في ثاني زيارة
لروبيو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير الماضي، وقف وزير
الخارجية الأمريكي ماركو
روبيو الأحد، أمام
حائط البراق (يسمى إسرائيليا بالحائط الغربي أو المبكى) في القدس المحتلة، معتمرا القلنسوة
اليهودية، وبجواره رئيس حكومة الاحتلال بنيامين
نتنياهو، أثناء أداءهما صلاة صامتة، في مشهدٍ أثار تساؤلاتٍ حول دلالات هذه
الزيارة وما إذا كانت تحمل رسائل مُخْتَلفة.
اصطحب رئيس الوزراء
الإسرائيلي روبيو في جولة في حائط البراق، حيث وضع الرجلان صلوات مكتوبة
بين شقوق الحجارة، كتب فيها وزير الخارجية الأميركي دعوة إلى السلام، قبل أن يأخذ
زائره الأمريكي إلى تحت الأرض لمشاهدة الحفريات الأثرية الواقعة أسفل الحي
الإسلامي في البلدة القديمة والتي سبق وهدم منازلها الاحتلال.
صُمم برنامج
روبيو العام للزيارة، لتسليط الضوء على الآثار التي تروج "إسرائيل" بأنها دليل على
حقها في المطالبة بتهويد القدس الشريف، بحسب
صحيفة الغارديان، والتي تُشكل جوهر
الدعم الإنجيلي الأمريكي لإسرائيل، ويعد روبيو أرفع مسؤول أمريكي يزور حائط البراق
منذ زيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية في الولاية الرئاسية الأولى لترامب، إلى
جانب نتنياهو عام 2019، والتي وُصفت آنذاك بأنها زيارة رمزية مهمة.
وحاولت
الولايات المتحدة تاريخيا إظهار الحياد بشأن وضع الموقع المقدس الذي يشمل أيضا
المسجد الأقصى، وهو من أهم المقدسات لدى العالم الإسلامي، ورافق روبيو في جولته
السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، وهو قس معمداني كان مؤيدًا متحمسًا
للمستوطنين والتوسع الإقليمي الإسرائيلي.
نتنياهو الذي
وصف روبيو بـ"الصديق الاستثنائي" لإسرائيل، قال إن زيارة وزير الخارجية
الأمريكي تُظهر مدى قوة التحالف الإسرائيلي- الأمريكي، وخاطب الصحفيين وهو يُشير
إلى روبيو: "لم يكن هذا التحالف أقوى من أي وقت مضى، إنه قوي ومتين كأحجار
الحائط التي لمسناها للتو".
حي
"سلوان" الفلسطيني
من ضمن الأماكن
التي وضعت ضمن جدول زيارات وزير الخارجية الأمريكي، هي جولة في حي
"سلوان" الفلسطيني بشرقي القدس المحتلة، وما تسميه "إسرائيل" بحديقة "مدينة
داوود" الأثرية، التي تديرها منظمة "إلعاد" الاستيطانية اليمينية
المتطرفة، والتي افتتح الحفريات فيها للمرة الأولى، السفير الأمريكي السابق لدى
إسرائيل، ديفيد فريدمان، وقال حينها إنها تُبرر قرار ترامب في كانون الأول/ديسمبر
2017 بالاعتراف بالقدس عاصمةً لـ"إسرائيل".
ووفق حركة
"السلام الآن" الإسرائيلية المتخصصة في مراقبة النشاطات الاستيطانية
الإسرائيلية، فقد أكدت أن "زيارة روبيو ليست سوى اعتراف أمريكي بالسيادة
الإسرائيلية على أكثر أجزاء القدس المحتلة حساسية، وهو ما يتناقض مع موقف واشنطن
الراسخ منذ عام 1967، ودليل على أن فريق ترامب اختار ترسيخ سطوة الاستيطان في قلب
منطقة الحرم الشريف، بدلًا من الدفع بتسوية سياسية.
وفي أيلول/ سبتمبر
1996، وبعد وقت قصير من تولي بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء لأول مرة، أشعل
افتتاح مخرج من أنفاق حائط البراق بالقرب من الحرم الشريف "انتفاضة
الأنفاق"، التي قُتل فيها 15 جندياً إسرائيلياً واستشهد نحو 70 فلسطينياً.
وفي عام 2009،
خلال فترة ولاية نتنياهو الثانية، خطط لافتتاح نفق أصغر تحت سلوان، وهو ما يُعرف
بـ"قناة تصريف المياه"، قبل أن تتدخل إدارة الرئيس أوباما، موضحةً أن هذه
الخطوة غير مقبولة، فأُلغي الحدث بهدوء.
في أيار/ مايو 2017، أصبح ترامب أول رئيس أمريكي في السلطة يزور حائط البراق، مُخالفًا بذلك
عقودًا من السابقة الأمريكية التي كانت تُقرر أن وضع القدس يُحدد من خلال
المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، واستولت إسرائيل على البلدة القديمة في
القدس في حرب الأيام الستة عام 1967.
