أكدت صحيفة "
وول ستريت جورنال" أن حركة
حماس تعرضت للضغوط كي توافق على صفقة لم تردها، وعندما رأى القيادي البارز في حماس خليل الحية، لأول مرة خطة الرئيس ترامب للسلام، والتي طالبت بنزع سلاح حركته مع خطوات ملموسة لضمان إنهاء "إسرائيل" للحرب، كان رد فعله الفوري هو الرفض.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مطلعين على المناقشات قولهم إن الخطة، التي عدلتها "إسرائيل" بشكل كبير وقدمها رئيس الوزراء القطري ورئيس المخابرات المصرية إلى حماس، لم تبد كما توقعها الحية، الذي تعرض قبل أقل من شهر لهجوم إسرائيلي في قطر، وأخبر زواره أن الحركة ستحتفظ بالأسرى الإسرائيليين لديها حتى تحصل على ضمانات قابلة للتنفيذ بإنهاء الحرب.
وأوضحت أنه "بعد يومين، عادت حماس إلى
الوسطاء العرب بموافقتها. لم يتغير الاتفاق، بل تغير الضغط على حماس. فقد أبلغت مصر وقطر الحية أن الاتفاق هو فرصته الأخيرة لإنهاء الحرب، وفقا للمسؤولين. وضغط الوسيطان على حماس وطلبا منها فهم أن احتجاز الرهائن أصبح عبئا استراتيجيا، مما يمنح إسرائيل مصدرا للشرعية لمواصلة القتال".
وذكرت أنه "في اليوم التالي، انضمت إليهما تركيا، وحذروه من أنه في حال عدم موافقة حماس على الخطة، فسيتم تجريدها من كل غطاء سياسي ودبلوماسي، ولن تستضيف قطر وتركيا القيادة السياسية للحركة، وستتوقف مصر عن الضغط على حماس لإبداء رأيها في إدارة
غزة بعد الحرب، وفقا للمسؤولين".
وأضافت الصحيفة أن "ذلك كان ذلك كافيا لحمل حماس على الموافقة على إطلاق سراح جميع رهائنها في غزة والتوقيع على الجزء الأول من اتفاق ترامب للسلام، متخليةً عن أهم ورقة تفاوضية لديها للحفاظ على مقعدها على الطاولة. وبينما عدلت حماس قبولها بتحذيرات صارمة تعكس مخاوفها بشأن الاتفاق، فقد منحت ترامب فرصة لإعلان النصر وتمهيد الطريق لإطلاق سراح الرهائن في وقت مبكر من هذا الأسبوع".
وعلقت تهاني مصطفى، الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قائلة: "لقد تعرضت حماس نفسها لضغوط كبيرة من الوسطاء الإقليميين" و"كما تعلم حماس أنها لن تنجو سياسيا على الأرجح إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، خاصة في ظل تراجع شعبيتها".
وعندما سئل خالد القدومي، ممثل حماس في طهران، عن الضغط الذي مورس على الحركة للتوصل إلى اتفاق، قال إن حماس أيدت اقتراح ترامب لأنه يضمن عدم إجبار الفلسطينيين على مغادرة غزة ويمهد الطريق للمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. وأضاف القدومي أن الحركة تعتمد الآن على ترامب لضمان عدم عودة إسرائيل إلى القتال. وتضيف الصحيفة أن الحملة التي أجبرت حماس على قبول صفقة لم ترغب فيها، كانت نتيجة أسابيع من الجهود التي بذلها فريق ترامب لجمع قوى الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر وقطر وتركيا، في جهد منسق لحمل حماس على الموافقة على الانضمام.
وقالت الصحيفة إن النقاد للوسطاء العرب طالبوا الوسطاء العرب بذل المزيد من الجهد للضغط على حماس لإنهاء الحرب. لكن هذه المرة، كانت الظروف مواتية. وقال مايكل راتني، السفير الأمريكي السابق لدى السعودية: "أعتقد أن الجميع أرادوا فقط الانتهاء من هذا الأمر".
