب تستفيد منه
السودان سيخصم من حصة مصر"، لافتا إلى "ضعف قبضة الحكومة المركزية
السودانية على معظم الولايات".
ويرى حافظ أن "موقف مصر باكتمال تشغيل
السد سيكون عكس موقف السودان"، متوقعا "زيادة اعتماد القاهرة على مخزون
بحيرة ناصر التي ستتناقص تدريجيا”.
وأكد أنه "لولا حرب السودان الأهلية، لما
زاد منسوب بحيرة ناصر عن (172 مترا فوق سطح البحر)".
السيناريوهات المحتملة
واقترح الخبير والأكاديمي المصري عددا من
السيناريوهات للتعامل مع السد بعد اكتماله من حيث الملء والتشغيل، مؤكدا أن
"أفضل نهج هو ملء تدريجي مقيّد بمؤشرات الجفاف مع قواعد إطلاق دنيا مضمونة
ومتوسطة على 4–5 سنوات”.
ويرى أن "الأسوأ أثرا هو الملء السريع مع
أولوية تعظيم التوليد”.
واقترح قواعد كمية خلال فترة الجفاف الممتد،
بـ"خيار تعاوني يعتمد على تعريف تشغيلي للجفاف الممتد عند منسوب السد العالي
~165م”.
وأوضح أنه نهج يُفسر أولا بعمل "حد أدنى
متوسط للإطلاق يعادل 39 مليارم³ على كل 4 سنوات، و40 مليارم³ على كل 5 سنوات”.
وثانيا: بـ"تعريف الجفاف الممتد تشغيليا
عند هبوط منسوب السد العالي إلى نحو 165م تقريبا”.
وفي رؤيته لسيناريوهات الملء تحت الجفاف، قال
بـ"ملء تدريجي مقيّد بالجفاف بالمحافظة على تشغيل التوربينات”.
وأيضا: "ملء قائم على مؤشر الجفاف، بربط
قرارات الحجز/الإطلاق بمنسوب السد العالي”.
وكذلك "ملء سريع بأولوية الطاقة، بالحفاظ
على منسوب السد قرب 625م لتعظيم التوليد حتى خلال الجفاف”.
وأشار إلى خيار "الملء التعاوني مع
تعويضات طاقية"، عبر "ربط حد أدنى سنوي/شهري للإطلاقات بعقود قدرة/طاقة”.
وتحدث حافظ عن "تشغيل منسّق أثناء
الجفاف"، مبينا أنه "عند بقاء السد العالي فوق ~50 مليارم³ تخزين أي عند
منسوب (165 تقريبا)...".
وأكد أنه "أثناء الجفاف الشديد، تُرفع
الإطلاقات عبر التوربينات قدر الإمكان، واللجوء للمنافذ السفلى (بالسدود السودانية".
وختم الخبير المصري عرض سيناريوهاته
بـ"تعافي ما بعد الجفاف"، عبر "تسريع استعادة مخزون السد العالي
أولا عبر تشغيل توربينات (
سد النهضة) مبكرا بالقرب من الحد الأدنى التشغيلي بدلا
من أولوية إعادة ملأه، ما يخفف عجز مصر بسنوات التعافي ثم يسمح بارتفاع منسوب (سد
النهضة) تدريجيا مع تحسن الإيرادات".