سياسة عربية

NYT: بعد أن أجبره ترامب.. نتنياهو يتبنى اتفاق غزة كنصر شخصي

ترامب يمسك بزمام القرار الإسرائيلي.. ونتنياهو يرضخ تحت الضغط- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا للصحفية إيزابيل كيرشنر، تناولت فيه التطورات السياسية الأخيرة في حكومة الاحتلال، مشيرة إلى أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نسب لنفسه الفضل في خطة ناشئة تهدف إلى تحرير جميع الأسرى لدى حركة حماس وإنهاء الحرب المستمرة منذ عامين في غزة.

وأوضحت الصحيفة أن هذا الادعاء لم يكن مقنعا للإسرائيليين أو الفلسطينيين أو حتى للمراقبين في المنطقة، إذ بدا واضحاً أن صاحب القرار الفعلي هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لعب الدور الحاسم في فرض الخطة على نتنياهو.

وأكد نتنياهو في خطاب تلفزيوني مقتضب وجهه إلى الإسرائيليين السبت، أن الخطة كانت ثمرة تحرك دبلوماسي قاده خلال أسابيع بالتنسيق مع ترامب وفريقه، إلا أن الرئيس الأمريكي قدّم رواية مختلفة في مقابلة مع مراسل إسرائيلي لموقع "أكسيوس" وعدد من القنوات العبرية، حيث قال إنه أجبر نتنياهو، الذي كان مترددا، على قبول الشروط.

وأضاف ترامب مخاطبا نتنياهو بلقبه: "قلت له: بيبي، هذه فرصتك للنصر، وليس أمامك خيار آخر، معي يجب أن تكون راضيا".

ونقلت "نيويورك تايمز" عن محللين قولهم إن نتنياهو يفتقر حاليا إلى القدرة على تحدي ترامب، في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة لإسرائيل بسبب حربها في غزة، وعزلتها السياسية التي جعلت اعتمادها على واشنطن شبه مطلق.

وفي السياق ذاته، كتب الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقالا بعنوان "إنه الزعيم"، قال فيه إن "ترامب لا يهدد نتنياهو، بل يأمره"، مشيرا إلى أن مجريات الأحداث الأخيرة أظهرت بوضوح هذا الواقع، خاصة بعد إنذار ترامب لحماس يوم الجمعة بقبول المقترح، وما تلاه من تفسير سريع لقبول مشروط من الحركة على أنه "موافقة كاملة".

وتابعت الصحيفة أن الإسرائيليين علموا من ترامب نفسه، عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن إسرائيل وافقت على خطة انسحاب أولي داخل غزة كمرحلة أولى من الصفقة، والتي تتضمن تبادل نحو 20 أسيراً إسرائيلياً أحياءً وجثث 28 آخرين مقابل إطلاق سراح 250 أسيراً فلسطينياً محكوماً بالمؤبد ومئات آخرين من غزة. وأعلن ترامب أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ "فوراً" بعد موافقة حماس على الصفقة.

وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو وجد نفسه في موقف حرج، إذ يحاول الموازنة بين تعهداته بـ"النصر الكامل على حماس" وبين الضغوط الأمريكية لإنهاء الحرب. وأوضحت أن الأزمة الإنسانية في غزة، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وانتشار المجاعة، أثارت استياءً عالمياً، فيما أظهرت استطلاعات الرأي داخل إسرائيل أن أغلبية الإسرائيليين باتوا يفضلون إنهاء الحرب واستعادة الرهائن، ما زاد الضغط على الحكومة.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن خبير استطلاعات الرأي الإسرائيلي ميتشل باراك، الذي عمل مساعدا لنتنياهو في التسعينيات، قوله إن رئيس الوزراء "أدرك أن رصيده مع ترامب قد نفد"، مضيفا أن "نتنياهو لا يستطيع هذه المرة تجاهل رئيس أمريكي كما فعل مع بايدن أو أوباما، لأن ترامب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ولن يتساهل مع الموقف الإسرائيلي".

كما أوضحت الصحيفة أن ترامب بدأ يقارن علاقاته مع نتنياهو بعلاقاته مع دول أخرى في المنطقة مثل تركيا وقطر، لافتة إلى أن أردوغان استخدم خطاباً قاسياً ضد إسرائيل، فيما اتهم نتنياهو قطر مؤخراً بـ"إيواء الإرهابيين".

وذكرت "نيويورك تايمز" أن حكومة نتنياهو كانت قد وافقت قبل شهرين على توسيع الحرب والسيطرة على مدينة غزة، رغم تحذيرات الجيش الإسرائيلي من المخاطر الميدانية. إلا أن التقدم العسكري ظل بطيئاً ومحدوداً، وتركّز على تهجير السكان جنوبا.

وأشارت إلى أن نتنياهو أشاد في خطابه الأخير بما وصفه بـ"الضغط العسكري والدبلوماسي" الذي دفع حماس إلى القبول بالاتفاق، رغم أن التفاصيل الفنية لعملية تبادل الأسرى لم تُحسم بعد، فيما تبدأ المحادثات في مصر الاثنين المقبل.

وأكدت الصحيفة أن ترامب أعلن الجمعة على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي: "يجب على إسرائيل أن توقف قصف غزة فوراً حتى نتمكن من إخراج الأسرى بأمان وسرعة"، مضيفة أن الجيش الإسرائيلي بدأ بالفعل تقليص عملياته العسكرية إلى مستوى دفاعي، وهو ما اعتُبر تراجعاً عن موقف نتنياهو الرافض للتفاوض أثناء الحرب.

كما بين التقرير أن خريطة "إعادة الانتشار" التي نشرها ترامب تُظهر احتفاظ إسرائيل بسيطرتها على أجزاء واسعة من غزة، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى انسحاب من الممر الأوسط الذي يقسم القطاع بين شماله وجنوبه.

وأوردت الصحيفة أن ترامب أحرج نتنياهو عندما أجبره على الاتصال برئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لتقديم اعتذار رسمي عن محاولة إسرائيل الفاشلة لاغتيال قادة حماس في الدوحة، ونشرت واشنطن صورة لنتنياهو وهو يقرأ نص الاعتذار بينما كان ترامب ممسكاً بسماعة الهاتف.

وأضاف التقرير أن الرئيس الأمريكي وفريقه ألزما نتنياهو أيضاً بالتوقيع على بند في الاتفاق يتضمن "مساراً موثوقاً نحو إقامة دولة فلسطينية"، رغم أن نتنياهو طالما تفاخر بأنه منع هذا الخيار. ونقلت الصحيفة عن ميتشل باراك قوله: "شهدت مسيرته السياسية انهياراً حاداً خلال أيام قليلة، لقد وافق على كل شيء".

مع ذلك، لفتت "نيويورك تايمز" إلى أن مراقبين آخرين يرون أن نتنياهو، الذي يُعد أطول رؤساء الوزراء خدمة في إسرائيل، ما زال قادراً على المناورة السياسية. ونقلت عن الكاتبة مزال معلم، مؤلفة سيرة نتنياهو ومعلقة موقع "المونيتور"، قولها إن رئيس الوزراء "يعرف متى يضبط نفسه، وقد نجح في إقناع حزبه وقاعدته بأن الاتفاق يمثل فوزا لإسرائيل".

وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن نتنياهو، الذي ينظر إلى الأمور من منظور تاريخي، يدرك أن الدخول في صراع مع ترامب سيضر بمستقبله السياسي أكثر مما سيؤثر على ترامب نفسه.