أثارت الزيارة التي قام بها وزير الخارجية بحكومة
الدبيبة الليبية الطاهر الباعو إلى
اليونان والاتفاق معها على إعادة ترسيم الحدود
بينهما في البحر المتوسط، بعض الأسئلة حول أهداف الخطوة وتأثيرها على علاقة
الحكومة الليبية بدولة
تركيا والاتفاقية البحرية معها.
وكشفت وزارة الخارجية اليونانية أنّ "الباعور
اتفق مع نظيره اليوناني على إطلاق عملية لترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بين
اليونان وليبيا في المتوسط، وتشكيل لجنة فنية من البلدين بالخصوص، وكذلك إجراء
محادثات لحل النزاع القائم بينهما بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة".
احتجاج ضد الاتفاق
وقبيل زيارة الوزير الليبي، قدمت الحكومة اليونانية
رسالة احتجاج رسمية إلى الأمم المتحدة بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر 2025، ترفض فيها
مطالبات
ليبيا الأخيرة بشأن تحديد حدود مناطقها البحرية المستندة على الاتفاقية مع
تركيا، والتي اعتبرتها أثينا أنها اتفاقية غير قانونية لأنها تتجاهل حقوق الجزر
اليونانية وتتعارض مع القانون الدولي"، وفق الرسالة.
ورفضت حكومة اليونان عبر رسالتها ما تتبناه ليبيا
بأن الخط الأوسط للحدود يجب أن يُرسم بناءً على السواحل القارية فقط، وهو الموقف
الذي تتبناه تركيا أيضًا، في حين دافعت أثينا عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية
التي أبرمتها مع مصر عام 2020، مشددة على أن الاتفاقية تمت بين دولتين متقابلتين
على الساحل وتتوافق مع القانون الدولي".
ورأى مراقبون أن خطوة الدبيبة بالتقارب مع اليونان
في هذا التوقيت هي مغازلة منه للاتحاد الأوروبي المؤيد لأثينا والرافض للاتفاقية
مع تركيا، وأنها مجرد مناكفات من الدبيبة ضد البرلمان ولجذب أنظا أنقرة من جديد
بعد انفتاحها المتسارع مع شرق ليبيا وحفتر.
فما وراء الاتفاق الجديد والمفاجيء بين اليونان
وحكومة الدبيبة الآن؟ وما تأثيره على اعتماد الاتفاقية التركية الليبية؟
رفض عملي
من جهته، أكد رئيس حزب إعمار ليبيا والمرشح لرئاسة
الحكومة الليبية الجديدة، عبدالحكيم بعيو أن "التحرك اليوناني تجاه حكومة
الدبيبة يأتي ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض الاتفاق التركي-الليبي من الناحية
القانونية والدبلوماسية، وفي الوقت نفسه إلى تعزيز شراكة مباشرة مع طرابلس.
وأشار في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" أن
"هذه الخطوة تمثل إحدى صور الرفض العملي للاتفاقية، لكنها لا تصل إلى حد
الإلغاء الفوري، بل تعكس محاولة بناء بدائل ومسارات جديدة على المدى المتوسط، كما
تحمل بُعداً سياسياً واضحاً، فهي تضغط على الحكومة الليبية في طرابلس، وعلى
البرلمان في الشرق، وكذلك على الأطراف الإقليمية، لدفعها إلى إعادة النظر في
مواقفها أو الدخول في مسار تفاوضي يطمئن أثينا وحلفاءها الأوروبيين بشأن الحقوق
البحرية في المتوسط"، بحسب تقديراته.
وتابع: "من جانب آخر، فإن هذا الانفتاح يصب في
مصلحة حكومة طرابلس، إذ يمنحها ورقة ضغط إضافية على الأتراك الذين يبدون أكثر
اصطفافاً مع المعسكر الشرقي، مما يوازن المشهد السياسي ويقوي موقع الدبيبة في
التفاوض"، حسبما صرح.
"مغازلة
وإغضاب أنقرة"
في حين قال المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى
للدولة في ليبيا، السنوسي إسماعيل الشريف إن "التقارب مع اليونان الآن يدخل
ضمن محاولات حكومة الدبيبة تمديد بقائها في السلطة كون اليونان تبحث عن سبل لإلغاء
الاتفاقية الليبية مع تركيا".
وأكد في تصريحه لـ"
عربي21" أن "تباطؤ
البرلمان في اعتماد والتصديق على الاتفاقية يفسح المجال أمام اليونان لتضغط على
حكومة الدبيبة لإلغاء هذا الاتفاق مع أنقرة، وحصول أثينا على تنازلات مفترضة من
الدبيبة لأنها تعلم أن تركيا ماضية في حل سياسي دولي توافقي"، وفق قوله.
وأضاف: "الدبيبة يدرك قوة النفوذ التركي
والترابط الكبير بين المصالح التركية والليبية عامة، لذا من الصعب عليه نقض
الاتفاقية لأنها أساسا وقعت مع حكومة الوفاق السابقة وليس مع حكومته، لكن لا
يمكن للدبيبة أن يرضي أثينا بدون أن يغضب أنقره دولياً وكذلك إغضاب البرلمان
ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي محليا فربما يكون وقت استخدام الاتفاقية كورقة
مساومة قد ولى"، كما رأى.
البحث
عن الاستثمار
الناشط السياسي المقرب من حكومة حماد، أحمد الفضلي
قال من جانبه إن "اليونان تعمل بشكل مجتهد للحصول على فرصة استثمارية من خلال
ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، وهذا يعتبر جزءا من التنافس في المنطقة خاصة مع
تركيا التي بدورها أخذت خطوات متقدمة نحو تحقيق شراكه اقتصادية متكاملة مع كافة
الأطراف الليبية".
وأوضح أنه "بخصوص ترسيم الحدود البحرية مع
ليبيا فإن الانقسام السياسي صعّب مسألة التواصل والتنسيق مع الأطراف الليبية
باعتبار أن الحدود البحرية المقابلة لليونان وتركيا تقع خارج سيطرة حكومة الدبيبة
بينما السيطرة الكاملة هناك للحكومة المكلفة من البرلمان"، بحسب رأيه.
وأضاف لـ"
عربي21": "هذه الاتفاقيات
تلزمها موافقة البرلمان الليبي الذي يرى أن حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة
هي حكومة منتهية الولاية وغير شرعية، لذلك فإن تركيا نفسها أدركت هذه الأمور وأخذت
في تقريب وجهات النظر مع كافة الأطراف الليبية حتى تتماشى مع مصالحها الاقتصادية
في المنطقة في ذات الوقت تقدم حلولا سياسية حتى يستمر الاستقرار على الساحة
الليبية"، كما صرح.