كما ومنحت العلاقات الجيدة مع تركيا ودول الخليج، الرئيس ترامب نفوذا على الدول التي تربطها علاقات بحماس. في غضون ذلك، شعرت دول الخليج بالقلق من أن الحرب قد تهدد أمنها بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على حماس في قطر. كما تعرضت حماس لضغوط متزايدة في الداخل، إذ تعاني من نقص التمويل، وبالكاد قادرة على مواصلة حرب العصابات ضد القوات الإسرائيلية التي سيطرت على جزء كبير من غزة، وتواجه شعبا فلسطينيا عانى من الجوع والدمار، ولم يكن يريد سوى انتهاء الحرب. وبمجرد أن نجح ترامب في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالموافقة علنًا على إنهاء الحرب، وجدت حماس نفسها في الزاوية باعتبارها الرافض الوحيد.
وأظهرت حماس بالفعل استعدادا لتقديم تنازلات قبل أن يكشف ترامب عن خطته. ففي آب/أغسطس، تخلت الحركة عن مطلبها بانسحاب إسرائيل بالكامل من الممر الممتد على طول حدود غزة مع مصر، بالإضافة إلى المناطق الأمنية المحيطة بحدود القطاع مع إسرائيل.
كما أبدت حماس استعدادها لتسليم أسلحة أثقل، مثل قاذفات الصواريخ، إلى مراقبين عرب، ولمغادرة بعض قادتها غزة، وفقا لوسطاء عرب. في غضون ذلك، تجاهلت إسرائيل الضغوط الدولية لإنهاء الحرب، وبدأت في اتخاذ موقف أكثر تشددا، وشنت هجوما جديدا على مركز مدينة غزة، وطالبت حماس بالاستسلام لوقف القتال. ورغم أن العديد من جوانب الاتفاق الحالي كانت مطروحة على الطاولة منذ عام أو أكثر، إلا أن ميزان القوى في الشرق الأوسط قد تغير بشكل كبير، مما هيأ الظروف لتحقيق انفراجة. وأدت الحملات العسكرية والاستخباراتية ضد لبنان وإيران إلى تزايد قلق العالم العربي من تنامي قوة إسرائيل واستعدادها لاستخدامها.
وقد أبرزت الضربة التي تعرضت لها قطر، حليفة الولايات المتحدة التي تستضيف أيضا قاعدة عسكرية أمريكية رئيسية، خطر اختراق الحرب للفقاعة الأمنية في الخليج، وزعزعة استقرار حتى أغنى دول المنطقة وأكثرها نفوذا، مما زاد من حدة معارضة الدول العربية للحرب. كما بدأ ترامب بمغازلة تركيا.
كان الرئيس جو بايدن قد همش الرئيس رجب طيب أردوغان بعد سنوات من التوتر الدبلوماسي مع واشنطن. أما ترامب، الذي تربطه علاقة أكثر ودا بأردوغان، فقد سمح للزعيم التركي بأول لقاء له في البيت الأبيض منذ أكثر من نصف عقد في أيلول/ سبتبمر.
كما ترأس أردوغان اجتماعا لقادة الدول ذات الأغلبية المسلمة في الأمم المتحدة، حيث ناقشوا سبل حل الحرب في غزة. وقالت غونول تول، الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط: "عزز ذلك وجهة نظر ترامب بأن أردوغان هو الشخص المناسب لإجبار حماس على التراجع".
وأرسل أردوغان رئيس استخباراته، إبراهيم كالين، للانضمام إلى محادثات صفقة الأسرى التي عقدت الأسبوع الماضي في منتجع شرم الشيخ المصري. وقد عزز حضور تركيا الشعور بأن المنطقة تتحدث بصوت واحد لصالح التوصل إلى اتفاق. وعندما وصل الحية إلى شرم الشيخ لقيادة المحادثات نيابةً عن حماس بعد وقت قصير من محاولة إسرائيل اغتياله، كان ذلك رمزا لكيفية تمكن الحركة من النجاة من أكثر من عامين من القصف الإسرائيلي الهادف إلى القضاء على الجماعة المسلحة بعد هجومها المميت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي أشعل فتيل الحرب. في الواقع، مع ذلك، كان الوقت ينفد من الحية وحماس مع تقارب القوى الإقليمية. وقبل اختتام الاجتماعات في اليوم الأول، وجه الوسطاء تحذيرا إلى حماس: ضعوا ثقتكم في
خطة ترامب أو واجهوا حربا لا نهاية لها. أمامكم خمسة أيام لاتخاذ القرار.
قبل هذا الموعد النهائي، ومع استمرار المناقشات حول قضايا رئيسية، بما في ذلك خط الانسحاب الدقيق للقوات الإسرائيلية في غزة وقائمة السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وافقت حماس رسميًا على إطلاق سراح الأسرى.