وقد حُفر
النفق الذي يبلغ طول 600 متر من قِبل سلطة الآثار الإسرائيلية بالنيابة عن جمعية
إلعاد، بتمويل حكومي يقارب 15 مليون دولار، ويبدأ من الطرف الجنوبي لوادي حلوة في
سلوان، مرورا تحت منازل فلسطينية وأسوار البلدة القديمة، وينتهي بجوار أساسات حائط البراق، وهو جزء من البناء الداعم للمسجد الأقصى، ويقع على بُعد أمتار
قليلة منه فقط.
وأثارت حفريات
الأنفاق مخاوف عميقة بين الفلسطينيين وعززت الشكوك حول محاولات إسرائيل فرض
سيطرتها على المسجد الأقصى "من الأسفل"، عبر الأنفاق، كما تهدف هذه
السياسة إلى منع الأحياء الفلسطينية المحيطة بالبلدة القديمة من أن تصبح جزءًا من
عاصمة فلسطينية مستقبلية.
دعم مُطلق
لـ"إسرائيل"
روبيو وقبل مغادرته
إلى تل أبيب، أشار إلى أنه ينوي الموازنة ما بين انتقاد إسرائيل لمهاجمتها قطر، مع
تقديم رسالة تؤكد استمرار دعم الولايات المتحدة الواسع لها، وقال روبيو للصحفيين
إنه:" في حين أن ترامب "غير سعيد" بالضربة على الدوحة، فإنها لن
تغير طبيعة علاقتنا مع الإسرائيليين"، وأضاف أن واشنطن وتل أبيب ستناقشان كيف
يمكن أن يؤثر الهجوم على الجهود الرامية إلى تأمين التهدئة في غزة، مشيرا إلى أن
الرئيس ترامب يريد إنهاء هذا الأمر بإطلاق سراح 48 رهينة دفعةً واحدة.
تأييد أمريكي
مُطلق، يأتي في وقت تواجه فيه إسرائيل اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد
الفلسطينيين في غزة، فضلا عن وجود مذكرة اعتقال بحق نتنياهو من المحكمة الجنائية
الدولية، مع ترقب انعقاد قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، والتي
من المتوقع أن يعترف فيها بعض حلفاء أمريكا البارزين، بما في ذلك المملكة المتحدة
وفرنسا وكندا وأستراليا وبلجيكا، بدولة فلسطين.
قال برايان
كاتوليس، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط، إن من غير المرجح أن يدفع روبيو
إسرائيل نحو وقف إطلاق النار، واضاف كاتوليس الذي عمل على سياسة الشرق الأوسط في
عهد الرئيس السابق بيل كلينتون: "هناك سلبية مثيرة للقلق في التوصل إلى وقف
لإطلاق النار في غزة".
وتأتي زيارة روبيو،
بالتزامن مع انعقاد القمة الطارئة للزعماء العرب والإسلاميين التي دعت إليها قطر، وحث
رئيس وزرائها الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني المجتمع الدولي على "التوقف
عن استخدام المعايير المزدوجة"، داعيا لومعاقبة إسرائيل على "جرائمها".
من جهتها، تسعى
حكومة نتنياهو إلى التقليل من شأن أي خلاف مع إدارة ترامب بشأن غارة الدوحة، في
حين تظل متحدية بشأن الهجوم، وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني
دانون، لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "لدينا حوار وثيق للغاية مع الإدارة، نحن
على تنسيق معهم، وكان رد الفعل الأمريكي معقولًا نسبيًا"، وأضاف:
"أعربوا في مجلس الأمن عن تحفظات، لكنها كانت طفيفة، أخذنا في الاعتبار أن
لهذا الأمر ثمنًا"، وأضاف: "يحاول
القطريون استغلال الحادثة وهذا الوضع من وجهة نظرهم، أما نحن، فقد أوصلنا رسالة
واضحة مفادها أننا سنلاحق (الإرهابيين) في كل مكان".
تصعيد عسكري
في غزة
وتأتي زيارة
روبيو في وقت تصعّد إسرائيل عملياتها في إطار خطتها المعلنة للسيطرة على مدينة
غزة، كبرى مدن القطاع وأكثرها اكتظاظا بالسكان، ودمّر الطيران الإسرائيلي في الآونة الأخيرة عددا من المباني العالية لإجبار
السكان على النزوح.
وكالة رويترز
نقلت عن مسؤولين فلسطينيين قولهم إن الجيش الإسرائيلي دمر ما لا يقل عن 30 مبنى
سكنيا في مدينة غزة وأجبرت آلاف الأشخاص على ترك منازلهم، في الوقت الذي وصل فيه
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل لمناقشة مستقبل.
وحثت الأمم المتحدة وأطراف دولية إسرائيل على وقف
العملية، محذّرة من أن الهجوم وعمليات النزوح الناجمة عنه ستفاقم الأزمة الإنسانية
التي بلغت حد إعلان المنظمة الدولية رسميا المجاعة في غزة الشهر الماضي.